العالم من منظور صيني

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٧/يوليو/٢٠١٨ ٠٥:٠٤ ص
العالم من منظور صيني

كيفن راد

إن التناقض بين الفوضى في الغرب، الذي كان موضوع جلسة مفتوحة في قمة الناتو وفي اجتماع عقدته المجموعة مجموعة السبعة في كندا الشهر الفائت، وبين ثقة الصين الزائدة بنفسها، في تزايد مستمر. ففي الشهر الفائت، اختتم الحزب الاشتراكي للصين مؤتمره الرئيسي بشأن الأعمال المتعلقة بالشؤون الخارجية، وهذه هي المرة الثانية التي يعقد فيها هذا المؤتمر منذ أن أصبح شي جين بينغ رئيسا لاجدال فيه للصين. ولا تنعقد هذه الاجتماعات بشكل يومي، لكنها تعبر بشكل واضح عن رأي القيادات في مكانة الصين في العالم، وتخبر العالم الكثير عن الصين أيضاً.

وسجل المؤتمر الأخير نهاية لشعار دانغ كسيا بينغ الذي يقول: «خبأ قوتك،خذ وقتا كافيا، ولا تأخذ مركز القيادة أبدا»، وبداية لحقبة أخرى من النشاط الدولي. وإلى حد ما، عكس هذا التغيير تركيز شي بينج على السيطرة، واعتقاد الزعماء الصينيين أن السلطة الأمريكية في تراجع كبير وظنهم أنه لا يمكن الاستغناء عن دور الصين في الاقتصاد العالمي.

ومنذ 2014، وسعت الصين قاعدتها العسكرية وعززتها في بحر جنوب الصين. واقتبست فكرة طريق النقل السككي الرابط بين أوروبا وآسيا وحولتها إلى تجارة برأسمال قيمته آلاف البلايين وإلى استثمار وبنية أساسية ومبادرة جيو اقتصادية وجيوسياسية، بشراكة مع 73 دولة مختلفة في أوراسيا وإفريقيا وغيرهما. وانضمت الصين إلى معظم الدول المتقدمة بل حتى بنك التنمية المتعدد الأطراف غير المعني باتفاقية بريتن وودز، المسمى أيضا البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية.
وقامت الصين بمبادرات ديبلوماسية تجاوزت النطاق الاستراتيجي المباشر لمصالحها في شرق آسيا، وفضلاً عن مشاركاتها الفعالة في مبادرات مثل مشروع إيران النووي لعام 2015. فقد بنت قاعدة بحرية في سيريلانكا وباكستان وجيبوتي, وشاركت في التمارين البحرية مع روسيا، بل حتى في البحر الأبيض المتوسط والبلطيق. وفي مارس أسست الصين وكالتها الدولية للتنمية.
وليست الاستراتيجية الكبيرة المتماسكة (بغض النظر عما إذا اعتبرها الغرب كذلك) فقط من تغير منذ العام 2014. فقد أصبح التركيز على الحزب الاشتراكي للصين أكثر قوة من قبل. فعندما قلق شي بعد أن أصبح الحزب هامشيا في مناقشات الدول الرئيسية، أعطيت السلطة للحزب على حساب وضع السياسات التيكنوقراطية. وشي مصمم على تحدي الفكرة السائدة بشان تاريخ الغرب من أجل وضع حد لفكرة نهاية التاريخ لفرانسيس فوكوياما وبالتالي تعزيز الرأسمالية الديمقراطية اللبيرالية والمحافظة على الدولة اللينينية لمدة أطول.
وطبعت هذه المقاربة المعروفة بمقاربة شي جين بينغ إطار عمل السياسة الخارجية للصين، خاصة أن اعتقاد شي التنبئي بأن هناك قوانين متعلقة بالتنمية التاريخية يمكن التعرف عليها لكنها غير قابلة للتغيير كان حاضراً بشكل لافت في مؤتمر السياسة الخارجية المنعقد الشهر الفائت.

ونظراً لحثها على القوانين الحديدية للتنمية الاقتصادية والسياسية، فإن الرأي العالمي الجدلي المادي يعني أنه ليس هناك أي شيء اعتباطي بشأن الأحداث في العالم. إذا، يقول شي أنه إذا طبقت خطة ماركس التحليلية في الوقت الحالي، فمن الواضح أن النظام الحالي يوجد في نقطة فاصلة تشهد تراجع الغرب الكبير والمتزامن مع الظروف الدولية والوطنية المناسبة التي مكنت الصين من التقدم، وحسب شي، فالصين تنمو بشكل أحسن منذ بداية الأوقات المعاصرة، بينما يشهد العالم تغيرات عميقة لم يسبق لها مثيل. هناك طبعاً عراقل تنتظر الصين في المستقبل، لكن شي يعتقد أن العراقل لتي تواجهها الولايات المتحدة أكبر بكثير.

ولا أحد يدري إلى أي مدى سيقود هذا التفكير سياسة الصين الملموسة والخارجية، لكن الطريقة التي تفكر بها الدول ذات الحزب الواحد خاصة الماركسية منها أمر مهم جداً. بمعنى آخر، كيف يتحدث النظام مع نفسه.
وكان شي واثقاً جداً من رسالته الموجهة إلى صانعي القرارات السياسية الخارجية في الصين.
ودعا المؤتمر المركزي مراكز السياسة الدولية للبلد، بشكل خاص الترحيب بأجندة شي. ويبدو أن شي يضع السياسات الخارجية صلب أهدافه. ويتميز انزعاج شي من المقاربة الباردة لوزارة الإبداع السياسي بنكهة إيديولوجية قوية. ودعا الديبلوماسيين الصينيين إلى الأخذ بعين الاعتبار أنهم أولا وقبل كل شيء أطر حزبية، أي أنه من المحتمل أن يدفع السياسة الخارجية إلى العمل بشكل أكبر لتمكين فكرته العالمية من الخروج بشكل شامل إلى حيز الوجود.
إن التغيير الأكبر الذي عقب المؤتمر المنعقد الشهر الفائت يتعلق بالحكامة العالمية. ففي العام 2014، أشار شي إلى قرب صراع من أجل البنية المستقبلية للنظام الدولي.
ورغم أنه لم يتحدث بشكل مفصل، إلا انه لوحظ أن الكثير من الجهود خصصت لثلاثة أفكار متداخلة: جوجي سيكسو(النظام الدولي) وغوجي شيطونغ (المنظومة الدولية) وكانكيو يلي (الحكامة العالمية).
وبالطبع هناك اختلاف كبير بين المصطلحين في اللغة الانجليزية. بيد أن مصطلح النظام الدولي يعني بصفة عامة الأمم المتحدة ومؤسسات بريتن وودز ومجموعة العشرين وغيرها من المؤسسات متعددة الأطراف (المقبولة لدى الصين)، بالإضافة إلى منظومة الولايات المتحدة الأمريكية للتحالف العالمي المرفوضة لدى الصين. ويرمز مصطلح المنظومة الدولية إلى الجزء الأول من تعريف «النظام الدولي»، أي، الشبكة المعقدة للمؤسسات المتعددة الأطراف التي تعمل تحت قانون المعاهدة الدولية التي تسعى إلى السيطرة على الاشتراكيين العالميين على أساس السيادة المشتركة. ويقصد بالحكامة العالمية، دور النظام الدولي الذي أشير إليه في التعريف، وما أثار الدهشة في ملاحظات شي الجديدة في المؤتمر الرئيسي هو دعوته للصين أن تقود، الآن، نظام الحكامة العالمي بشكل منصف وعادل. ولحد الآن، كانت هذه الدعوة أكثر ما صرح به شي بشكل مباشر فيما يتعلق بنوايا الصين بشأن هذه القضية. ويجب على العالم الاستعداد لموجة جديدة من فعالية السياسة الدولية الصينية.
وكما هو الشان بالنسبة لمعظم عناصر المجتمع الدولي الباقية، فالصين واعية بشكل كبير بتعطل معظم مؤسسات النظام الحالي. إذا فرغبة شي في قيادة إصلاح نظام الحكامة الدولي ليس بمحض الصدفة، بل تعكس نمو النشاط الديبلوماسي، من اجل إعادة توجيهها بشكل يلائم ما تعتبره الصين «مصالح وطنية رئيسية».
وذكر شي صانعي القرار الدولي السياسي في الصين أنه يجب على هذه المصالح الوطنية الرئيسية أن تولى قيادة سياسة الصين الخارجية بأكملها في المستقبل، بما في ذلك إصلاح الحكامة العالمية، وفي هذا السياق، تريد الصين نظاماً دولياً متعدد الأقطاب. وهذا هو الحل من أجل عالم يضعف فيه دور الولايات المتحدة والغرب. ويكمن التحدي بالنسبة لباقي عناصر المجتمع الدولي في تحديد نوع النظام العالمي الذي تريده. ماذا تريد المؤسسات القائمة مثل الاتحاد الأوروبي وجمعية دول جنوب شرق آسيا والاتحاد الإفريقي بخصوص النظام المبني على القواعد الدولية في المستقبل؟ ماذا تريد الولايات المتحدة بالضبط. سواء بوجود ترامب أو بدونه؟ وكيف سنحافظ جميعاً على القيم المشار إليها في ميثاق الأمم المتحدة، ومؤسسات بريتن وودز والميثاق العالمي لحقوق الإنسان.
يعيش مستقبل النظام العالمي في زمن يتغير باستمرار. وتتوفر لدى الصين رؤيا واضحة للمستقبل. وحان الوقت لباقي عناصر المجتمع الدولي أن تفعل نفس الشيء.

رئيس معهد سياسة المجتمع الآسيوي في نيويورك