لماذا يستهدف الغرب تركيا؟

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٩/يونيو/٢٠١٨ ٠٣:٣٥ ص
لماذا يستهدف الغرب تركيا؟

د. فيصل القاسم

منذ إنهاء الخلافة العثمانية في مارس 1924 لم تشيطن تركيا من قبل الغرب رغم اجتياحها لقبرص، ونزاعها مع اليونان؛ لأنها كانت تحت حكم أنظمة وظيفية تؤدي أدواراً مطلوبة، بل حاول الغرب جعل النموذج التركي العلماني مثالاً للمنطقة، فضلاً عن استخدام تركيا قاعدة متقدمة عسكرية في الصراع مع المعسكر الشرقي.

لم يعترض الغرب على الانقلابات التي كان يقودها الجيش، والتي كانت تمنع عودة تركيا لشخصيتها الإسلامية أو للتقارب مع محيطها الإسلامي. وتم عزل نجم الدين أربكان لأنه أعلن عن تأسيس دول السبع الإسلامية. وقد وصل حزب العدالة إلى السلطة في أسوأ أوضاع تركيا الاقتصادية، فقد كانت تقبع في المرتبة 111 وكانت تقديرات الاتحاد الأوربي أن اقتصادها يحتاج 150 بليون دولار للنهوض بها، وهي دولة غارقة بالفساد وغياب الشفافية، ومدينة للبنك الدولي. وهذا يعني أن نجاحات حزب العدالة الاقتصادية مسموح بها ما دامت في الإطار المحلي وعدم تحول تركيا إلى أنموذج إسلامي.

بدأت الحرب الحقيقية على تركيا بعد ثورات الربيع العربي وتأثر شعوب المنطقة بالنجاح الاقتصادي التركي وكذلك السياسي، وبمعنى أدق فإن المشروع البديل للحكم العسكري سيكون الحكم المدني من أصحاب التوجه الإسلامي، وهذا يعني أن المنطقة من مراكش حتى إسطنبول ستكون تحت أنظمة حكم متشابهة، وهذا سيؤدي لنهضة تلغي معادلة الغرب مع المنطقة بجعلها حديقة خلفية له يُمنع عليها النهوض والتقدم.
نجاح أردوجان حطّم ما صاغه الغرب عبر السنوات الفائتة من تخويف شعوبه بالإسلاموفوبيا، ولذلك كان لا بد من إيجاد تنظيم متوحش يتموضع في أهم منطقة حضارية «سورية العراق»، ويعطي صورة سلبية عن الإسلام، وقد لعب تنظيم داعش هذا الدور المرسوم على أكمل وجه.
عملت الأنظمة العربية الوظيفية على دعم الثورات المضادة، ورأت أن نهاية الربيع العربي لا تكون بنهاية الثورات وإعادة إنتاج الأنظمة الاستبدادية، بل لا بد من إنهاء النموذج الملهم لها «تركيا»، وهذا يتسق تماماً مع الرغبة الأمريكية.
بدأ التدخل في الشأن الداخلي التركي وتضخيم ما يحدث منذ أحداث ساحة تقسيم 2013 والتي عمل الإعلام التابع لبعض الدول العربية على تصويرها على أنها ثورة ضد أردوجان، ثم جاء دعم التنظيم الموازي، وعلاقة جولن ببعض الدول العربية، فضلا عن إقامته في أمريكا، ثم كان الانقلاب 2016. ومن المعروف أن الانقلابات العسكرية هي إحدى أساليب وكالة الاستخبارات الأمريكية الـ«سي آي إيه» والسلاح الذي تهدد به أمريكا خصومها. وقد بدا الإعلام التابع لمدبري الثورات المضادة في العالم العربي داعماً لذلك الانقلاب ومبشراً بنهاية أردوجان! وعندما فشل الانقلاب كان لا بد من ورقة أخرى، ورقة الأكراد ودعم (حزب العمال الكردستاني) في سوريا بالمال والسلاح وصناعة جيب انفصالي جنوب تركيا، ومن ثم استنزاف تركيا والعمل على تقسيمها لإنشاء دولة كردية ضمن رؤية حزب العمال الكردستاني.
ثمة حقيقة يجب عدم إغفالها تتمثل بوجود دولة قوية تشكل مرجعاً لطائفة كبيرة من المسلمين أو شعوراً بالحماية.
بعد الثورة السورية وسحب صواريخ الباتريوت التابعة لحلف شمال الأطلسي من تركيا، اتجهت أنقره للصناعة العسكرية، وباتت الآن تنتج نحو 65 بالمئة من سلاحها، وتصنع معدات عسكرية تضاهي السلاح الغربي، وهذا خط أحمر في تغيير المعادلة المتبعة منذ نحو مئة عام في احتكار صناعة السلاح!
من ينظر إلى ما أوردناه أعلاه سيجد أن ثمة قاسما مشتركا بين الحلف المعادي لتركيا تتمثل بعدة نقاط: منع تركيا من النهوض والعودة لقيادة العالم الإسلامي. أمريكا تحارب الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي وتفضل الحكم الاستبدادي. إنهاء الثورات العربية هو مطلب أمريكي لأن نجاحها يعني انهيار البناء العربي الرسمي وكذلك الإقليمي، وهذا ما ترفضه أمريكا. نجاح التجربة التركية في دولة لا تملك نفطاً ولا غازاً، وكانت متخلفة اقتصادياً، وذلك بسبب الحرية السياسة والشفافية يؤثر على الأنظمة العربية حيث الثروة الهائلة مع ضعف التنمية وغياب الحريات ووجود الفقر. وآخر وأهم أهداف الحلف المعادي لتركيا طبعاً شيطنة أردوجان والعمل على إنهائه قبل أن تعود تركيا دولة كبرى في العالم، وعندها لا يكون أمام أعدائها مزيد من التآمر أو الحرب العسكرية بعد فشل الحرب الوكالة والحرب الاقتصادية والانقلاب العسكري.

إعلامي في قناة الجزيرة