الشيخوخة العالمية والملاءة المالية

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١١/يوليو/٢٠١٨ ٠٤:١٠ ص
الشيخوخة العالمية والملاءة المالية

مارتن فيلدستاين

تواجه البرامج الحكومية لدعم المتقاعدين مشاكل في جميع البلدان، وذلك راجع إلى زيادة معدل العمر المتوقع وارتفاع نسبة المتقاعدين أكثر من نسبة دافعي الضرائب.

وستتفاقم المشكلة في السنوات المقبلة حيث يزيد الاتجاه الديموغرافي المعاكس العبء المالي لتمويل معاشات التقاعد والرعاية الصحية.

لكن المشكلة مختلفة بشكل كبير بالنسبة للولايات المتحدة؛ لأن نظام «الصندوق الاستئماني» الخاص بتمويل الضمان الاجتماعي سيُوجِد أزمة عندما يتم استنفاد الصندوق. ورغم أن الخيارات في ذلك الوقت ستكون مختلفة عن الخيارات التي تواجه الحكومات الأخرى، إلا أن سياسات تجنّب الأزمة الأمريكية ذات صلة بالبلدان الأخرى التي تواجه شيخوخة السكان.
إليكم طريقة عمل النظام الأمريكي: بموجب القانون، يتم تخصيص ضريبة الرواتب بشكل حصري لتمويل مخصصات المتقاعدين.
يدفع كل من أرباب العمل والموظفين 6.2 % من الأرباح النقدية بحد أقصى يصل إلى 128.000 دولار، وهو مبلغ يزداد سنوياً بمتوسط الأجور.
يتم إيداع هذه الأموال الضريبية في صندوق ائتمان الضمان الاجتماعي وتستثمر في السندات الحكومية.
علاوة على ذلك، يحق للأفراد الحصول على استحقاقات في سن 67 استناداً إلى مدفوعات ضرائب الأجور مدى حياتهم، مع خيار الحصول على منافع مخفّضة في سنّ 62 أو الانتظار حتى سن 72 مع زيادة في حسابات التأمين.
ترتفع الفوائد السنوية مع متوسط الدخل اليومي للفرد، وفقا لجدول زمني يؤدي إلى انخفاض نسبة الأرباح والأرباح السابقة مع ارتفاع هذه الأرباح. وبسبب شيخوخة السكان، فإن المستوى الإجمالي للفوائد يتزايد بسرعة أكبر من مجموعات الضرائب.
وفي العام 2010، بلغ إجمالي إيرادات ضرائب الضمان الاجتماعي 545 بليون دولار، وبلغ إجمالي مدفوعات الاستحقاقات 577 بليون دولار. ولأن الفائدة على السندات المتراكمة سابقا كانت تبلغ 108 بلايين دولار، زاد الحجم الإجمالي للصندوق الاستئماني بمقدار 76 بليون دولار.
وبعد ست سنوات، في العام 2016، بلغت إيرادات الضرائب 679 بليون دولار وبلغت الفوائد 769 بليون دولار. كما وصل العجز النقدي الناتج إلى 90 بليون دولار، وهو ما يعادل بالضبط الفائدة في ذلك العام، تاركاً حجم الصندوق الاستئماني دون تغيير نسبياً.
ومنذ العام 2016، تجاوزت مدفوعات الاستحقاقات مجموع الأموال الضريبية والفائدة، مما أدى إلى انخفاض رصيد الصندوق الاستئماني.
ويقدّر خبراء التأمين في إدارة الضمان الاجتماعي أن الانخفاض السنوي في الصندوق الاستئماني سيستمر لسنوات عديدة، حيث سيبلغ الرصيد صفرا بحلول العام 2034. وعند هذه النقطة، لن يكون لدى الصندوق الاستئماني أي دخل من الفوائد. لا يمكن دفع الفوائد إلا من خلال الصندوق الاستئماني، ولذلك يجب تخفيضها إلى مبلغ الضرائب المستلمة في تلك السنة.
إذا لم يتخذ الكونجرس قرارا بتغيير القانون، يتنبأ خبراء التأمين أن الفوائد يجب أن تنخفض على الفور في العام 2034 بنسبة 21 %. بدلا من ذلك، لتجنّب هذا التخفيض بنسبة 21 %، يجب أن ترتفع الضرائب بنسبة 26.5 %، من 12.4 % إلى ما يقرب من 16 %.
في حين أنه من الصعب التنبؤ بما سيقوم به الكونجرس في المستقبل، حيث أجد صعوبة في تصديق أن الغالبية ستصوّت لتخفيض مستوى الفوائد بنسبة 21 % أو زيادة مستوى ضريبة الرواتب المدفوعة من قبل جميع أرباب العمل وكافة العاملين بنسبة 26 %.
إن البديل الأكثر احتمالاً هو استخدام إيرادات ضريبة الدخل العامة للحفاظ على مستوى الفوائد. وهذا يتطلب زيادة في معدلات الضرائب الشخصية بحوالي 10 %.
ومن شأن هذه الإستراتيجية أن تحوّل عبء برنامج الضمان الاجتماعي إلى الأسر ذات الدخل المرتفع، التي تدفع الجزء الأكبر من ضرائب الدخل الشخصي. وقد يفسّر ذلك سبب عدم محاولة السياسيين اليساريين تجنّب أزمة الضمان الاجتماعي المستقبلية.
يمكن منع الأزمة في العام 2034 عن طريق زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي، كما فعلت الولايات المتحدة في العام 1983.
في ذلك الوقت، مع أزمة تمويل الضمان الاجتماعي، وافق الكونجرس، أساسا الحزبين معا، على رفع سن التقاعد القياسي تدريجيا من 65 إلى 67.
ومنذ ذلك الحين، ازداد متوسط العمر المتوقع للشخص في ذلك العمر ثلاث سنوات.
يمكن للكونجرس الآن أن يصوّت لزيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي تدريجيا بثلاث سنوات أخرى، من 67 إلى 70. ولأن العمر المتوقع عند عمر 67 سنة هو 17 سنة تقريبا، فإن الزيادة في العمر لمدة ثلاث سنوات للحصول على الفوائد الكاملة ستكون تخفيضا بنسبة 17 % في فوائد مدى الحياة، وذلك كاف لتعويض النقص الناتج عن انخفاض العائد، وسيكون من الأفضل تعديل سن التقاعد السنوي كل عام للزيادة في حسابات التأمين في متوسط العمر المتوقع.
وستتمثل إحدى الإستراتيجيات البديلة للتعامل مع التكلفة المتزايدة لفوائد المتقاعدين في الابتعاد عن نظام «الدفع أولا بأول» (PAYG) من خلال إضافة عنصر قائم على الاستثمار. بدلاً من استثمار الإيرادات من ضريبة الرواتب بنسبة 12.4 % في السندات الحكومية، يمكن استثمار جزء كبير في محفظة الأسهم، كما تفعل أنظمة المعاشات التقاعدية للشركات. وبذلك سينمو الصندوق الاستئماني بسرعة أكبر، وسيتم تجنّب الأزمة.
رغم أن نظام الصناديق الاستئمانية في الولايات المتحدة سيؤدي احتمالا إلى حدوث أزمة عندما يتم استنفاد الصندوق، فإن الحلول لتجنّب هذه النتيجة ستساعد البلدان الأخرى التي لديها الآن نظام PAYG -الأمر الذي سيزيد من عمر المنافع الكاملة وسيجمع بين النظام الحالي وتمويل الأسهم. وكلما أسرعنا في القيام بهذه التغييرات، كلما كان الوضع المالي أكثر قدرة على الاستمرار وكلما كانت الفوائد المستقبلية أكثر موثوقية.

أستاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد والرئيس المميز للمكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس رونالد ريجان في الفترة من 1982 إلى 1984

مارتن فيلدستاين