إنقاذ الناتو من ترامب

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١١/يوليو/٢٠١٨ ٠٤:٤٧ ص
إنقاذ الناتو من ترامب

آنا بالاسيو

قبل تسعة وستين عاما، اجتمع وزراء خارجية 12 دولة في شمال أمريكا وأوروبا الغربية في العاصمة واشنطن، من أجل توقيع معاهدة الشمال الأطلسي، التي» قرروا بموجبها توحيد جهودهم للدفاع الجماعي والحفاظ على السلم والأمن.» وحافظت منظمة حلف الشمال الأطلسي التي تمخضت عن هذا الاجتماع على السلم والرفاهية المستدامين لمدة تعتبر الأطول في تاريخ الغرب المعاصر.ورغم ذلك، فسيبدأ أعضاء الناتو التسعة والعشرون، في 11 يوليو، قمة أقرب إلى أن تكون الأكثر توتراً في تاريخ المنظمة.

وخلال القمة التي انعقدت العام الفائت، خلفت النبرة العدوانية للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، صدمة وسط دول الحلف الأطلسي، وبالطبع، كان حلفاء أمريكا على علم مسبق بأن ترامب سيكون مزاجياً ومتشدداً، لكنهم كانوا يتوقعون أن يقوم أعضاء إدارته المتمرسين بتوجيهه. لكن توقعاتهم لم تكن في محلها، وهذا أقل شيء يمكن قوله.

ولا زال حلف شمال الأطلسي يتلقى الضربات القوية. فقد فرض ترامب ضرائب من جانب واحد على أعضاء الناتو، مبررا ذلك بمشاكل أمنية داخلية لا غير. وأبان ترامب عن عدوانية لم يسبق لها مثيل اتجاه الحلفاء الأكثر قرباً من أمريكا، خلال قمة مجموعة السبعة التي عقدت الشهر الفائت، حيث هاجم رئيس وزراء كندا، تجاستين ترودو، بدوافع شخصية فضلاً عن تراجعه عن البلاغ الأخير رداً على ما اعتبره إهانة له.
ونظراً لمثل هذه التصرفات، فقد انتقلت التوقعات بشأن تصرفات ترامب في القمة المقبلة من معقدة إلى خطيرة. حيث ازداد الإحساس بالتشاؤم بسبب الإعلان عن نية ترامب لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في هيلسينكي، بعد أربعة أيام فقط من انتهاء القمة. ومن السهل تخيل السيناريو المخيف: يحاول ترامب أن يكشف عن الثغرات في حلف الناتو، بما في ذلك انتقاده للدفاع المتبادل، قبل خيانة حلفائه عن طريق ترحيبه ببوتين.
ولكن ليس ضروريا أن تكون القمة حدثا دراميا أو حدثا قد ينجح أو يفشل بالنسبة لحلف شمال الأطلسي كما وصفها البعض، بل يمكنها أن تكون اجتماعا بناء- حتى ولو رفض ترامب التعاون.
ويجب أن تتضمن القمة برنامجا بشأن تأثير انسحاب المملكة المتحدة من أوروبا على التحالف ومعالجة علاقته المتوترة مع أحد أعضائه الأكثر إشكالا، تركيا، التي، من بين أشياء أخرى، انتقدت السياسة الأمريكية في سوريا. كما يتعين على المشاركين أيضا دراسة كيفية ربط أنشطة الناتو بأمن أوروبا ونظامها الدفاعي الحديث العهد.
وما لا يجب أن يفعله المشاركون في القمة هو السماح بالتركيز فقط على ضرورة إنفاق أعضاء الناتو 2 % من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، رغم انه من الصواب أن ترفع الدول من سقف نفقاتها على الدفاع بشكل أكبر. كما لا يجب عليهم التركيز على الالتزام المتعلق بالدفاع المتبادل المشار إليه في المادة 5 من ميثاق الناتو، رغم المبدأ الذي يعتبر كل هجوم استهدف عضوا واحدا في الناتو بمثابة هجوم ضد كل أعضاء التحالف البارزين.
وظهرت عدم جدوى هذه المقاربة بشكل واضح العام الفائت، عندما أعدت الأرضية لترامب للتأكيد من جديد على التزام إدارته بالدفاع المتبادل. ففي جميع الأحوال، ألقى ترامب كلمة في حدث خصص لتخليد ذكرى هجمات11 سبتمبر الإرهابية في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الوقت الذي أشير فيه إلى المادة 5. وكانت الغاية من هذا الحدث الضغط على ترامب بخصوص الدفاع المتبادل.
ولكن ترامب لم يلتهم الطعم. فرغم إعلانه أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن الأصدقاء الذين دعموها بعد 11/‏9، إلا أنه لم يذكر علنا المادة 5، فما بالك أن يعتمدها. إن ما قام به ترامب هو مهاجمة الناتو من جديد فيما يخص عدم إنفاقها بشكل كاف على الدفاع. وعوضاً أن يبين للعالم أن الناتو لا زال قويا ومتحدا، أظهره على أنه ليس واثقاً من قراراته وأنه مقسم. والناتو غير قادر على دفع ثمن هذا الخطأ من جديد.
والحقيقة أنه رغم أهمية المادة 5 ونسبة 2 % من الناتج المحلي الإجمالي التي يجب إنفاقها، فإن قيمة الناتو تتعدى هذه الأمور بكثير.
لنأخذ بعين الاعتبار المادتين 2 و3 من ميثاق الناتو، فنادرا ما يشار إليهما رغم أهميتهما القصوى في تحقيق أهداف الناتو. وتشجع المادة 2 أعضاء الناتو على التعاون في المجال الاقتصادي وفهم المبادئ التي بنيت عليها مؤسساتهم الحرة بشكل أفضل. والاهم من ذلك تدعو المادة 3 الأعضاء إلى العمل بشكل مشترك من أجل بناء القدرة على الدفاع والمحافظة عليها، ومن تم، تعزيز قدرتها على المقاومة.
وبينما أصبحت المادة 5 مصدرا للسلطة يستعين به ترامب للضغط على الحلفاء للإنفاق أكثر وفي نفس الوقت إرضاء مؤيديه، فإن المادتين 2 و3 عمليتان وصريحتان. فهما لا تركزان على التصورات المتعلقة بالحرب، بل على بناء أسس السلام، بما في ذلك التعليم العمومي والعلاقات المؤسساستية التي تحسنت والتنظيم الفعال. تلك هي المجالات التي تحتاج عملا اكثر من الناتو، وخاصة أعضاؤها الأوروبيين.
وفي أوروبا نادراً ما تسمع كلمة «دفاع» بدون «أمن». وليس الأمر مجرد صدفة:إن ربط هاتين الفكرتين أمر مقبول لدى الأوروبيين الذين لم يعودوا متحمسين للدفاع عن النفس من جراء الصدمات التي تلقوها عبر التاريخ. لكن مع وجود روسيا ذات النزعة الانتقامية في شرقها والفوضى بجنوبها، لم تعد أوروبا قادرة على دفع ثمن رفضها بل يجب عليها تعزيز نظام دفاعها عن النفس مرتكزة على أسس ومستعينة بالمادتين 2 و3.
ولطالما منحت أوروبا حق الدفاع عن نفسها بكل حرية، لكن تاريخ صلاحية هذا الحق على وشك الانتهاء. وفي هذه الفترة التي يسودها عدم اليقين، من الأفضل التركيز على السياسات التي قد تنجح أو تفشل الواردة في المادة 5. إلا أن ما يحتاجه الناتو فعلاً ليس الحصول على المزيد من الدعاية بل بناء قدرتها على المقاومة بشكل منهجي و متكرر وشامل.

وزيرة خارجية إسبانيا السابقة، ومحاضرة زائرة في جامعة جورج