أمريكا هي الخاسرة

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٢/يوليو/٢٠١٨ ٠٥:١٨ ص
أمريكا هي الخاسرة

برادفورد ديلونغ

أشارت كاترين رامبيل مؤخرا في صحيفة «ذا واشنطن بوست» إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حينما عقد جلسة للمسؤولين التنفيذيين لشركة هارلي ديفيدسون وممثلين نقابيين في البيت الأبيض في فبراير 2017، شكرهم على «التصنيع في أمريكا». وواصل ترامب حديثه مُتنبئا بأن شركة الدراجات البخارية الأمريكية الكبرى ستتوسع في ظل رئاسته. وأردف قائلا: «أعلم أن شركتكم تبلي بلاء حسنا، وأن البلد تسري فيه الآن روح العزيمة التي كنتم تفتقرون إليها في الأشهر الفائتة ولكنكم تتمتعون بها الآن».

يا له من فارق يصنعه عام واحد! فقد أعلنت شركة هارلي ديفيدسون مؤخرا أنها ستنقل بعض عملياتها إلى بلدان أخرى لا تخضع للإجراءات الانتقامية التي اعتمدها الاتحاد الأوروبي ردا على الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على واردات الصلب والألومنيوم. فاتجه ترامب إلى تويتر ليقول إنه «مندهش من أن شركة هارلي ديفيدسون، من دون جميع الشركات، ستكون أول من يرفع الراية البيضاء». ثم قطع وعدا لا يستطيع أن يفي به قائلا: «. في النهاية لن يدفعوا أي تعريفة جمركية عند البيع في الاتحاد الأوروبي».

ثم في تغريدة لاحقة، ادعى ترامب كذبا أن «شركة هارلي ديفيدسون صرحت في مطلع هذا العام أنهم سينقلون كثيرا من عمليات مصنعهم في كانساس سيتي إلى تايلاند»، وأنهم «قد اتخذوا من الرسوم الجمركية/‏الحرب التجارية ذريعة لهم في ذلك». في الواقع، حينما أعلنت الشركة إغلاق مصنعها في كانساس سيتي بولاية ميزوري، قالت إنها ستنقل تلك العمليات إلى مدينة يورك بولاية بنسيلفانيا. وعلى أي حال، لم يكن ترامب منطقيا في هذه النقطة. فإذا كانت الشركات تتصرف تحسُّبا لما أعلنه هو شخصياً من أنه سيشن حربا تجارية، إذن فإن حربه التجارية ليست مجرد ذريعة.
ومع ذلك، تحول ترامب في تغريدة أخرى إلى التهديدات، محذرا من أن «شركة هارلي يجب أن تعلم أنها لن تتمكن من أن تبيع مرة أخرى في الولايات المتحدة دون أن تدفع ضرائب كبيرة!» لكن هذا غير منطقي أيضا، فالسبب الذي دفع شركة هارلي ديفيدسون إلى نقل بعض إنتاجها إلى بلدان لا تخضع لرسوم الاتحاد الأوروبي الجمركية هو أن تبيع للأوروبيين دراجات بخارية معفاة من الرسوم الجمركية.
وفي تغريدة أخيرة، أصدر ترامب مرسوما يقضي بأن « شركة هارلي ديفيدسون ينبغي ألا تُقام أبدا في دولة أخرى – أبدا» ثم واصل حديثه متوعدا بتدمير الشركة، ومن ثمّ وظائف العاملين فيها قائلا: «إذا نقلو أعمالهم، فستكون هذه هي بداية النهاية – إن استسلموا، يخرجوا! وهذه الهالة ستذهب، وستُفرض عليهم ضرائب لم يشهدوها من قبل!»
ومن نافلة القول إن هذا ليس أمراً طبيعياً. فتصريحات ترامب تقطر ازدراءً لسيادة القانون. ولا ترقى أي منها إلى مستوى أي شيء يمكن أن نطلق عليه سياسة تجارية، ناهيك عن أن يُطلق عليه إدارة للدولة. فالأمر يبدو وكأننا قد عدنا إلى أيام هنري الثامن، الملك المندفع المخبول المُحاط بزمرة من الأثرياء ذوي النفوذ والمتملقين والأفاقين الذين يحاولون جميعا أن يتقدموا مهنيا وأن يحافظوا في الوقت ذاته على سفينة الدولة طافية.
ومن الواضح أن ترامب غير قادر على أداء واجبات منصبه بنية حسنة. وكان ينبغي لمجلس النواب الأمريكي ومجلس الشيوخ أن يكونا قد أقالوه بالفعل وعزلوه من منصبه بسبب انتهاكه لبند المكافآت المنصوص عليه في دستور الولايات المتحدة الأمريكية، إن لم يُعزل لسبب آخر. وبخلاف ذلك، كان ينبغي لنائب الرئيس، مايك بنس، منذ وقت طويل أن يُعمل التعديل الخامس والعشرين الذي ينص على إقالة الرئيس إذا اعتبره أغلبية الحكومة «غير قادر على أداء سلطات وواجبات منصبه».

ولكن لم يجرؤ لا رئيس مجلس النواب، بول رايان، ولا زعيم الأغلبية بمجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، ولا بينس أن يفعل أي شيء حيال اعتداء ترامب على الديمقراطية الأمريكية. فالجمهوريون قد أصابهم الشلل بسبب الخوف من أنهم إذا انقلبوا على ترامب، المدعوم حالياً من 90% تقريباً من قاعدة الحزب، فإنهم سيعانون جميعا في صناديق الانتخابات خلال انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر الثاني المقبل.

وما ألطف أن تظن أن الانتخابات ستُصلح كل شيء. لكن، على الأقل، يحتاج الحزب الديمقراطي إلى ست نقاط مئوية لاستعادة مجلس النواب، وذلك بسبب تلاعب الجمهوريين في حدود الدوائر الانتخابية للكونجرس. ويحتاج الديمقراطيون أيضاً إلى التغلب على أثر التلاعب في حدود الدوائر الانتخابية في مجلس الشيوخ. فكتلة الديمقراطيين في مجلس الشيوخ المكونة من 49 عضوا تمثل، في الوقت الحالي، 181 مليون شخص، في حين أن كتلة الجمهوريين المكونة من 51 عضواً تمثل 142 مليون شخص.
وعلاوةً على ذلك، فإن الولايات المتحدة معروفة بضعف إقبال المصوتين في أثناء انتخابات التجديد النصفي، وهو ما يميل إلى الإضرار بفرص نجاح المرشحين الديمقراطيين. إن ترامب وأعضاء الكونجرس من الجمهوريين قد وصلوا إلى مقاليد الحكم في ظل اقتصاد قوي نسبياً ورثوه من الرئيس الأسبق باراك أوباما، إلا أنهم سعداء بادعائهم أنهم هم من صنعوا هذا الاقتصاد.
وأخيرا، ينبغي للمرء ألا يُغفل عامل الخوف. فهناك أعداد لا تحصى من الأمريكيين عادة ما يقعون فريسة للحملات الإعلانية، سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أو التلفزيون، التي تتلاعب بأسوأ غرائزهم. ويمكنك أن تكون على يقين من أن ما حدث في الماضي سيحدث في هذه الدورة الانتخابية، فسوف تُقدَّم وجبات ثابتة من الخطب الرنانة إلى المصوتين البيض من كبار السن لتبث في نفوسهم الفزع من التهديدات التي يمثلها المهاجرون وأصحاب البشرة الملونة والمسلمون وغيرهم من الكائنات المرعبة بالنسبة لأنصار ترامب (هذا إذا لم يُبَعْ لهم علاج زائف لمرض السكري أو صندوق ذهبي بثمن باهظ يفوق كثيراً سعره الحقيقي).
وبغض النظر عما سيحدث في نوفمبر المقبل، من الواضح بالفعل أن القرن الأمريكي قد انتهى في 8 نوفمبر 2016. ففي ذلك اليوم، لم تعد الولايات المتحدة هي القوة العظمى التي تقود العالم، فلم تعد الدولة الضامنة ذات النية الحسنة، رغم عيوبها، للسلام والرفاهية وحقوق الإنسان حول العالم. إن أيام الهيمنة الكيندلبيرجية للولايات المتحدة قد ولت وانتهت. فلا يمكن أبدا استعادة المصداقية التي فقدتها الولايات المتحدة لصالح أنصار ترامب – بتحريض من روسيا والمجمع الانتخابي الأمريكي.

نائب سابق لمساعد وزارة الخزانة الأمريكية

وأستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا