جوازات سفر للبيع

الحدث الاثنين ٠٢/يوليو/٢٠١٨ ٠٥:٤٧ ص
جوازات سفر للبيع

لندن - نيروبي - رويترز

في يناير ألغت جزر القمر بهدوء مجموعة من جوازات السفر التي اشتراها أجانب خلال السنوات القليلة الفائتة. ولم ينشر هذا البلد الصغير الواقع قبالة ساحل شرق إفريقيا تفاصيل عن السبب وراء هذا القرار واكتفى بالقول إن هذه الجوازات صدرت بشكل غير مناسب.

وجدت رويترز أن أكثر من 100 من بين 155 شخصا ألغِيت جوازات سفرهم الصادرة من جزر القمر في يناير كانوا إيرانيين. وكان من بين هؤلاء عدد من كبار المديرين التنفيذيين في الشركات التي تعمل في مجالات الملاحة والنفط والغاز والعملات الأجنبية والمعادن النفيسة.. وهي المجالات التي تستهدفها جميعا عقوبات دولية مفروضة على إيران.

وقد اشترى بعض هؤلاء أكثر من جواز سفر صادر من جزر القمر.
ويخشى دبلوماسيون ومصادر أمنية في جزر القمر والغرب من أن يكون بعض الإيرانيين قد حصلوا على جوازات السفر لحماية مصالحهم في ظل العقوبات الدولية.
ورغم أن أيا من هؤلاء الأشخاص أو الشركات ليسوا هدفا للعقوبات إلا أن القيود على إيران ربما تجعل من حمل جواز سفر آخر أمرا مفيدا.
وتتيح جوازات السفر الصادرة من جزر القمر إمكانية السفر دون تأشيرة إلى مناطق في الشرق الأوسط والشرق الأقصى ويمكن أن يستخدمها إيرانيون لفتح حسابات في بنوك أجنبية وتسجيل شركات في الخارج.
وطبقا لقاعدة بيانات جوازات السفر في جزر القمر التي اطّلعت عليها رويترز، اشترى في المجمل، أكثر من ألف شخص ولِدوا في إيران جوازات سفر من جزر القمر في الفترة من 2008 وحتى 2017. واشترى غالبية هؤلاء الجوازات بين 2011 و2013 عندما تم تشديد العقوبات الدولية على إيران وخاصة على قطاعي النفط والمصارف.
ومن بين الأجانب الآخرين الذين اشتروا جوازات سفر من جزر القمر سوريون وأفغان وعراقيون وصينيون وبضعة أشخاص من دول غربية.

المشترون

بدأت جزر القمر التي يبلغ عدد سكانها نحو 800 ألف نسمة برنامج بيع جوازات السفر في العام 2008 كوسيلة لجمع سيولة تحتاجها بشدة. ورتبت جزر القمر اتفاقا مع حكومتي دولة الإمارات والكويت، اللتين كانتا تريدان استخراج وثائق هوية للسكان عديمي الجنسية المعروفين بالبدون. وكان من المقرر أن تشتري الحكومتان جوازات السفر من جزر القمر وتوزعها بعد ذلك على البدون. في المقابل كانت جزر القمر تسعى للحصول على مئات الملايين من الدولارات للمساعدة في تنمية الاقتصاد الذي لا يتجاوز حجم الناتج فيه 600 مليون دولار سنويا.
وكانت جزر القمر تقيم أيضا في ذلك الوقت علاقات مع إيران. وكان رئيس البلاد خلال الفترة من العام 2006 إلى العام 2011 أحمد عبدالله محمد سامبي الذي درس لسنوات في مدينة قم الإيرانية.
ووفقا لمصادر محلية تحدّثت إلى رويترز وبحث أجراه مركز تشاتام هاوس، كان هناك إيرانيون من بين حرّاس سامبي الشخصيين، وكان بعض أهل البلاد يصفونه بأنه «آية الله جزر القمر». وفي العام 2008، زار طهران. وفي ذلك الوقت، كان الرئيس الإيراني آنذاك محمود أحمدي نجاد يبني علاقات مع دول إفريقية وأخرى من أمريكا اللاتينية، بعد أن أدار الغرب ظهره إلى طهران. ورد أحمدي نجاد الزيارة بأخرى مثلها إلى جزر القمر في العام التالي.
ووفقا لبيانات راجعتها رويترز، بيع أكثر من 300 ألف جواز سفر من جزر القمر إلى إيرانيين عندما كان سامبي في السلطة. ولم يرد سامبي على طلبات للتعليق. وكانت سلطات إنفاذ القانون في جزر القمر استجوبت سامبي في إطار تحقيقاتها في برنامج الجنسية الاقتصادية.
وسامبي قيد الإقامة الجبرية في منزله منذ 19 مايو بعد اتهام الحكومة له بالتحريض على اضطرابات. وفي 23 يونيو، قال المحامي جان جيلز حليمي الموكل من قِبل سامبي إن القيود التي فرِضت على موكله هي محاولة من جانب الحكومة «للتخلص من خصم».
واستمرت عمليات بيع جوازات السفر في ظل إدارة خلف سامبي إكيليلو ظنين الذي ظل في المنصب من العام 2011 إلى العام 2016. ولم يرد إكيليلو الذي لا توجد صلات واضحة بينه وبين إيران على طلبات للتعليق.

تغيير التوجه

في أوائل 2016 انتهجت جزر القمر سياسة خارجية مختلفة حيث قامت بقطع العلاقات مع طهران ودعمت بدلا من ذلك دول الخليج الأخرى التي على خلاف مع إيران. وفي مايو وصلت إدارة جديدة بزعامة عثمان غزالي إلى السلطة واستمرت في انتهاج هذه السياسة الجديدة. وفي ظل غزالي شُكّلت لجنة برلمانية في 2017 للتحقيق في البرنامج الذي يقدّم الجنسية للبدون في دول خليجية. وحققت اللجنة في ادعاءات بعض الساسة في جزر القمر بأن هذا النظام طُبّق بشكل غير ملائم وأن الفساد قوضه مع بيع جوازات سفر بشكل يخالف الخطة الأصلية.
وخلص هذا التحقيق، الذي ورد في تقرير نُشر في أوائل 2018، إلى أن دولة خليجية أبلغت جزر القمر في 2013 أن مئات من جوازات السفر بيعت لأجانب خارج برنامج جوازات السفر الصادرة للبدون.
وقال مصدر شارك في تحقيقات جزر القمر لرويترز إن هذه القضية ظهرت بعد أن بدأت أجهزة الأمن في الدولة الخليجية في رصد أشخاص ليسوا من جزر القمر وليسوا بدون يسافرون عبر هذه الدولة الخليجية بجوازات سفر صادرة من جزر القمر. وقال المصدر إن كثيرين من هؤلاء الأشخاص كانوا إيرانيين. ولم ترد الدولة الخليجية على طلبات للتعليق.
وقال مصدر أمني بجزر القمر إن أجهزة المخابرات بجزر القمر تلقت تقارير عن أشخاص قُتلوا في ساحات المعارك بالعراق وسوريا والصومال في السنوات الأخيرة وكانوا يحملون جوازات سفر صادرة من الجزر. وقال المصدر إن هذه كانت إشارة إلى مدى انتشار بيع جوازات السفر الصادرة في جزر القمر.
وبدأ حجم هذه المبيعات التي شملت مئات من جوازات السفر يثير قلق الدبلوماسيين الدوليين الذين يراقبون الوضع في جزر القمر. وقال مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية في المنطقة على اطلاع على برنامج جوازات السفر لرويترز «نعتقد أن جزر القمر لم تفعل أي شيء للتدقيق في الأشخاص الذين يحصلون على جوازات السفر التي تصدرها».
ولم ترد حكومة جزر القمر على طلبات التعليق. وقال الدبلوماسي الأمريكي إن الولايات المتحدة تفرض حاليا إجراءات أكثر صرامة للتدقيق في حاملي جوازات سفر جزر القمر. وأضاف أن السلطات الفرنسية تشعر أيضا بقلق لأن آلافا من حاملي جنسية جزر القمر يقيمون في فرنسا كما أنهم يسافرون بشكل منتظم نسبيا بين الدولتين. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية إن الوزارة على علم ببيع جنسية جزر القمر ولكن لا يمكنها التعليق على ذلك.
ولا يشكّل بيع جوازات سفر جزر القمر خطرا أمنيا بالنسبة للغرب فحسب ولكنه لم يحقق أيضا ما كان متوقعا لاقتصاد الجزر. وقال التقرير البرلماني إن ما لا يقل عن 100 مليون دولار من عائدات بيع جوازات السفر اختفت ولم تحصل الحكومة عليها. وقال وزير خارجية جزر القمر محمد الأمين صيف لرويترز «هناك أموال لم تصل قط إلى الخزانة. نحتاج لاسترداد هذه الأموال من الناس الذين حصلوا عليها.. بما في ذلك الأجانب».
ولم توضح الحكومة أين ذهبت هذه الأموال.

مداهمة بلجيكية

أصدرت شركة بلجيكية تدعى سيملكس جوازات السفر التي أصدرتها جزر القمر وتزوّد تلك الشركة الكثير من الدول الإفريقية بوثائق هوية. وفي يناير فتّشت الشرطة البلجيكية مكاتب الشركة في بروكسل ومنزل رئيسها التنفيذي ألبرت كارازيوان فيما يتعلّق بتحقيق في تزويد سيملكس جمهورية الكونجو الديمقراطية بجوازات سفر.
وجاء التحقيق بعد تقرير لرويترز في أبريل من العام الفائت عن جوازات السفر الكونجولية. وأظهر التقرير كيف باعت حكومة الكونجو جوازات سفر بيومترية لمواطنيها الفقراء مقابل 180 دولارا لكل منها وأن قسما كبيرا من العائدات يذهب لشركة خليجية يملكها قريب لرئيس البلاد.
وفي مايو داهم مسؤولون من جهات إنفاذ القانون في جزر القمر مكاتب سيملكس في البلاد في إطار تحقيقهم في مبيعات جوازات السفر.وقال فرانسوا كونينج وهو محام يمثّل الشركة وكارازيوان إن موكله لن يعلّق على هذه القصة وقال، كما فعل في تقرير سابق لرويترز أشار للشركة، إن أطرافا أخرى لم يحددها تخدع رويترز بهدف الإضرار بموكله وشركته. وقال كونينج: «ليس لشركة سيملكس أوروبا أي دور في قرار إصدار جوازات السفر. هذا حق حصري للسلطات في جزر القمر وهم الممثلون الوحيدون المخولون بذلك»، وأضاف أن سيملكس «ليست مسؤولة ولا عليها لوم فيما يتعلّق بأفعال وتصرفات» وردت في تقرير برلماني لجزر القمر يتعلّق ببيع جوازات السفر «بافتراض أنها حدثت بالفعل».
روّجت شركة ليكا للاستشارات الدولية ومقرها في دولة خليجية لبعض جوازات السفر التي باعتها جزر القمر بموجب اتفاق بين الدولة والشركة اطّلعت عليه رويترز. وممثل تلك الشركة في دبي هو رجل فرنسي يدعى سيدريك فيفر وهو على صلة بكارازيوان. ولم يستجب فيفر ولا الشركة لطلبات بالتعليق. وقال محام ممثل لفيفر إنه ليس على دراية بأي أنشطة فيما يتعلق ببرنامج الجنسية لجزر القمر وإن موكله لم يطلب أي مشورة متعلقة بالأمر.
وعلى موقعها على الإنترنت أدرجت شركة ليكا اسم شركة تدعى مجموعة بايات، التي يديرها سام بايات ماكو وهو إيراني، ضمن قائمة شركائها. ووفقا لموقعها على الإنترنت تتخصص مجموعة بايات في المساعدة في تقديم جنسيات من دول مثل جزر القمر ومالطا وسانت كيتس في الكاريبي.
وحصل ماكو نفسه على جواز سفر من جزر القمر في يوليو 2013. وكان هذا الجواز من بين التي ألغتها حكومة جزر القمر هذا العام. وقال ماكو إن الإيرانيين يحصلون على جوازات سفر من جزر القمر لأن «لدى من يحملون جنسيتها فرصة أفضل لدخول دول دون تأشيرة من الإيرانيين» للعديد من الدول خاصة في الشرق الأقصى. وقال إن شركته نفّذت بعض الأعمال مع ليكا التي قال إن لديها تصريحا من حكومة جزر القمر بتسويق جوازات السفر خارج البرنامج للبدون.
والتزمت جزر القمر بتبادل المعلومات بشأن إصدار جوازات السفر مع أجهزة أمريكية عقب محادثات في مايو مع مسؤولين أمريكيين.
وقال مسؤول بارز في وزارة الخارجية الأمريكية في أوروبا لرويترز «نتطلع للعمل مع حكومة جزر القمر ودول أخرى مشاركة» لنستوعب الأنشطة «التي قد يكون سهّلها» بيع جوازات سفر جزر القمر بخلاف برنامج البدون.وقال وزير داخلية جزر القمر، محمد داود، الشهر الفائت لوسائل إعلام محلية إن فضيحة بيع جوازات سفر جزر القمر تحوّلت إلى مشكلة دولية. وقال: «إنها مسألة متعلقة بالإرهاب... إنه ليس أمرا متعلّقا بالكثير من الأموال فحسب بل أيضا الأمن على مستوى دولي».