الاستدارة الأوروبية نحو اليمن

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٩/يوليو/٢٠١٨ ٠٤:٠٣ ص
الاستدارة الأوروبية نحو اليمن

علي ناجي الرعوي

عرف اليمن خلال الأيام الأخيرة حراكاً سياسياً شديد التسارع بعد دخول الدول الأوروبية بكل ثقلها على خط الأزمة اليمنية وتبنيها لموقف الأمم المتحدة ومبعوثها مارتن غريفيث، والذي يدفع بقوة حالياً نحو التسريع بإعادة أفرقاء النزاع إلى طاولة المفاوضات لحل خلافاتها عبر الحوار ولغة السياسة والتوجه قدما نحو تحقيق المصالحة الوطنية، وتجاوز حالة الاستقطاب الحادة التي كانت وما زالت تعصف بالبلاد على اعتبار أن خطوة كهذه كما تطرح الدبلوماسية الأوروبية من شأنها أن تشكل تحولاً مهماً نحو الفكاك من ورطة الحرب والخيارات العسكرية والاعتراف بأن السلاح أصبح غير مجد لحسم الصراع في هذا البلد.

هذا التحرك الأوروبي النشط وغير المسبوق في اتجاه وضع حد لما يعتمل على أرض اليمن من الاقتتال وحرب طاحنة وكارثة إنسانية هي الأسوأ في التاريخ المعاصر لا شك وأنه كان موضع تساؤل الكثير من المتابعين للشأن اليمني والإقليمي وخريطة التوازنات الجديدة في المنطقة أكان ذلك من حيث عدد الرحلات التي قام بها مسؤولون من الاتحاد الأوروبي ومبعوثون من السويد وهولندا وألمانيا الى كل من صنعاء وعدن أو من حيث المشاورات المكثفة التي أجراها سفراء بعض العواصم الأوروبية مع أفرقاء النزاع اليمنيين وقادة التجمعات التي غابت عن المفاوضات الفائتة او مع الأطراف الإقليمية المهتمة بالملف اليمني وذلك بهدف الوقوف على رؤيتها وتصوراتها لمشروع التسوية الذي يمكن أن تقبل به جميع الأطراف وبما يفسح المجال للتقدم نحو الحل خلال المباحثات القادمة التي يسعى مارتن غريفيث إلى تدشينها قريباً، ويأمل من خلالها أن تتمتع الأطراف المشاركة فيها بالمرونة اللازمة وأن تقدم تنازلات لبعضها البعض حتى يتسنى لها الاتفاق على حلول وسط لتسوية سياسية تضع مصلحة اليمن في الصدارة.

الثابت أن الغموض الذي رافق الاستدارة الأوروبية المباغتة والمفاجئة نحو اليمن والذي كانت مشاكله تقريباً خارج الاهتمامات الأوروبية بما في ذلك الحرب الراهنة المستعرة الآن على أرضه والتي كانت بمثابة الحرب المنسية بالنسبة للجانب الأوروبي كان من الطبيعي أن ترافقه أيضا العديد من التفسيرات والتكهنات التي قد يتعكز بعضها على نظرية المؤامرة، ويفترض أنه ما كان لأوروبا أن تلتفت إلى إيقاف الحرب باليمن لدوافع إنسانية بحتة سيما وأن معظم بلدانها قد أيدت هذه الحرب عند اشتعالها في مارس 2015، وجنت من ورائها الأموال الطائلة عبر صفقات السلاح أو عبر الخدمات اللوجستية التي ظلت تقدمها لبعض الأطراف المنخرطة في النزاع ومن وجهة النظر هذه فإن اندفاع أوروبا لوقف الحرب يعود بدرجة رئيسية إلى التقاطعات السياسية والاقتصادية التي برزت إلى السطح بين واشنطن وأوروبا في أعقاب الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني وهي التقاطعات التي تسببت بالمحصلة النهائية إلى خسارة الدول الأوروبية للكثير من مصالحها في ذلك البلد، وبالتالي فقد عمد الجانب الأوروبي للرد على ذلك من خلال استراتيجية جديدة حيال النزاعات الناشبة في المنطقة بتأكيد حضوره القوى في الأزمة اليمنية وربما في الأزمات الأخرى كمقدمة لفرض شراكة المجموعة الأوروبية في أي ترتيبات قد تشهدها المنطقة في المرحلة المقبلة.
وبصرف النظر عن صحة هذه الافتراضات او عدمها فإن هناك من يقرأ الاستدارة الأوروبية نحو اليمن من زاويتين إحداهما قد تكون مرتبطة بانفجار الصراع على مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي الذي يعد النافذة التي يمر منها 80% من المساعدات الإنسانية واحتياجات السكان من السلع الغذائية والمواد التجارية الأخرى خصوصاً، وأن العديد من الدول الأوروبية سبق وان حذرت من إنسانية كبرى قد تنتج عن اقتحام الحديدة عسكريا بل إن هذه الدول قد مارست الكثير من الضغوط في الآونة الأخيرة لمنع الإقدام على تلك الخطوة من منطلق أن البلاد لم تعد تحتمل المزيد من النكبات ومعاناة الجوع والتشرد والعنف.. أما الثانية فهي التي قد تكون غير بعيدة عن رغبة الدول الأوروبية في إنجاح مهمة المبعوث الأممي مارتن غريفيث والذي يحمل الجنسية البريطانية وتعزيز مساعيه الهادفة الى تحييد المسار الإنساني وإيجاد حل جزئي للصراع حول الحديدة في نطاق استحقاقات الحل الشامل ومتطلباته.
مهما بدت القضايا الخلافية في الملف اليمني متعددة ومستعصية فإن التحرك الأوروبي إذا ما صدقت فيه النوايا سيشكل رافعة مهمة لحلحلة عوامل الاستعصاء والتعجيل بالحل شرط أن يستمر هذا التحرك بصورته الجماعية وبما يجعل الأطراف المنخرطة في الصراع مضطرة للقبول بالتصور السياسي لهذه القوة الوازنة والتي يمكن لها أن تلعب دوراً مهماً في المخاض القائم في اليمن وجمع أوراق الملف لتسويته نهائيا عبر حل واضح يلتقي حوله الجميع.. ومن نافلة القول إن بوسع الجانب الأوروبي الاستفادة في هذا السياق من موقف المبعوث الأممي الذي ينطلق من قناعة تامة بعدم جدوى الحلول العسكرية للازمة اليمنية وأن الحل الوحيد للحرب هو المسار التفاوضي مع ذلك لابد من التحذير في الوقت نفسه من أن فشل هذا التحرك لن يؤدي إلى تقويض آفاق المفاوضات القادمة فحسب ولكنه قد يقود الصراع الى مرحلة جديدة اكثر تدميراً واكثر وحشية.
الانفتاح الأوروبي على الأزمة اليمنية يتجلى اليوم بصورة واضحة في الحماسة السويدية التي تقف على راس الاتحاد الأوروبي في التواصل مع المبعوث الأممي غريفيث ومع الأعضاء في مجلس الأمن حيث وهناك مؤشرات عدة على أن السويد التي ترأس مجلس الأمن حالياً تسعى إلى تحقق نجاحات في بعض الملفات المعرقلة أو الجامدة والتي لم يستطع مجلس الأمن حسمها طوال الفترة الفائتة وذلك ممكن إذا ما علمنا أن هذا البلد الأوروبي يعد من أكثر الأطراف قبولاً لدى أفرقاء النزاع في اليمن ولدية معرفة تاريخية بالمنطقة واليمن بالتحديد كما أن السويد بوسعها أن تكون الإداري الناجح لنقل وجهات النظر بين العواصم الإقليمية والدولية المهتمة بالشأن اليمني والشيء الأهم أن استضافة السويد للمفاوضات اليمنية القادمة سيوفر لها فرصة اكبر للعمل وفق اتجاهين الأول متابعة الأطراف اليمنية المتحاورة ومعها المبعوث الأممي والثاني تنسيق المواقف مع أعضاء مجلس الأمن لتجاوز أية عراقيل قد تؤدي الى فشل المفاوضات كما حصل في جولات المباحثات الفائتة في سويسرا والكويت.
بالتأكيد يمتلك الجانب الأوروبي فرصة كبيرة لإحداث اختراق في الصراع الفوضوي والمستعصي في اليمن ورسم مسار ناجح لسلام مستدام إذا ما كان الهدف الحقيقي للدبلوماسية الأوروبية هو إخراج هذا البلد من مستنقع العنف والاقتتال والوضع الإنساني الكارثي وليس شيء آخر.

كاتب يمني