خطة تحرير العقول

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٨/يوليو/٢٠١٨ ٠٤:٢٤ ص
خطة تحرير العقول

فريد أحمد حسن

الآيات الكريمة التي تصف الموقف السالب للكافرين من الدعوة إلى الإيمان بالله سبحانه وتعالى والتي تأتيهم عبر الرسل تبين أنهم أغلقوا عقولهم بقرارهم المتمثل في عدم السماح لما قد يغير من الذي ورثوه عن آبائهم، فكانوا يقولون ما معناه أننا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون وأننا لن نتجرأ عليهم وعلى ما ورثناه منهم، فتجمدت عقولهم وتبين من ذلك أن الله سبحانه وتعالى يدعو إلى تحرير العقل وعدم الركون إلى الموروث إن كان سالبا ولا يعين على تطوير العقل وتطور الإنسان والمجتمع والحياة.

في هذا السياق يمكن الإشارة إلى البرنامج التلفزيوني الأسبوعي الذي يعده ويقدمه الدكتور عبد العزيز القطان عبر فضائية «الميادين» وعنوانه «حرر عقلك» والذي هو عبارة عن «مشروع نهضوي ينادي باستنهاض العقل العربي بكل أطيافه» كما جاء في التعريف به، فهو يدعو إلى «ربيع عقلي وإلى ثورة عقلية ضد الموروث وضد الجمود الفكري والتعصب المذهبي ويدعو الى الإسلام المحمدي» و «جاء خصوصاً بعد التخبطات الإعلامية من البرامج الترويجية لبعض المذاهب والتيارات والتوجهات والأعراق».

عنوان البرنامج بعيد عن صيغة الأمر فهو دعوة مصحوبة برجاء كي يعمد الإنسان العربي والمسلم - كونه المخاطب بالدرجة الأولى هنا - إلى التخلص من كل موروث سالب والنظر إلى الأمور بمنظور مختلف، قوامه المنطق والواقعية وعدم الأخذ بما تم تناقله من دون تمحيص، وغايته لم الشمل وتوحيد الصف والتحول من السلبي إلى الإيجابي، خدمة للمجتمعات والأوطان العربية والإسلامية وللارتقاء بها كي تتمكن من الإسهام في الفعل الحضاري الذي ظلت تسهم فيه وكانت دائما سببا في تغيير حياة الإنسان إلى الأفضل، وهو ما يشهد به التاريخ وتعترف به كل دول العالم.
وهناك بالطبع برامج عديدة في فضائيات مختلفة تصب في هذا الاتجاه ويدعو منتجوها إلى تحرير العقل العربي والمسلم من كل الذي علق به وجعله غير قابل حتى لمناقشة الجديد الذي يبدو من عنوانه وخطوطه الرئيسة أنه يحوي فوائد كثيرة يمكن أن تعود بالخير الوفير على الأمتين العربية والإسلامية.
تجميد العقل العربي والمسلم أدى إلى حصره في زاوية يصعب الخروج منها، وتحريره هو المفتاح الذي يمكن أن تتغير به حياة الإنسان العربي المسلم ويتغير واقع ومستقبل البلاد العربية والإسلامية. ولأن هذا لا يمكن أن يتحقق عبر برنامج تلفزيوني هنا وآخر هناك ولا بالدعوات المتناثرة والتي تبرز بين الحين والحين لذا صار مهما أن يتصدى للأمر رجال يرون ما قد لا يراه الآخرون ويعملون معا على تحرير العقل العربي المسلم وجعله يؤمن أولا برداءة حاله وأهمية الإفلات منه ثم جعله قادرا على تقبل ما يرون أنه يمكنه به التحول من سلبي إلى إيجابي.
في هذا السياق مهم جدا العمل على إيقاف الرسائل والتعليقات السالبة التي تدفع في اتجاه تعزيز فكرة أن العربي المسلم غير قابل للتطور وللإفلات من واقعه السالب، فهذه التعليقات وهذه الرسائل لا تحفز على العمل والانقضاض على الواقع الصعب كما قد يظن أصحابها ولكنها على العكس تقتل كل طموح وتجعل العربي المسلم يقتنع بأنه مهما فعل فإنه لا يستطيع اللحاق بالآخرين المتقدمين عليه وأنهم سيظلون متقدمين عليه وسيظل هو شاغلا للمقاعد الخلفية.
لا يوجد شعب في العالم غير قابل للتطور، ولا يوجد عقل غير قابل للتحرر، ولكن يوجد شعب لا يريد أن يتطور ويرفضه، ويوجد عقل لا يريد أن يتحرر ويعتقد أن ما هو فيه خير له وأن التحرر والتطور سيدخله في متاهات تفقده ما هو في يده اليوم.
هذه إشكالية مهمة ينبغي البحث فيها ودراستها من قبل كل ذوي العلاقة إذ لا مفر من تحرير العقل لو أردنا للأمة العربية والإسلامية أن تتطور، ولا مفر من العمل على تحرير العقل لو أردنا أن نخرج من الزاوية التي حشرنا أنفسنا فيها بسبب إغلاق الطرق المؤدية إلى عقولنا على مدى الزمن الفائت.
واقع العقل العربي المسلم اليوم يعينه للأسف على قبول كل قصة لا سند منطقي لها ولا يمكن أن تحدث في الواقع بل حتى في الخيال مثل القصص التي تنتشر بين الحين والحين ومنها أن في المكان الفلاني نبتت شجرة يخرج منها الدم أو أن صورا تظهر على جدار بيت رجل مبارك في ساعة معينة لا يراها إلا الصالحون من البشر، وغيرها من قصص يفترض أن يرفضها العقل العربي المسلم في عصر العقل والذكاء. ليس صحيحا القول بأن العقل العربي المسلم غير قابل للتحرر والتطور، وليس صحيحا أن الأمر يحتاج إلى زمن طويل كي يتمكن هذا العقل من التحرر وقبول المنطقي والتطور، فالصحيح هو أن العقل العربي المسلم لا يختلف أبدا عن العقل غير العربي وغير المسلم وأن الفارق يكمن في أن أولئك سمحوا للجديد ليعبرهم ويدخل عقولهم ويحولونه إلى أدوات أعانتهم على التطور والارتقاء بحياة الإنسان بينما لم نتخذ نحن العرب والمسلمين مثل هذا القرار الجريء وقيدنا أنفسنا بالموروث رغم أن الله سبحانه وتعالى دعانا إلى تغليب العقل وعدم رفض الجديد فقط لأننا وجدنا آباءنا على هذه الحال وأننا نخشى أن يصيبنا السوء لو أننا حررنا عقولنا وسمحنا لها بالتطور.

تحرير العقل العربي المسلم غاية مهمة لكنها لا تتحقق بالأماني ولا ببرامج تلفزيونية شحيحة تدعو إلى ذلك فالأمر يحتاج إلى أكثر من هذا.

كاتب بحريني