"حمارة" الأمس.. و"حوت" اليوم..

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١١/يوليو/٢٠١٨ ٠٣:٢٧ ص
"حمارة" الأمس.. و"حوت" اليوم..

لميس ضيف

من ميراثنا الفلكلوري، الذي تمخض عنه خيال الأمهات، شخصية «السعلوة» التي كانت تأكل لحوما بشرية وتحتفظ بجماجم من تأكلهم. و «الطنطل» الوحش طويل القامة الذي يسمع لمشيته صوت مخيف. و «الدعيدع» الذي يرى حتى في الظلام. أما أشهر تلك الشخصيات على الإطلاق فهي «حمارة القايلة» وهي امرأة تهيم في الطرقات ظهرا وتتمظهر بمظهر طبيعي إلا أن نصفها الأسفل هو نصف حمار، وهي تخفي قدميها بعباءتها الطويلة وتخطف الأطفال الصغار الذين لا يلزمون منازلهم ظهرا.

لماذا اخترعت الأمهات تلك الشخصيات المرعبة وتناقلنها جيلا بعد جيل؟

لم يفعلن ذلك عدوانا، ولا لسحق شجاعة أطفالهن، بل للسيطرة على جموح أطفالهن باختلاق شخصية لكل مهمة فالـ «دعيدع» كان دافعا لعودة الأطفال لمنزلهم قبل المغيب. وكانت «السعلوة» وسيلة حماية لهم من سلك طرقات غير معروفة، أما «حمارة القايلة» فكانت أداة الأمهات لحماية أبنائهن من مضار شمس الظهيرة ولجم رغبتهم الملحة لاستبدال القيلولة باللعب.
ربما يرى خبراء التربية اليوم أن ما فعلته النساء في تلك الأجيال «جريمة» تربوية، ولكنهن قمن بأفضل ما تمخض عنه فكرهن في ذلك الوقت ومبلغ ما وصل له علمهن، وكانت نواياهن سليمة وأساليبهن مبتكرة وفريدة ونتائجها ناجحة نسبيا.
لقد خلفن أجيالا من الأمهات خفن على أبنائهن بشكل كلي من الشارع والحارة والغرباء لما تغير الزمن وزادت الجرائم، فحبسن أبناءهن في المنازل خوفا عليهم، وضممن صغارهن تحت جناحهن حماية لهم من كل خطب. لكن طاحونة الزمن أبت إلا أن تخرج لنا بتحديات جديدة، تحتاج مجددا لمكر الأمهات وسعة حيلتهن وخيالهن الخصب.
مؤخرا فقط؛ سجلت المملكة العربية السعودية حالة انتحار لطفل جميل بسبب ما أسموه «بالحوت الأزرق» تبعتها بأيام حالة لطفلة في المدينة المنورة. وقبلها سُجلت عدة حالات في مصر والجزائر ولبنان وغيرها من الأقطار. وقد كنا نظن أن هذا الحوت المسعور تطبيق هاتفي. حتى اكتشفنا أنه تحد يمكن أن يصل للأطفال عبر منافذ عدة ليس آخرها السناب شات والانستجرام. حيث يتلاعب أحدهم بنفسية الطفل وعقله دافعا إياه للانتحار. وهي لعبة أنشأها طالب علم نفس مهووس في روسيا طردته الجامعة فزعا من عبقرية إجرامه. وتم القبض عليه بعدها ولكنه ترك أتباعا مخلصين لنهجه المريض.
بعض الخبراء مصرون على أن من الضحايا من كانوا ضحية «قرش» آخر لم تكن له علاقة باللعبة. بل بحقيقة أن كثيرا من الأطفال يتم استدراجهم لتقديم معلومات عن أهلهم. وأحاديث أو صور جنسية يتم ابتزازهم فيها بعدئذ إما بتهديدهم بإيذاء أهلهم أو فضحهم، ما يدمر الطفل ويسحق طفولته وبراءته في آن.
نقول: لم يعد الخطر الأعظم اليوم في الشارع، ولم تعد أسوار البيت كافية لحماية الأطفال، وصارت أسلاك خادم الإنترنت مشنقة للطفولة. وعلى أمهات اليوم أن يخلقن فولكلورهن الخاص. ويبتدعن وسائل لعزل صغارهن عن هذه التكنولوجيا التي يفوق ضررها نفعها. وعليهن أن يستنفرن لحماية صغارهن بكل الطرق والوسائل كما فعلت من سبقنهن.