الأخبار الزائفة

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٦/يوليو/٢٠١٨ ٠٤:٥٦ ص
الأخبار الزائفة

كيلي بورن

بعد قيام الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر 2016 بتسليط الضوء على ضعف القنوات الرقمية لموردي «الأخبار المزيفة»، زادت حدة النقاش حول كيفية مواجهة التضليل الإعلامي. لقد قطعنا شوطا طويلا في الأشهر الثمانية الفائتة منذ حضور المسؤولين التنفيذيين لفيسبوك وجوجل وتويتر أمام الكونجرس للإجابة على أسئلة حول كيفية استغلال المصادر الروسية لمنصاتها للتأثير على الانتخابات. ولكن من خلال البحث عن حلول، أصبح من الواضح أنه لا يوجد حل مباشر ينهي المشكلة تماما.

بدلاً من إيجاد حل شامل، نحتاج إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لمعالجة المشكلة من زوايا متعددة. يشبه النظام الإيكولوجي للمعلومات الحديثة مكعب روبيك، حيث يتطلب الأمر حركة مختلفة من أجل «حل» كل مربع على حدة. عندما يتعلق الأمر بالتضليل الرقمي، يجب النظر في أربعة أبعاد على الأقل.

أولاً، من الذي يشارك في نشر المعلومات المضللة؟ يمكن التعامل مع الأخبار المزيفة التي يتم نشرها من قِبل جهات أجنبية بشكل مختلف تماما -من الناحية القانونية والمعيارية- عن المعلومات المضللة التي ينشرها المواطنون، خاصة في الولايات المتحدة، وذلك من خلال توفيرها للحماية في مجال حرية التعبير والقوانين الصارمة نسبيا بشأن التدخل الأجنبي.
في الولايات المتحدة، يمكن معالجة حالات أقل تطوراً من التدخل الأجنبي بمزيج من تقنيات معالجة اللغة الطبيعية وتحديد المواقع الجغرافية لمعرفة الجهات الفاعلة التي تعمل من خارج البلاد. وفي حال فشل التغييرات على مستوى النظام الأساسي، يمكن استخدام تدخلات حكومية أوسع، مثل العقوبات العامة.
ثانيا، لماذا يتم تقاسم المعلومات المضللة؟ إن «المعلومات الخاطئة» -معلومات غير دقيقة تنتشر عن غير قصد- تختلف تماما عن المعلومات المضللة أو الدعاية التي تنتشر عن عمد. يمكن منع الجهات الفاعلة ذات النية الحسنة من تبادل المعلومات الخاطئة عن غير قصد، جزئيا على الأقل، من خلال حملات محو الأمية الإخبارية أو مبادرات التحقق من الحقائق. إن إيقاف الجهات الفاعلة السيئة من تقاسم هذه المعلومات عن عمد أمر أكثر تعقيدا، ويعتمد على أهدافها المحددة. على سبيل المثال، بالنسبة لأولئك الذين يسعون وراء الربح -مثل المراهقين المقدونيين الذين يستغلون سذاجة الأمريكيين لجني آلاف الدولارات شهرياً عن طريق إنشاء مواقع تنشر الأخبار الكاذبة- قد تساعد السياسات الإعلانية الجديدة التي تعطل نماذج الإيرادات في حل المشكلة. لكن مثل هذه السياسات لن توقف أولئك الذين يتشاركون المعلومات المضللة لأسباب سياسية أو اجتماعية. إذا كانت هذه الجهات الفاعلة تعمل كجزء من شبكات منظمة، سينبغي تعطيل الشبكة بالكامل لكي تكون فعالة.
ثالثًا، كيف يتم تشارك المعلومات المضللة؟ إذا كانت الجهات الفاعلة تشارك المحتوى عبر شبكات التواصل الاجتماعي، فإن التغييرات التي تطرأ على سياسات المنصات أو اللوائح الحكومية قد تكون كافية. لكن هذه التغييرات يجب أن تكون محددة.
على سبيل المثال، لمنع استخدام البرامج الآلية لتضخيم المحتوى بشكل مصطنع، قد تتطلب المنصات أن يكشف المستخدمون عن هوياتهم الحقيقية (رغم أن ذلك قد يسبب مشكلة في الأنظمة الاستبدادية حيث يكون إخفاء الهوية حمايةً لدعاة الديمقراطية). للحد من الاستقطاب الدقيق المتطور -استخدام البيانات الاستهلاكية والديموغرافية للتنبؤ بمصالح الفرد وسلوكه، من أجل التحكم في أفكاره وتصرفاته- قد يتعيّن على الأنظمة الأساسية تغيير سياسات مشاركة البيانات وسياسات الخصوصية، بالإضافة إلى تطبيق قواعد إعلانية جديدة. على سبيل المثال، بدلاً من إعطاء المعلنين فرصة الوصول إلى 2300 من «كارهي العرقيات» مقابل 30 دولارا أمريكيا فقط، ينبغي للمنصات الآن الإفصاح عن أهداف الإعلانات السياسية وحظر معايير استهداف معيّنة أو تحديد مدى صغر المجموعة المستهدفة.
هذا نوع من سباق التسلح. سيجد المستخدمون السيئون بسرعة طرقا لتجاوز أي تغييرات تطرحها الأنظمة الأساسية الرقمية. ستكون هناك حاجة مستمرة إلى تقنيات جديدة -مثل استخدام تقنية بلوك تشين للمساعدة في توثيق الصور الأصلية. لكن لا يوجد شك في أن المنصات الرقمية مجهزة بشكل أفضل لتعديل سياساتها بشكل منتظم مقارنة بالهيئات التنظيمية الحكومية.
ومع ذلك، لا تستطيع المنصات الرقمية التعامل مع المعلومات المضللة وحدها؛ لأن بعض شبكات التواصل الاجتماعي، حسب بعض التقديرات، لا تمثل سوى حوالي 40% من إمكانية المرور إلى أكثر مواقع «الأخبار الوهمية» فظاعة، بينما تتمكن 60% أخرى من الوصول «طبيعيا» أو عبر «شبكات التواصل الاجتماعي» (مثل الرسائل أو رسائل البريد الإلكتروني بين الأصدقاء). من الأصعب بكثير إدارة هذه المسارات.
البعد النهائي -وربما الأكثر أهمية- من لغز التضليل الإعلامي هو: ما المعلومات التي يتم تقاسمها؟ يميل الخبراء إلى التركيز على المحتوى «المزيف» بالكامل، والذي يسهل تحديده. لكن المنصات الرقمية لديها حوافز لكبح مثل هذا المحتوى؛ ببساطة لأن الناس بشكل عام لا يريدون أن يبدوا حمقى من خلال تقاسم قصص كاذبة.
بيد أن الناس يحبون قراءة وتبادل المعلومات التي تتماشى مع وجهات نظرهم، ويحبونها أكثر إذا كانت تثير مشاعر قوية -وخاصة الغضب. نظرا لأن المستخدمين ينخرطون بشدة في هذا النوع من المحتوى، يصبح لدى المنصات الرقمية حافز لعرضها.
هذا المحتوى لا يعد مجرد استقطاب، غالباً ما يكون مضللا ومثيرا، ويمكن أن يقوّض الخطاب الديمقراطي البنّاء. ولكن أين هو الخط الفاصل بين الخلاف الخطير القائم على التحريف والنقاش السياسي الفعال المدفوع بالآراء الدولية المتعارضة؟ ومن الذي سيرسمه؟ حتى إذا أمكن الإجابة على هذه الأسئلة الأخلاقية، فإن تحديد المحتوى الإشكالي على نطاق واسع يواجه تحديات عملية خطيرة. إن العديد من أكثر الأمثلة المضللة عن المعلومات المضللة لا تتعلق بانتخابات أو مرشحين محددين، بل بالخلافات الاجتماعية القائمة، على سبيل المثال، فيما يتعلق بالقضايا العرقية. وغالبا ما يتم نشر هذه الرسائل دون شراء الإعلانات. ونتيجة لذلك، لا يمكن تنظيمها بموجب القواعد الجديدة للإعلان الانتخابي، على سبيل المثال، «قانون الإعلان العادل»، الذي كان مدعوما من قبل الفيسبوك والتويتر. إذا كانت حلول التضليل غير واضحة في الولايات المتحدة، فإن الوضع أكثر تعقيدا في السياق الدولي، حيث تكون المشكلة لامركزية ومبهمة بشكل متزايد -وهذا سبب آخر لعدم وجود أي حل شامل. ولكن في حين أن كل مبادرة لا يمكنها حل سوى عدد قليل من المشاكل -قد تحل السياسات الإعلانية المتقدمة نسبة 5 % من المشكلة، وقد تؤدي التدابير المتعلقة بالاستهداف الدقيق بحل نسبة 20 %- معا، يمكنها إحراز التقدم. وستكون النتيجة النهائية بيئة معلوماتية، رغم أنها غير مثالية، إلا أنها تتضمن فقط كمية صغيرة نسبياً من المحتوى الإشكالي -وهو أمر حتمي في المجتمعات الديمقراطية التي تقدر حرية التعبير.
والخبر السار هو أن الخبراء سيُتاح لهم الآن الوصول إلى البيانات الخصوصية المحمية من الفيسبوك لمساعدتهم على فهم وتحسين تأثير المنصة على الانتخابات والديمقراطيات حول العالم. ويأمل المرء أن تتبع المنصات الرقمية الأخرى -مثل جوجل وتويتر وريديت وتامبلر- نفس الأسلوب. من خلال الأفكار السليمة والالتزام بالتغيير الأساسي التدريجي، يمكن جعل التأثير الاجتماعي والسياسي للمنصات الرقمية آمنا -أو على الأقل أكثر أمانا- للديمقراطيات الحالية المحاصرة.

مسؤولة البرامج في مبادرة ماديسون

التابعة لمؤسسة ويلينا وفلورا هوليت.