شراكة أم منافسة؟!

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٣/يوليو/٢٠١٨ ٠٤:٠٩ ص
شراكة أم منافسة؟!

سمعان كرم

عندما تنعقد النية على إنشاء شركة تجارية جديدة تتوحد مصالح الشركاء في مصلحة الشركة، حتى عندما يتفق شاب مع رفيقة عمره لبناء عائلة جديدة تتوحد المشاعر والاهتمامات. نجاح تلك الشركة هو الذي يضمن حقوق أصحابها فيتعاون الجميع لإنجاح عملية اندماج المصالح في بوتقة واحدة، لكن في اللحظة التي يخطط فيها شريك للاستفادة على حساب طرف آخر تتزعزع الشركة وقد تنهار. وإذا كانت هذه المبادئ تنطبق على الشركات التجارية من جهة الإيمان بأن نجاح الشركة يؤمن نجاح الشركاء فكم بالأحرى إذا تكلمنا عن شراكة في الوطن. شراكة كتبت علينا وأحببناها وافتخرنا بها وورثناها من آباء وأجداد ضحوا الكثير من أجلها. نحن جميعاً في شراكة واحدة، قطاع عام وقطاع خاص وعمال وموظفين وطلاب وطالبات وقوات مسلحة ومدرسين وأطباء. وما التسميات هذه إلا لتوزيع الأدوار وتنظيمها للوصول إلى الهدف وليست لإيجاد منافسات تحل مكان الشراكة.

إذن، في الجوهر، لا فرق بين القطاع العام والقطاع الخاص أو بالأحرى المفترض أن يكون الوضع كذلك، إذ إن الأمة واحدة والوطن واحد. نقول ذلك لأننا نسمع بعض الأصداء عن ممارسات ومفاهيم لا تعكس الشراكة لا بل تعتمد المنافسة الضارة واستفادة طرفٍ على حساب طرف آخر في المعادلة. مما قد يؤدي كما ذكرنا آنفاً إلى زعزعة وانهيار الشركة.

المسؤولون يشتكون من غياب القطاع الخاص في الاستثمارات الاستراتيجية، لا يجدون فيه أو في من يمثله المُحاور والشريك الكفؤ، يلاحظون تردده وتشتته ويلومونه عن عدم تحمل مسؤولياته الوطنية خصوصاً بما يتعلق بتدريب وتوظيف القوى العاملة الوطنية. وقد يكون في هذا التوصيف واقعية مؤلمة. والعمال كذلك يشتكون بأنهم الحلقة الضعيفة بين أطراف الإنتاج وأنهم لا يجدون فرص عمل مجزية وأن الوافدين يستولون على المراكز العالية وأن المعاشات ضعيفة وأن بيئة العمل في القطاع الخاص غير جاذبة لهم. وهنا أيضاً قد يكون في هذا التوصيف واقعية جارحة. والقطاع الخاص بدوره يتذمر من البيروقراطية المفرطة ومن صعوبة الحصول على الأراضي لمشاريعهم والأذونات والتراخيص اللازمة لها وعدم توفر القوى العاملة الوطنية المؤهلة والتي تتماشى مع متطلبات السوق وصعوبة الحصول على تأشيرات العمل. وهنا أيضاً قد يوجد في هذا التوصيف الكثير من الواقعية والألم.
انطلاقاً من هذا الواقع، ومن أجل معالجته، على كل طرف أن يتذكر أننا شركاء في شركة واحدة، مصلحتها الكبرى هي مصلحة الوطن وأن يترك الأطراف كلهم المنافسة الضارة. وإذا شعر القطاع العام أن القطاع الخاص مشتت ومبعثر الطاقات عليه إعادة النظر في تمثيله الفعلي من غرفة التجارة والصناعة ومن الجمعيات المهنية المتخصصة ومن اللجان المشتركة وتقييم نظام الغرفة كي تجمع تحت رايتها ومظلتها جميع أطراف القطاع الخاص الذي يعجز لوحده أن يقوم بتلك العملية. وخاصة إعطاء الغرفة، بعد تقويتها، مساحة أكبر من الاستقلالية في تأدية رسالتها بدلاً من أن يَقضم دورها بحجة عجزها. وإن كانت الحكومة تشتكي من ضعف القطاع الخاص المالي وتردده بالمبادرة والريادة فلا يكون الجواب بأن يحل القطاع العام مكان القطاع الخاص بالمشاريع الاقتصادية والتجارية والعقارية مثل الفنادق وبعض المصانع والمنشآت والمستودعات والخدمات والبريد وغيرها. الحل يكمن في مراجعة الجدوى الاقتصادية معه ودعمه بتوفير الأراضي اللازمة وتمكينه مالياً من خلال البنوك المحلية أو بالاشتراك مع مستثمرين عرب وأجانب وكذلك ترك إدارة المشروع له إذ إنه من المعروف أن القطاع الخاص ينجز مشاريعه بسرعة أكبر وبتكلفة أقل نظراً لسعيه الدائم للربح بالمشروع.
أما إذا اشتكى القطاع الخاص من ضعف مخرجات التدريب فلا يستعجل ويوظف الوافد الأقل تكلفة بل عليه أن يساعد القوى العاملة الوطنية ويدربها ويهتم بها انطلاقاً من المصلحة الوطنية العليا التي منها تأتي كل المصالح. وعلى القطاع الخاص التوقف عن الحصول على تأشيرات لعمال يأتون إلى مؤسسات لا عمل لها سوى الاتجار بهؤلاء الأشخاص، فهؤلاء المساكين يعملون على مسؤوليتهم وينال كفيلهم مكافأة مالية شهرية. وعلى القطاع الخاص أيضاً أن يحسن بيئة العمل بمؤسساته وشركاته كي تجذب العمانيين للعمل في القطاع.
أما العامل فهو أيضاً إذا حاول أن يأخذ أجراً من أحد الطرفين العام والخاص دون أن يقوم بعمله على أكمل وجه من ناحية الكفاءة والإنتاج فيكون قد استفاد ليس من الشراكة الوطنية كما حددنا أهدافها، بل يكون قد استفاد من أحد أطراف الشراكة وهنا يكمن خطر الاستغلال والسعي للمصلحة الخاصة على حساب الشراكة المنشودة.
من هذا التحليل المبسط يتبين أن القاعدة التي يقوم عليها التفاهم المجتمعي لبناء الوطن القوي قبل كل شيء والتي بها تتحقق مصالح جميع الأطراف هي الأساس القوي والسليم، ولا تناقض إذن بين مصلحة الأفراد ومصلحة الشركات وسياسات الحكومة من جهة أخرى ضمن هذا المفهوم. قوة الوطن هي قوة المجتمع ومصدر استقراره وسعادته.
منذ سنوات قام وفد من جمعية المقاولين العمانية بزيارة إلى وزارة التجارة والصناعة لبحث أوضاع قطاع الإنشاءات. جلسنا في قاعة انتظار خاصة بزوار معاليه. لفتت نظري كلمات علقت على الجدران تقول: إن مهمة وهدف وزارة التجارة والصناعة هي إيجاد قطاع خاص قوي يلعب دوره الطبيعي في النمو الاقتصادي وتوظيف القوى العاملة الوطنية.
لنراجع إذن المبادئ والقيم التي انطلقنا منها منذ خمسين عاماً، وليتحمل كل مسؤوليته الوطنية كما في شراكة حقيقية بيننا بعيداً عن المنافسة الضارة.