"التسول".. ظاهرة تزداد انتشارا في "رمضان"

7 أيام الخميس ٠٧/يونيو/٢٠١٨ ١٩:٠٠ م
"التسول".. ظاهرة تزداد انتشارا في "رمضان"

مسقط- خالد عرابي
ظاهرة تزداد انتشارا في رمضان من كل عام استغلالا لكرم الناس في هذا الشهر الفضيل وسماحتهم، فما أن تذهب إلى مسجد أو مركز تجاري إلا وتجد البعض يظهر لك ويسألك المساعدة، والإشكالية أن كثيرا من هؤلاء من كثرة ترددهم على نفس الأماكن تستطيع أن تحفظ أشكالهم وتدرك أنهم ربما ليسوا ذوي حاجة حقيقية وإنما استسهلوا الأمر وتذرعوا بالحاجة والعوز، واستغلوا تسامح الناس وتعاطفهم في هذا الشهر الفضيل، وأتخذوا من ذلك سبيلا.. إنها ظاهرة "التسول" التي أصبحت تنتشر بشكل أكبر في رمضان.. "7 أيام" ناقشت القضية.

يحكي محمد البلوشي قصة حدثت معه فيقول: بعد صلاة العصر وبينما أنا خارج من أحد المساجد بروي وإذا بشخص آسيوي يأتي بسرعة بسيارة قديمة يلاحقني ويبدو معه داخل السيارة عدد من الأشخاص ويقول لي إنا من مقيمي صلالة ولكن زوجتي مريضة وجئنا إلى مسقط لإجراء عملية جراحية، ونظرا لأنني كنت قد شاهدته من قبل فقلت له توقف أنا شاهدتك من قبل وساعدتك فهل زوجتك لم تجر العملية بعد؟ ففر هاربا.

ويضيف حمد السناني قائلا: بينما أتجه إلى ماكينة الصراف الآلي لأحد البنوك لسحب مبلغ من المال بمنطقة الخوير إلا وأجد امرأة (عربية) وتتبعها طفلة تسألني المساعدة بمبالغ مالية، وبالطبع وفي ظل ظروف مثل هذه الأجواء الرمضانية نتعاطف معهم، علما أنني مدرك أن كثيرا من هؤلاء يتخذون من شهر رمضان ذريعة للتسول.

ويقول أحمد حلمي السيد "مقيم": ظاهرة التسول -بكل أسف- موجودة الآن بصفة عامة وفي مناطق عدة سواء في رمضان أو غير رمضان وخاصة في منطقة الخوير، حيث نجلس في بعض الأحيان في بعض المقاهي ونجد كثيرا -وخاصة من النساء وفي أوقات متأخرة من الليل- يترددن علينا لطلب المساعدة من الجالسين على المقهى، كما أنهم اتخذوا أشكالا أخرى للتسول مثل بيع أشياء بسيطة كالمناديل الورقية وغيرها، ولكن المؤسف أن الظاهرة تنتشر بشكل أكبر في رمضان، فالبعض يعتبر التسول مصدرا للرزق السهل.

أما وهب الجديدي فيقول: كثيرا ما أصادف المتسولين في محطات تعبئة البنزين، حيث تتم عملية التسول من خلال بيع بعض المسابح والأدعية بسعر رمزي حتى يرغم الشخص على شرائها، وتجد البعض الآخر يتودد إليك أو يحكي لك قصص وحكايات ومواجع وهموم وقد يصل الأمر لدرجة أنه قد يكشف على بعض أعضاء جسده مثل بطنه أو ساقه أو قدمه التي تكون ملفوفة بشاش طبي ليثبت لك أنه مريض وفي حاجة إلى العلاج، وللأسف هؤلاء معظمهم من العمالة الآسيوية لذلك أتمنى من الجهات المعنية التشديد في الرقابة للحد من تلك الظاهرة.

ويضيف محمد الندابي فيقول: انتشرت هذه الظاهرة كثيرا، ويبدو أن العنصر المستغل فيها كثيرا هو النساء لكسب عواطف الناس خصوصا وأننا نجد لدى الناس هنا الرحمة، لذلك تجد كثيرا من النساء يتجولن في الأسواق وعند المساجد ويتسولن بكل حرية نظراً لصعوبة التحدث إليهن، وقد لاحظت أنهن يزددن أكثر خلال رمضان، وقد قال لي أحد الأصدقاء إنه يتم احضارهن إلى السلطنة بتأشيرات سياحة أو زيارة قبل رمضان ثم استغلالهن للتسول في رمضان.

ويؤكد حمد بن محمد البلوشي على أن التسول ظاهرة سيئة يلجأ إليها ضعاف النفوس، وهي تسيء إلى البلد بصفة عامة، وللأسف خلال شهر رمضان نرى المتسولين ينتشرون في الشوارع والأسواق والمساجد متذرعين بحجج غير مقبولة، وفي كثير من الأحيان تجدهم يستغلون الأطفال الصغار لاستعطاف الناس. وأضاف: أشاهد بعض المتسولين بشكل شبه يومي في بعض الأماكن في مسقط وخاصة أمام الجوامع والمراكز التجارية وأرى أن ما يشجعهم هو تعاطف الناس معهم.

ويقول محمد صلاح السيد "مقيم": تتنوع الصور ولكن ظاهرة التسول واحدة، ومن تلك الصور أننا نجد أن بعض الرجال يجلسون في المساجد -وخاصة وقت صلاة العشاء والتراويح أو في وقت صلاة الجمعة- كما نجد البعض منهم واقفين بجانب ماكينات الصراف الآلي للبنوك وبمجرد أن تنتهي من عملية السحب يندفع إليك سائلك المساعدة.. وقد حدثت معنا مواقف كثيرة، ففي إحدى المرات وبينما أنا خارج من المسجد بعد صلاة الجمعة وإذا بامرأة جالسة على جانب الطريق تدفع بطفلين صغيرين نحوي لسؤال المساعدة، وهنا لم لم أجد سوى أن أقدم المساعدة قدر المستطاع، وإن كنت من الشكل العام شعرت بأنهم يمتهنون التسول وليسوا من أصحاب الحاجة فعلا.

التسول الموسمي

وللحديث عن الظاهرة ومدى انتشارها سواء في رمضان أو في غيره من الشهور حدثنا مدير التنمية الاجتماعية بالسيب ومشرف فريق مكافحة ظاهرة التسول بالولاية حمود بن محمد المنذري، فقال: التسول إحدى الظواهر المنتشرة في المجتمعات وتنتشر هذه الظاهرة بشكل كبير نسبيا في أيام الشهر الفضيل وهذا النوع من التسول يسمى بالتسول الموسمي، حيث يستغل هذا الشهر من قبل ممارسي التسول في استجداء الناس واستمالة عواطفهم في شهر رمضان لكون الناس في فترة تقرب لله عز وجل بفعل الخيرات والصدقات مما يساهم -بشكل غير مقصود- في زيادة نسب التسول.
وأشار إلى أن الظاهرة بشكل عام موجودة قبل وأثناء وبعد رمضان، إلا أنه تزداد معدلات الحالات المضبوطة في هذا الشهر.

وأكد المنذري على أن ظاهرة التسول تنتشر بشكل عام في الأسواق والمساجد والأماكن العامة وتؤكد الاحصائيات المرصودة لمعرفة أماكن التكرار أن المساجد والجوامع تحتل المرتبة الأولى في الضبط، وتليها الأسواق ثم الأماكن العامة.

وقال المنذري: تؤكد الاحصائيات الشهرية للفريق أن أعداد المضبوطين في العام 2017م بلغت 1152 شخصا، احتل الوافدون منهم النسبة الأكبر.. ومن خلال تحليل البيانات اتضح بأن هذه الأعداد دخلت أراضي السلطنة عن طريق تأشيرات الإقامة والسياحة والعمل والدخول غير المشروع. وأضاف: لقد تمكن فريق مكافحة ظاهرة التسول التابع لوزارة التنمية الاجتماعية من ضبط 499 متسولاً خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، من بينهم 331 ذكرا و168 أنثى. وبالنسبة للجنسيات فإن هناك 60 متسولاً عمانياً منهم 46 ذكرا و14 أنثى، و439 متسولا غير عماني من بينهم 285 ذكرا و154 أنثى، وبتوزيع هؤلاء المضبوطين وفقا للمحافظات تأتي محافظة مسقط في المرتبة الأولى بعدد المتسولين المضبوطين الذي بلغ 332 متسولاً، ثم تأتي بعدها محافظة ظفار بـ77 متسولاً، ثم تأتي محافظتا شمال وجنوب الباطنة بـ58 متسولاً، ثم محافظة البريمي بواقع 18 متسولاً، وأقلها في محافظة الظاهرة بـ14 متسولاً.

وأكد مشرف فريق مكافحة ظاهرة التسول على أن المتسول التقليدي بات يختفيء حيث ظهرت العديد من طرق التسول في الأعوام الأخيرة وهي التسول المقنع حيث يمارس التسول من خلال عرض بعض السلع التي لا تمثل قيمة للشخص من أجل الحصول على مبالغ مادية، كما يتم استخدام الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة لعملية التسول، والأطفال الأصحاء لكسب الاستعطاف ودفع المبالغ، كذلك يتم استخدام التقارير الطبية لطلب المساعدة، وشخصيا لا أشجع على إعطاء المال بشكل مباشر للأشخاص ولكن يجب أن يكون ذلك من خلال الجمعيات المعنية بمساعدة الناس.

كما أكد المنذري على أن ظاهرة التسول للحد منها والقضاء عليها تحتاج إلى تكاتف الجهات المعنية وأفراد المجتمع، حيث شكلت وزارة التنمية الاجتماعية فريقا مناط له عملية مكافحة ظاهرة التسول في السلطنة، حيث يقوم الفريق من خلال الكوادر البشرية والإمكانيات المادية الموفرة له بالحد من هذه الظاهرة، ولكن لضعف الإمكانيات -من وجهة نظري- وعدم تظافر الجهود بشكل كبير مع الجهات أدى إلى تفاقم الظاهرة وازدياد أعداد المضبوطين، حيث أرى أنه على أفراد المجتمع دور كبير في القضاء على هذه الظاهرة من خلال عدم القيام بمساعدة المارة بشكل عشوائي ويمكن لهم التأكد التام من الحاجة قبل إعطاء مبلغ مالي.

وقال: إن وزارة التنمية الاجتماعية تعمل منذ عام 1995 على مكافحة ظاهرة التسول، ومن خلال الإطلاع على الاحصائيات منذ 2013 وحتى 2017 يتضح أن الظاهرة في ازياد طردي ويدل هذا على وجود فجوة بحاجة لدراسة وتكاتف الجهود مع الوزارة من قبل المؤوسسات الحكومية ذات الصلة لحلها.