ثورة غذائية

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٧/يوليو/٢٠١٨ ٠٥:٠٥ ص
ثورة غذائية

بوب جيلدوف

في العام 1984، جمعتُ الموسيقيين الأكثر نجاحاً في ذلك الوقت لتشكيل «مجموعة أولية « تسمى فرقة المساعدات الأولية لجمع الأموال من أجل إنجاد الناس الذين يعانون من المجاعة في إثيوبيا. وفي العام التالي، تم تشكيل مجموعة أكبر من أجل «العون المباشر»، وهي مبادرة رئيسية للحفلات الموسيقية ومبادرات لجمع التبرعات تعتمد على الموسيقى، وتستمر حتى يومنا هذا. في المنتدى الدولي المعني بالتغذية، الذي عقدته مؤسسة باريلا في الشهر الفائت، لم تكن الحاجة المستمرة - والملحة بشكل متزايد - للجهود الرامية إلى تعزيز الأمن الغذائي أكثر وضوحاً.

يوضح مصير سكان جزيرة الفصح مشكلة العالم الحالية. في وقت ما في القرن الثاني عشر، تمكنت مجموعة من البولينيزيين من الوصول إلى جزيرة بركانية نائية حيث قدمت الغابات الكثيفة الطعام والحيوانات والأدوات والمواد اللازمة لبناء مئات التماثيل الحجرية المعقدة والغامضة. ولكن شيئاً فشيئاً، دمر الناس تلك الغابات، وأقدموا في النهاية على الانتحار الاجتماعي والثقافي والمادي. واليوم، من الناحية النسبية، ليس لدينا سوى مجموعة صغيرة من الغابات المتبقية - ونحن ندمرها بشكل سريع للغاية. لم تعد لدينا أراضي للزراعة، كما تزيد الأراضي الصحراوية في الانتشار. غالباً ما يضيع الطعام الذي ننتجه، في حين أن ما يقرب من بليون شخص لا يملكون ما يكفي من الطعام - وهو واقع يترك الكثيرين دون خيار سوى الهجرة.
تركز معظم التغطية الإعلامية على اللاجئين الفارين من النزاع المسلح (مثل سوريا) أو المهاجرين الباحثين عن فرص اقتصادية أفضل مما لديهم في بلادهم (مثل نيجيريا أو باكستان). لكن العلاقة بين ندرة الغذاء والهجرة أقوى مما قد يبدو لهؤلاء الذين لا يعانون من الجوع.
بينما يعاني الجنوب الفقير من الجوع، تزيد وجبات غذاء الشمال الغني. يعاني أكثر من بليوني شخص منا من زيادة الوزن، وذلك بسبب تناول السكريات منخفضة الطاقة والأطعمة المصنعة ذات الإنتاج الضخم الغنية بالدهون. ووفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، فإن ربع الغذاء الذي نتخلص منه أو نهدره كل عام سيكون كافياً لإطعام 870 مليون شخص يعانون من الجوع. وفي جميع أنحاء العالم، يتم إهدار ثلث جميع المحاصيل. مثل سكان جزر الفصح في الماضي، نحن في طريق الإبادة الذاتية.
علاوة على ذلك، يهدد تغير المناخ من صنع الإنسان بتفاقم المشاكل الحالية، مما سيؤثر سلباً على الإمدادات الغذائية والهجرة. ووفقا لتقرير نشر في ديسمبر الفائت، يتوقع مركز الإستراتيجية السياسية الأوروبية التابع للمفوضية الأوروبية أن الجفاف والفيضانات الأكثر تواترا سيؤديان إلى «إضعاف جميع العوامل الأخرى للهجرة»، مع نزوح ما يصل إلى مليار شخص حول العالم بحلول عام 2050.
ويحذر التقرير من أنه حتى أقل التقديرات لعدد المهاجرين المحتملين بسبب التغيرات المناخية - 25 مليون شخص - «سيضعف المستويات الحالية للاجئين الجدد والمشردين داخليا». وقد تم اتخاذ بعض الخطوات لمعالجة مشكلة فقدان الأغذية ونقصها. على سبيل المثال، اقترحت المفوضية الأوروبية هذا العام تخفيضات في الإعانات الزراعية، مما يساهم في زيادة الإنتاج. لكن هذا النهج - الذي صيغ في إطار «التطور»، بدلاً من «الثورة» المطلوبة - غير مناسب.
لطالما كانت السياسة الزراعية المشتركة للاتحاد الأوروبي تُعتبر إشكالية كبيرة. وقد أجازت هذه السياسة أموال الضرائب التي سيتم إنفاقها على زيادة الأغذية الفائضة، والتي تم تخزينها في وقت لاحق (بتكلفة) والتخلص منها في النهاية (بتكلفة إضافية). لقد عرف النظام تحسناً ملحوظاً إلى حد ما على مر السنين، ولكن هذا ليس كافياً. يعتبر مشروع المزارع في الولايات المتحدة - وهي الأداة الرئيسية للسياسات الزراعية والغذائية للحكومة الفيدرالية - مُسرفاً أيضا.
إن ما نحتاجه ليس مجرد تعديل قابل للتسامح سياسياً مع السياسات القائمة، وإنما إصلاح جذري وفرعي يؤكد على النتائج الحقيقية. لسوء الحظ، ليس من الواضح ما إذا كان هناك أي سياسيين قادرين على القيام بهذه المهمة، سواء في الولايات المتحدة المضطربة والمستقطبة أو في البرلمان الأوروبي غير الفعال. لقد حان الوقت لاعتماد نهج جديد.
هل سندرك ذلك فقط عندما تصبح أرضنا صحراء، وتنهار أنظمتنا الصحية تحت الضغط، ويواجه الأثرياء نقصاً في الغذاء، وتصبح المياه الصالحة للشرب نادرة، ويتم خرق شواطئنا الوطنية؟ بحلول ذلك الوقت، سيكون الأوان قد فات، وسيكون مصيرنا محتوماً.
يكمن أكبر تهديد لكوكبنا في الاعتقاد بأن شخصاً آخر سيقوم بإنقاذه. يجب على كل واحد منا أن يدرك خطورة وضعنا ويطالب باتخاذ إجراء حقيقي لتغييره. وهذا يعني أنت.

مغنٍ وكاتب أغاني إيرلندي ومؤلف وناشط سياسي