باكستان تبحث عن الديمقراطية

الحدث الخميس ٢٦/يوليو/٢٠١٨ ٠٤:١١ ص
باكستان تبحث عن الديمقراطية

إسلام أباد - رويترز

يعدّ حافظ سعيد الباكستاني الجنسية من أبرز المطلوبين على قوائم الإرهاب في الولايات المتحدة، إذ إنه متهم بأنه العقل المدبر وراء هجمات مومباي التي راح ضحيتها 166 شخصاً عام 2008.

وفي الداخل تحظر السلطات جمعياته الخيرية، وكذلك الحزب السياسي الإسلامي الجديد الذي أطلقه أنصاره.

غير أن ذلك كله لم يمنعه من المشاركة في الدعاية الانتخابية في الانتخابات العامة التي جرت أمس والتنديد بالحكومة ووصف القائمين عليها بالخونة وحشد التأييد للمرشحين الذين يساندهم ويتجاوز عددهم 200 مرشح.
وبصوت هادر في مؤتمر جماهيري هذا الشهر بمدينة لاهور الشرقية هتف سعيد «ألاعيب خدم الأمريكيين ستنتهي»، بينما كان أنصاره ينثرون الزهور عليه.
وصوَّت الباكستانيون أمس في الانتخابات العامة التي تشهد تنافساً حاداً بين لاعب الكريكت الأسبق عمران خان وحزب رئيس الوزراء الأسبق المعتقل نواز شريف.

اتهامات متبادلة

غير أن مجموعة كبيرة من الجماعات المتشددة تخوض الانتخابات أيضاً ومن المحتمل أن تغير شكل المسرح السياسي في باكستان القوة النووية التي يبلغ عدد سكانها 208 ملايين نسمة، وتستخدم هذه الجماعات في دعايتها لغة خطابية مناهضة للغرب وتدعو لاعتماد تفسيرات أكثر تشدداً للشريعة.
ويبدو أن انتشار الأحزاب الدينية يحقق اقتراحاً تقدمت به المؤسسة العسكرية من أجل دفع الإسلاميين من الجماعات المسلحة وغيرهم من المتطرفين إلى دخول المعترك السياسي رغم نفي الأحزاب والجيش لوجود أي صلة في هذا الصدد. وحتى إذا فازت هذه الأحزاب كما هو متوقع بعدد قليل من المقاعد فإن الباكستانيين من ذوي الميول الليبرالية والعلمانية يقولون: إن عدد مرشحي الأحزاب الدينية في حد ذاته وخطابها المتشدد حرك بالفعل جدول الأعمال باتجاهها. ومع تعود الأحزاب الجديدة على اتهام خصومها بالكفر أو الخيانة، رددت الأحزاب السياسية الرئيسية خطابها في مهاجمة حزب الرابطة الإسلامية - جناح نواز. وقال ساروب إيجاز محامي منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية: «المحاولة الظاهرية لإدخال الجناح اليميني الديني (في الحياة السياسية) لا تجعل هذه الأحزاب تأخذ مواقف معتدلة نسبياً. بل إنها تضفي التشدد على التيار الرئيسي».

خطاب العنف

تدفع الأحزاب الدينية، وبعضها جديد والبعض الآخر له وجود راسخ، بأكثر من 1500 مرشح للمنافسة على مقاعد المجالس الوطنية والإقليمية، وذلك بالمقارنة مع بضع مئات في 2013.
ورغم أن الأحزاب الإسلامية موجودة على الدوام في باكستان فإن الأحزاب الجديدة اشتهرت بما يتردد عن روابط تربطها بالمتشددين وهجماتهم الخطابية على تدين ساسة التيار الرئيسي أو وطنيتهم.
وتشدد الأحزاب الرئيسية الثلاثة في باكستان على التمسك بالدين غير أن الأحزاب الدينية الجديدة تصورها، خاصة (حزب الرابطة الإسلامية - جناح نواز)، على أنها تقود باكستان في طريق أوحى به الغرب يبعد البلاد عن القيم الدينية.
ويخوض أحد هذه الأحزاب واسمه حزب (تحريك لبيك باكستان) الانتخابات تحت شعار «الموت للكفرة» وقد أشرك في قوائم المرشحين 566 مرشحاً.
ويندد مرشحوه بحزب الرابطة الإسلامية - جناح نواز ويصفونه بالكفر بسبب تعديل محدود على قانون الانتخابات في العام الفائت جرى التراجع عنه بسرعة بعد احتجاجات في مختلف أنحاء البلاد سقط فيها سبعة قتلى على الأقل.
وكان التعديل مرتبطاً بالقسم الذي يؤديه المرشحون، إذ غيّر الصياغة الدينية بعد أن كان ينص على أن الرسول محمد هو آخر الأنبياء.

جماعات محظورة

في حين إن حزب «تحريك لبيك» حزب مسجل قانونياً، فإن حركات أخرى دفعت بمرشحين وهي محظورة رسمياً في باكستان لكنها تحايلت على القيود القانونية. وقد رفضت لجنة الانتخابات هذا العام طلباً من جمعية خيرية تابعة لسعيد لتسجيل حزب سياسي، غير أن الجمعية سجلت فيما بعد مرشحين باسم حزب قائم هو (حزب الله أكبر تحريك) الذي تتصدر صور سعيد لافتات دعايته الانتخابية.
وسعيد متهم بأنه العقل المدبر لهجوم 2008 على العاصمة المالية في الهند، وخصصت الولايات المتحدة مكافأة قدرها عشرة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى إدانته في الهجمات التي سقط فيها عدد من الأمريكيين قتلى، وينفي سعيد أن له دوراً في تلك الهجمات.
كما دفع حزب آخر متطرف هو (حزب أهل السنة والجماعة) بعشرات المرشحين تحت اسم آخر رغم أنه ممنوع باعتباره الجناح السياسي لحركة عسكر جنجوي التي قتلت المئات من الباكستانيين أتباع أحد المذاهب الأخرى في باكستان، وينفي الحزب وجود صلة تربطه بالحركة.
وفي الشهر الفائت رفعت حكومة تصريف الأعمال اسم محمد أحمد اللدهيانوي زعيم حزب أهل السنة والجماعة من قوائم ترقب الإرهابيين في باكستان معززة بذلك ترشحه في الانتخابات.

تسجيل قانوني

وسئل ألطاف خان المتحدث باسم لجنة الانتخابات الباكستانية عن مرشحي الجماعات المحظورة، فقال: لم تسجل أية جماعة غير قانونية.
وقال خان: «إذا جرى تسجيل حزب سياسي ما لدينا وقد جاء من خلال العملية (القانونية) فما الخطأ في ذلك؟».
وأضاف أن اللجنة تحقق في شكاوى عن أحزاب محظورة تخوض الانتخابات تحت أسماء مختلفة. وامتنع متحدث باسم الجيش عن التعليق على الأحزاب الدينية. وينفي الجيش التدخل في السياسة.

فوز الإسلاميين

ويقول محللون: إن من المستبعد أن يفوز الإسلاميون بأكثر من نحو عشرة مقاعد في البرلمان حتى رغم زيادة عدد المرشحين، لكن هذا قد لا يكون هو المقصود، إذ تعتقد عائشة صديقي الكاتبة والمحللة الباكستانية وهي من قدامى المنتقدين للمؤسسة العسكرية أن الجيش -الذي سئم مقاومة حكومات مدنية لقبضته على السياسة الخارجية وعلى قطاعات كبيرة من الاقتصاد- يسعى لإضعاف الأحزاب الرئيسية. وقالت: «الجيش يريد تغيير الحوار الوطني وهندسته، فهم يريدون بناء وطنية جديدة، يريدون هوية جديدة وتلك هي الهوية الإسلامية».
وكانت لخان أفضلية طفيفة في استطلاعات الرأي على مستوى البلاد، لكن من المرجح أن يكون السباق حاسماً في إقليم البنجاب أكبر الأقاليم الباكستانية من حيث عدد السكان.
وقال طفيل عزيز (31 عاماً) بعد أن أدلى بصوته في مدينة بيشاور بشمال غرب البلاد: «عمران خان هو الأمل الوحيد لتغيير مصير بلدنا. نحن هنا لدعمه في حربه على الفساد».
ويصل عدد الناخبين المسجلة أسماؤهم إلى نحو 106 ملايين ناخب، وأياً كان الفائز، فإنه سيتصدى لملفات عاجلة بدءاً من الأزمة الاقتصادية إلى تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة بالإضافة إلى تفاقم أزمة المياه في أنحاء البلاد.
ووعد خان «بدولة إسلامية تنعم بالرخاء»، ووصف حملته بأنها معركة مع الفساد تسعى للإطاحة بنخبة سياسية ضارية تعرقل التنمية.
ويبلغ عدد سكان باكستان 208 ملايين نسمة أغلبهم مسلمون، وتتجاوز نسبة الأمية فيها 40 %.
وقال خان (65 عاما) بعد أن أدلى بصوته في العاصمة إسلام أباد: «هذه أهم انتخابات في تاريخ باكستان».
وأضاف «أقول لكل واحد اليوم: كن مواطناً، أحب هذا البلد، خاف عليه، استخدم صوتك».
وقال شهباز شريف شقيق نواز ورئيس حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية - جناح نواز شريف بعد أن أدلى بصوته في مدينة لاهور: «إذا واتتنا الفرصة فسنغير مصير باكستان... سنوفر الأعمال والوظائف وسنمحي الفقر وسننهض بالتعليم».