مستقبل الاقتصاد العالمي

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٥/يوليو/٢٠١٨ ٠٤:١٩ ص
مستقبل الاقتصاد العالمي

جيم أونيل

عند حلول العام 2018، كانت معظم اقتصادات العالم تتعافى بشكل متزامن ودوري. وبدا ذك وكأنه بداية لتنمية مستدامة ستستمر أكثر مما مضى، ونهاية لركود اقتصادي بدأ العام 2008 ودام لمدة عقد من الزمن. ورغم الصدمة التي خلفها خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي والاضطرابات بشأن الشرق الأوسط وبينيزولا الكورية، وتصرفات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي لا يمكن التنبؤ بها، فإن ارتفاعا في الاستثمارات والأجور وانخفاض معدل البطالة أمور قد ترى النور قريبا.

ورغم كل هذا وكما حذرت في يناير الفائت، فقد «انتقل المزاج العالمي من الخوف من المخاطر السياسية إلى عدم الوعي بما يحدث، رغم كون العديد من تلك المخاطر لا زالت تبدو كبيرة «كما أنه رغم تحسن كل المؤشرات العالمية المفضلة، لدي فقد كنت قلقا بشأن إذا ما كان هذا التحسن سيستمر بعد النصف الأول من العام 2018، نظراً للتعقيدات التي يمكن رصدها مثل السياسة المالية التي تعرقل الاقتصادات المتقدمة، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. وما حدث فجأة هو أننا في منتصف العام 2018 وبعض هذه المؤشرات لم يعد إيجابياً كما كان. ورغم أن مؤشر مديري عمليات الشراء لشهر يونيو بالمعهد الأمريكي لإدارة الإنتاج لا زال قوياً، فبعض استطلاعات الرأي المماثلة حول العالم ليست قوية كما كانت قبل ستة أشهر. والأهم من ذلك فإن الأنشطة التجارية تراجعت في كل من الصين وأوروبا.

وهناك مؤشر آخر يتمثل في المعلومات المتعلقة بالتجارة في كوريا الجنوبية التي تنشر شهرياً، وقبل أي دولة أخرى. ففي 1 يوليو علمنا أن صادرات كوريا الجنوبية انخفضت عاما بعد عام في يونيو 2018. وبينما كان العام 2017 مميزاً فيما يتعلق بقوة صادرات البلد الإسمية، فقد كانت 2018 بداية لشهور عديدة من التراجع. وما يثير السخرية هو أن هذا الركود تزامن مع تحسن العلاقات مع أمريكا الشمالية، في حين شهد العام الفائت تقدما اقتصاديا رغم التهديدات بشأن الأسلحة النووية.
ويتطلب تراجع صادرات كوريا الجنوبية تحليلاً تتبعياً عقلانياً للمعلومات التجارية المتعلقة الاقتصادات الكبرى وتلك المتعلقة بكوريا الجنوبية فور نشرها. ونظراً للارتفاع المقلق للضرائب التي فرضها ترامب على واردات أمريكا والإجراءات الانتقامية التي اتخذتها الصين والاتحاد الأوروبي وغيرهم، فليس من الغريب أن يستمر تراجع التجارة العالمية.
وبغض النظر عما قيل سلفا، لا يجب أن نعتقد أن تراجع التعاملات التجارية نتجت بشكل مباشر عن الضرائب. فنحن لم نفشل بشكل شامل وجهوي فيما يخص الصادرات، لكن المعلومات المتاحة خلال العشرين يوما الأولى من شهر يونيو تقول إن صادرات كوريا الجنوبية إلى الولايات المتحدة الأمريكية والصين كانت في الحقيقة كثيفة. بينما كانت الصادرات إلى جميع دول شرق جنوب آسيا والشرق الأوسط ضعيفة. وإذا بقي الحال على ما عليه، فليس هناك ما يدعو للقلق بشأن تراجع التجارة العالمية القوية خلال الأشهر 18 الأخيرة.
وفي جميع الأحوال، فنحن نعيش في زمن تسيطر فيه الولايات المتحدة والصين على الاقتصاد العالمي. وحسب دراستي، ترجع نسبة 85 % من نمو الناتج المحلي الإجمالي الإسمي في العالم كله منذ 2010 إلى هذين البلدين، وترجع 35 % من هذا النمو إلى الولايات المتحدة الأمريكية بينما تساهم الصين بنسبة 50 %. إذا، طالما اقتصاد الصين والولايات المتحدة الأمريكية بخير، فمن المتوقع أن يحافظ الاقتصاد العالمي على ما يقارب 3.4 % من نمو الإنتاج السنوي. وفي ما يخص بقية العالم، فقد كانت المؤشرات الاقتصادية في مثل هذا الوقت من العام الفائت وفي أوائل العام 2018 تشير إلى أن العديد من التجارات الضعيفة بدأت تتحسن. وفي القيمة الحقيقية مقارنة بالقيمة الإسمية، شهدت كل من البرازيل والاتحاد الأوروبي واليابان وروسيا ركودا خفيفا منذ 2010، لكنها بدأت تتحسن في 2017.
فعلى سبيل المثال، في نفس هذا الوقت العام الفائت، ظهر الاتحاد الأوروبي وكـأنه يتعافى بشكل قوي ودوري وشامل ومستمر. لكن الأمر لم يعد كذلك. إذ شهدت الاقتصادات الكبرى مثل فرنسا وألمانيا تراجعاً، ربما لخوفهما من حرب تجارية عالمية. وبالطبع فقد ساهمت المفاوضات البطيئة بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وحكومة إيطاليا المناهضة للبناء وأزمة سياسية داخل أوروبا بسبب الهجرة في إيجاد اقتصاد غير مستقر. ويمكن أن تكون لأزمة الهجرة عواقب وخيمة على كل من حكومة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وتماسك الاتحاد الأوروبي. ومن المؤكد أن الركود الاقتصادي في أوروبا قد يكون مؤقتاً وأن مؤشر مديري العمليات الشرائية قد يرتفع شيئاً ما في يونيو، بعد أشهر قليلة من الركود. ومن الجنون محاولة منع حدوث ماهو أسوء.
ومع ذلك، وكما رأينا، فاستدامة النمو العالمي يعتمد بشكل كبير على أمريكا والصين. وإذا كانت هذه الدول ستبدأ حرباً تجارية عن طريق فرض ضرائب انتقامية، فسيخسر الجميع بما في ذلك الاقتصاد العالمي. وفي الولايات المتحدة الأمريكية حيث تصل نسبة الاستهلاك إلى ما يقارب 70 % من الناتج المحلي الإجمالي تعد التجارة الدولية الإيجابية ومناخ استثماري صديق ومستقر ضروريين للنمو المستدام. ونأمل أن يتمكن شخص قريب من ترامب من تغيير رأي هذا الأخير قبل أن تعرقل سياساته تحسن الاقتصاد العالمي الذي طال انتظاره.

الرئيس السابق لإدارة أصول كولدمان ساكس والوزير الأسبق للخزينة في بريطانيا ويشغل حاليا منصب أستاذ شرف للاقتصاد في جامعة مانشستر