أعداء مصر المأجورون

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٦/ديسمبر/٢٠١٧ ٠٤:٠١ ص
أعداء مصر المأجورون

أحمد المرشد

تمر مصر في وقتنا الراهن بظروف غاية في الصعوبة، فهي تواجه أكثر من حرب ضروس، فالإرهاب يحاصرها ويأبى الإرهابيون التخلي عن أغراضهم الدنيئة بتحويل مصر إلى دولة فوضوية مثل بعض الدول العربية على غرار ما يحدث في سوريا وليبيا واليمن وربما العراق رغم أنه بدأ يضمد جروحه في الآونة الأخيرة.

وإذا جاز التعبير، فقد نقول إن جروح مصر ليست بالهينة، فلا يكاد يمر أسبوع إلا وشن المتطرفون عملية إرهابية هنا وهناك، وكان آخر هذه العمليات مأساوية هي تعرض أحد مساجد مدينة العريش المصرية لعملية قتل وحشية للمصلين أسفرت عن استشهاد أكثر من 305 مصليين كل ذنبهم أنهم ذهبوا للمسجد لأداء شعائر الصلاة، ولم يكن هؤلاء في ملعب كرة قدم أو مرقص ليلي حتى يتم تكفيرهم، فالصلاة في المسجد وهي واجبة وفرض علي كل مسلم ولكنها أصبحت في عرف المتطرفين جناية تستحق القتل..فهكذا هو دين الإرهابيين وديدنهم، فالقتل مبتغاهم وتشريد المدنيين هدفهم.

لقد اتسع نطاق الحرب في مصر، ولم تعد كما كنا نعهدها زمان، حرب بين جيشين، عدو غاشم مغتصب ومحتل أرض، وجيش يريد تحقيق الانتصار واستعادة كل ما هو مسلوب، فالمصريون في الحروب معروفون بأنهم أشداء على أعدائهم الظاهرين في ميادين القتال، ولكن المشكلة أن العدو الآن خفي ووهمي يعيش وراء ستار أو جدار، ويتسلح بالوجه الملثم. وبالتالي، يحارب المصريون طواحين الهواء في حرب ربما تطول ولن تنتهي في يوم وليلة، وذلك لأسباب عدة، لعل من أهمها أن الحرب اتسعت ولم تعد قاصرة على مواجهة الإرهاب والإرهابيين، وإنما تشهد الخريطة أعداء جدد تدفعهم قوى إقليمية ودولية لتحريض مصر أو استفزازها للدخول في مواجهة عسكرية أو حرب واسعة النطاق.

فمن يقترب من الخريطة المصرية يستشف في الوقت الراهن أن ثمة خلافا عميقا في الرؤى بين مصر وإثيوبيا يتعلق بملف المياه وسد النهضة الذي يبنيه الإثيوبيون على النيل الأزرق الرافد الأكبر لحصة مياه مصر من نهر النيل، وترفض أديس أبابا الرضوخ للغة الحوار والعقل والتفاوض، حتى اشتعل الموقف لدرجة أن جزءا كبيرا من النخبة المصرية يطالب قيادته وحكومته بضرورة اللجوء إلى الحل العسكري لحسم الخلاف لصالح المصريين والحفاظ على حصتهم التاريخية من المياه وعدم التعرض إلى جفاف مائي يحذر منه الجميع.
ويشهد القاصي والداني أن ممارسات إثيوبيا تجاه مصر مثيرة للقلق والانزعاج فيما يتعلق بشأن معايير ومحددات بناء وتشغيل سد النهضة، فوفقا للأرقام الرسمية، تحصل مصر على 85% من مياهها من رافد النيل الأزرق، في وقت تعاني فيه مصر فعليا من فقر مائي، ولا يتعدى نصيب المواطن 660 متراً مكعباً في العام، وهذه الكمية مرشحة للانخفاض الى 552 متراً مكعباً في 2025.. ومن هذا المنطلق، فمصر أمام أزمة مياه ضخمة تجعل أمنها المائي في خطر، في حين لا يوجد في الجهة المقابلة أي نية صادقة للتعاون إذ لا تزال الخطط الإثيوبية لتشغيل السد واستخدام مياهه في الري غامضة ومثيرة للقلق، ولم تبد أديس أبابا الانفتاح الكافي على مبادئ التعاون والشفافية والمشاركة، باعتبار أنها تُمثل السبيل الوحيد للاستفادة من مياه نهر يسكن على ضفاف حوضه 400 مليون إنسان، وهم مرشحون للزيادة الى بليون شخص في العام 2050.
إذن، تعد ندرة المياه واحدة من أخطر التهديدات التي تواجه الأمن القومي المصري، ليس هذا فقط، فـ 40% من سكان العالم العربي يعيشون في مناطق تعاني من ندرة مطلقة في المياه، فيما يمثل العرب 5 % من سكان العالم، ولا يحصلون سوى على 1 % فقط من المياه العذبة، بما يعني أن المنطقة العربية تعاني من أكبر عجز غذائي في العالم.
من أزمات مصر أنها تواجه المعارك بصورة يومية بما يؤكد أن هناك محاولات جادة لإحراقها وإقحامها في الفوضى الخلاقة أو غير الخلاقة التي يسعى أعداء أمتنا العربية لفرضها على شعوب المنطقة، وإذا كانت مصر قد مرت بفترة حرجة غاب عنها ترجيح العقل في اتخاذ القرارات المصيرية وذلك فيما تلا 25 يناير وحتى ثورة 30 يونيو التصحيحية، إلا أن القيادة المصرية الحالية تتسم برجاحة العقل والتأني في اتخاذ القرار.