طبيعة الأزمات العربية

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١١/يوليو/٢٠١٨ ٠٤:٤٧ ص
طبيعة الأزمات العربية

فريد أحمد حسن

«اشتدي يا أزمة تنفرجي» عبارة لطيفة هي الشطر الأول من البيت الأول من القصيدة الشهيرة المنسوبة لأبي الفضل يوسف بن محمد بن يوسف التوزري المعروف بابن النحوي المتوفى سنة 513 هجرية (947 ميلادية) والتي جرت مثلا ملخص معناه أنه ليس للأزمة بعد الاشتداد إلا الانفراج، ومثاله أن الطريق المنقطع بجدار عال ليس بعده إلا العودة منه فلا سبيل غير ذلك والعودة هي بدء الانفراج. هذه العبارة توفر الأمل الذي يحتاجه الإنسان وهو يمر بالأزمات، فهي تطمئنه بأنه ليس بعد اشتدادها سوى أن تنفرج وأن الحل آت لا محالة.

لكن هذا الكلام المنطقي لا يتوفر له للأسف ما يؤكد صحته فيما يخص الأزمات التي تمر بها المنطقة، والمثير أن الكثير من الأزمات في البلاد العربية إن لم تكن كلها كلما اشتدت وازدادت اشتدادا لا تنفرج. مثال ذلك القضية الفلسطينية التي كلما اشتدت وظن العالم أنها ستنفرج تتعقد. مثاله أيضا ما جرى قبل عام بين بعض دول الخليج العربي الأعضاء في منظومة مجلس التعاون حيث اشتدت الأزمة وازدادت اشتدادا لكنها لم تنفرج ولا يوجد للأسف ما يعين على الاعتقاد بأنها ستنفرج قريبا أو حتى في المدى المتوسط، ففي كل يوم يجد المرء ما يدفع إلى الإحساس بأن الانفراج بعيد بل بعيد جدا إن لم يكن مستحيلا. والحال نفسه فيما يتعلق بالأزمة اليمنية التي لم تبق ولم تذر، ما يجعل المرء يتساءل عما إذا كان الخلل في العبارة أم في الأطراف ذات العلاقة بتلك الأزمات أم أن هناك بالفعل من الأزمات ما لا يمكن أن تنفرج حتى لو أراد ذلك كل الأطراف ذات العلاقة بها؟

قبل أن تكمل الأزمة التي حدثت بين بعض دول الخليج شهرها الأول ولاحظ الناس اشتدادها قالوا إن ذلك دليل انفراجها القريب، وظنوا أنها ستنفرج مع إكمالها الشهر، لكن ذلك لم يحدث، وتكرر ذلك القول في الشهور التالية، وقبل أن تكمل الأزمة سنتها الأولى ولاحظ الناس اشتدادها قالوا إن ذلك يبشر بانفراجها، لكن ذلك لم يحدث أيضا حيث دخلت الأزمة عامها الثاني من دون توفر ما يبعث على الاعتقاد بأنها ستنفرج قريبا. والأمر نفسه حصل مع الأزمة اليمنية قبل اكتمالها شهرها الأول والشهور التالية وأيضا قبل اكتمال أعوامها الأول والثاني والثالث، والظاهر أن الأزمة الخليجية الخليجية ستمر بما مرت وتمر به الأزمة اليمنية حيث ستدخل عامها الثالث من دون أن تنفرج رغم اشتدادها. يعين على هذا الاستنتاج أيضا قرب دخول الأزمة السورية عامها الثامن واستمرار الأزمة العراقية والأزمة الليبية وغيرها من الأزمات التي بدأت واشتدت ولم تنفرج.

ترى ما الذي يجعل هذه الأزمات تطول ولا تنفرج حتى بعد اشتدادها وتخالف القاعدة التي وضعها الشاعر واعتقد بها الناس أجمعين؟ ولماذا تظل الأطراف ذات العلاقة ترفض الوساطات والمساعي الحميدة ولا تتعاون مع الوسطاء ولا تساعدهم على النجاح لو أنها قبلت بهم رغم إدراكها أن ما هي فيه لا يوصلها إلى النهاية السعيدة ورغم كل معاناتها؟

نهاية كل أزمة هي جلوس أطرافها إلى طاولة الحوار والتفاوض. هذه هي الحقيقة التي لا يحب أطراف الأزمات الحالية وخصوصا في اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي سماعها ويرفضونها بدليل مواصلتهم ما هم فيه رغم كل خسائرهم. عبّر عن تلك الحقيقة بوضوح وزير خارجية السلطنة يوسف بن علوي بن عبد الله الذي قال في مقابلة تلفزيونية أجريت معه قبل حين ردا على سؤال ملخصه ماذا بعد كل هذا العراك في المنطقة ما معناه أن الأطراف ذات العلاقة ستستمر في العراك حتى تتعب ثم ستجد نفسها جالسة إلى الطاولة لتتحاور وتتفاوض وتنهي الأزمة، موفرا بذلك شكلا جديدا من أشكال انفراج الأزمات، ومؤكداً أنها يمكن أن تنفرج ولكن ليس بعد اشتدادها وإنما بعد أن يتوصل أطرافها إلى قناعة بأنهم لا يمكن أن يصلوا إلى نهاية لما صاروا فيه إلا عبر الجلوس إلى طاولة الحوار والتفاوض ومحاولة حل كل المسائل بعيداً عن قعقعة السلاح.
مؤلم وصول الأطراف التي تتحارب في اليمن وتلك المختلفة مع بعضها البعض في دول مجلس التعاون إلى مرحلة الاعتقاد أن الحوار والتفاوض هو آخر الكي رغم أن كل ما جرى ويجري في العالم وفي البلاد العربية التي عاشت قبلها مآسي الحروب والخلافات يؤكد أن أي مشكلة وكل أزمة لا يمكن حلها إلا بالحوار والتفاوض، ومؤلم أن تستمر في هذا الذي هي فيه رغم تيقنها بأن ترتيبا معينا يحدث في المنطقة تستفيد منه الدول الكبرى ولا تستفيد هي منه ويتحقق بمواصلتها فيما هي فيه من خلافات وصراعات ومواجهات وحروب، ومؤلم أن يصل مثقفوها إلى مرحلة يشعرون فيها أنهم دون القدرة على فعل شيء يؤدي إلى وقف بعض ما يجري، ومؤلم طبعاً أن تشتد الأزمة أو الأزمات ولا تنفرج، مخالفة بذلك تلك القاعدة الشهيرة الباعثة على الأمل ومؤكدة أن الأزمات في البلاد العربية تختلف عن كل الأزمات الأخرى التي تشهدها البشرية فلا تنتهي باشتدادها ولا تنتهي في كل الأحوال وفي كل الظروف. بعد قليل ستدخل الأزمة اليمنية عامها الخامس، وستدخل الأزمة الخليجية عامها الثالث، وستدخل الأزمات العربية الأخرى أعوامها التالية، ولن يجد العالم مصداقا لذلك المثل العظيم رغم منطقيته.

كاتب بحريني