ورطة الحلفاء

الحدث الخميس ٠٩/أغسطس/٢٠١٨ ٠٣:٥٥ ص
ورطة الحلفاء

طهران - بكين - أنقرة - واشنطن - وكالات

تواجه الولايات المتحدة معارضة قوية من أقرب حلفائها مع دخول قانون العقوبات الأمريكية على إيران حيّز التنفيذ منذ يوم الثلاثاء الفائت؛ فقد أصرّ الاتحاد الأوروبي على التعامل التجاري مع إيران كما أن كلا من الصين وروسيا وتركيا أكدت أنها لن تمتثل للعقوبات باعتبارها «غير قانونية».

وتستهدف العقوبات، التي دخلت حيّز التنفيذ، مشتريات إيران من الدولار الأمريكي وتجارة المعادن والفحم والبرمجيات الصناعية وقطاع السيارات.
في طهران أكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إن خطة الولايات المتحدة لوقف صادرات النفط الإيرانية تماما لن تنجح.
وكان مسؤولون أمريكيون قالوا في الأسابيع الأخيرة إنهم يهدفون للضغط على الدول الأخرى للكف عن شراء النفط من إيران في محاولة لإجبارها على وقف برامجها النووية والصاروخية وتدخلها في الصراعات الإقليمية في سوريا والعراق.
وقال ظريف لصحيفة إيران «إذا أراد الأمريكيون الاحتفاظ بهذه الفكرة الساذجة والمستحيلة فعليهم أيضا أن يدركوا عواقبها. فلا يمكنهم التفكير في أن إيران لن تصدّر النفط وأن آخرين سيصدّرون».
ولمّح الرئيس الإيراني حسن روحاني الشهر الفائت إلى أن إيران قد تغلق مضيق هرمز، وهو ممرّ ملاحي رئيسي للنفط، إذا حاولت الولايات المتحدة وقف صادرات النفط الإيرانية.
وردّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالإشارة إلى أن إيران قد تواجه عواقب وخيمة إذا هددت الولايات المتحدة.
وقال ظريف: «أعدت أمريكا غرفة عمليات حرب ضد إيران».
وأضاف: «لا يمكن أن نستدرج لمواجهة مع أمريكا بالسقوط في فخ غرفة عمليات الحرب هذه واللعب على جبهة قتال».
وعرض ترامب الشهر الفائت لقاء زعماء إيرانيين. ورفضت إيران في اللحظة الأخيرة عرضا من إدارة ترامب بإجراء محادثات قائلة إنها لا يمكن أن تتفاوض بعد أن تراجعت واشنطن عن الاتفاق النووي الذي أبرم العام 2015 وينص على تخفيف العقوبات مقابل فرض قيود على البرنامج النووي الإيراني.
وقرّر ترامب هذا العام الانسحاب من الاتفاق متجاهلا مناشدات قوى عالمية أخرى شاركت في رعايته ومن بينها حلفاء واشنطن الأوروبيون بريطانيا وفرنسا وألمانيا بالإضافة إلى روسيا والصين. وانتقد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف تغريدة ترامب ووصفها بأنها مكررة وندد «بالنزعة الأحادية الأمريكية».
وقال ظريف على تويتر «وليست هذه هي المرة الأولى التي يزعم فيها داعية للحرب أنه يشنّ حربا من أجل ‭)‬السلام العالمي‭(‬».
وقال مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جون بولتون الاثنين الفائت إن فرصة إيران الوحيدة للنجاة من العقوبات هي قبول عرض ترامب بالتفاوض على اتفاق أكثر صرامة.
وأضاف لقناة فوكس نيوز الإخبارية «يستطيعون قبول عرض الرئيس للتفاوض معهم والتخلي عن برامجهم للصواريخ الباليستية والأسلحة النووية بشكل كامل يمكن التحقق منه فعليا».
وأضاف: «إذا كان آيات الله يريدون التحرر من الضغوط فعليهم القدوم والجلوس. الضغوط لن تهدأ مع استمرار المفاوضات».
وقال بولتون أمس إن العقوبات تحقق المرجو منها بالفعل، إذ ردعت الشركات الأوروبية عن التعامل مع إيران.
وأضاف: «الحكومات الأوروبية ما تزال متمسكة بالاتفاق النووي لكن بصراحة شركاتها تهرب منها بأسرع ما يمكن، لذلك فإن أثر العقوبات الأمريكية مستمر رغم ذلك (تمسكها بالاتفاق)».

بكين ترفض

وقالت وزارة الخارجية الصينية أمس الأربعاء إن روابط الصين التجارية مع إيران منفتحة وشفافة ومشروعة، وذلك بعدما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الشركات التي تجري معاملات مع إيران ستُمنع من التعامل التجاري مع الولايات المتحدة.
وقالت الخارجية الصينية في بيان أرسلته بالفاكس لرويترز ردا على أسئلة بشأن العقوبات الأمريكية الجديدة وتهديدات ترامب للشركات التي تجري أعمالا مع إيران، إن بكين تعارض دوما العقوبات أحادية الجانب و«سياسة الذراع الطويلة».
وأضافت: «التعاون التجاري الصيني مع إيران منفتح وشفاف ونزيه ومشروع ولا ينتهك أيا من قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة».
وتابعت: «يتعيّن احترام حقوق الصين المشروعة».
وتشتري الصين، وهي أكبر مستورد للنفط الإيراني، نحو 650 ألف برميل يوميا من طهران أي نحو سبعة بالمئة من إجمالي واردات الصين. وبأسعار السوق الراهنة تبلغ قيمة هذه الواردات 15 بليون دولار سنويا.
واستثمرت شركتا النفط الحكوميتان مؤسسة البترول الوطنية الصينية (سي.ان.بي.سي) وسينوبك بلايين الدولارات في حقول نفط إيرانية رئيسية مثل حقل يادافاران وحقل شمال أزاديجان وكانتا تنقلان النفط إلى الصين.

تركيا لن تلتزم

وقال وزير الطاقة التركي فاتح دونميز أمس الأربعاء إن تركيا ستواصل شراء الغاز الطبيعي من إيران تماشيا مع اتفاق توريد طويل الأمد.
وفي مقابلة بثتها قناة خبر، قال دونميز إن عقد التوريد طويل الأجل مع إيران ينص على كمية قدرها 9.5 بليون متر مكعب، ويسري حتى العام 2026.

إما نعم أو لا

وتعهّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس الأول الثلاثاء بمنع الشركات التي تجري معاملات مع إيران من التعامل التجاري مع الولايات المتحدة، مع بدء سريان العقوبات الأمريكية الجديدة على إيران رغم مناشدات حلفاء واشنطن.
ورفضت إيران في اللحظة الأخيرة عرضا من إدارة ترامب بإجراء محادثات قائلة إنها لا يمكن أن تتفاوض بعد أن تراجعت واشنطن عن الاتفاق النووي الذي أبرم العام 2015 وينص على تخفيف العقوبات مقابل فرض قيود على البرنامج النووي الإيراني.
ووعدت الدول الأوروبية بمحاولة التخفيف من تأثير العقوبات الأمريكية الجديدة من أجل إقناع إيران بمواصلة الالتزام ببنود الاتفاق. لكن اتضحت صعوبة هذا الأمر مع انسحاب الشركات الأوروبية من إيران قائلة إنه لا يمكنها المغامرة بخسارة معاملاتها مع الولايات المتحدة.

تعلق الخطط

ولدى عدد قليل من الشركات الأمريكية أعمال في إيران، لذلك فإن تأثير أي عقوبات يعتمد على قدرة واشنطن على منع الشركات الأوروبية والآسيوية من إقامة أعمال هناك.
ومن بين الشركات الأوروبية الكبيرة التي علّقت خططا طموحة للاستثمار في إيران استجابة للعقوبات التي فرضها ترامب شركة توتال النفطية الفرنسية وشركتا رينو و(بي.إس.إيه) الفرنسيتان لصناعة السيارات.
وقالت شركة دايملر الألمانية لصناعة السيارات والشاحنات «أوقفنا أنشطتنا المحدودة بالفعل في إيران تماشيا مع العقوبات السارية».

«انزع السكين»

تقر واشنطن بأن إيران التزمت بشروط اتفاق العام 2015 الذي وقّعت عليه إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما لكنها تقول إن الاتفاق معيب لأنه غير صارم بما فيه الكفاية. وتقول إيران إنها ستستمر في الالتزام بالاتفاق في الوقت الراهن إذا استطاعت الدول الأخرى حمايتها من التأثير الاقتصادي لقرار واشنطن الانسحاب من الاتفاق.
وارتفعت أسعار النفط أمس لمخاوف من أن تقلّص العقوبات الإمدادات العالمية، رغم أن أشد الإجراءات العقابية التي تستهدف صادرات إيران النفطية لن تسري قبل أربعة أشهر.
وارتفع سعر العقود الآجلة لمزيج برنت إلى 74.75 دولار للبرميل في الساعة (18:23 بتوقيت جرينتش).
ورفض الرئيس الإيراني حسن روجاني، في كلمة ألقاها قبل ساعات من بدء فرض العقوبات، إجراء أي مفاوضات طالما لم تعد واشنطن ملتزمة بالاتفاق النووي.
وقال روحاني في كلمة بثها التلفزيون على الهواء «إذا طعنت شخصا بسكين ثم قلت إنك تريد إجراء محادثات فعليك أولا أن تنزع السكين».
وأضـاف: «نفضّـل دائـمـا الدبـلـومـاسيـة والـمحـادثــات... لكـن المحادثــــات تـتـطلـب الصدق».

إثارة الفوضى

ورفض روحاني اقتراح إجراء محادثات باعتباره يهدف إلى إثارة الفوضى في إيران وإرباك الناخبين الأمريكيين في الداخل قبيل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس المقررة في نوفمبر. وقال إن واشنطن أصبحت معزولة دوليا وستندم على فرض العقوبات ومخالفة آراء حلفائها والقوى العالمية. وقال وزير المخابرات الإيراني محمود علوي إن انسحاب ترامب من الاتفاق يعني ألا جدوى من التفاوض في ظل ما أظهرته واشنطن من عدم التزامها بتعهداتها.
وأضاف: «واستنادا إلى خبرتها السابقة فإن إيران لا تثق في التفاوض مع الحكومة الأمريكية». والاتفاق النووي مرتبط على نحو وثيق بروحاني الرئيس المعتدل نسبيا الذي فاز باكتساح في الانتخابات مرتين على وعد بفتح اقتصاد البلاد على العالم الخارجي. وتخشى الدول الأوروبية أن قرار واشنطن الانسحاب من الاتفاق يجعلها تجازف بتقويض روحاني وتعزيز قبضة معارضيه المحافظين الذين يقولون منذ وقت طويل إن الغرب لن يسمح لإيران بالازدهار. وقالت بريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي في بيان مشترك أمس الأول الاثنين «نأسف بشدة على استئناف العقوبات الأمريكية». وارتفعت صادرات إيران النفطية منذ تخفيف العقوبات قبل عامين.

تراجع الريال

لكن لم يشعر أغلب الإيرانيين بتحسّن اقتصادي ملموس بعد، وقاد تلويح الولايات المتحدة بإعادة فرض العقوبات إلى تراجع في قيمة الريال الإيراني مما زاد من كلفة الواردات.
وخرجت مظاهرات في إيران هذا العام احتجاجا على ارتفاع الأسعار وتصدت قوات الأمن لها بحزم. وأعلنت إيران خطوات هذا الأسبوع لتسهيل الحصول على العملة الصعبة، في محاولة فيما يبدو لتجنّب مزيد من الاضطرابات، وقالت إنها تحاكم مسؤولا سابقا بالبنك المركزي في جرائم اقتصادية.
وقال سعيد لايلاز وهو محلل اقتصادي وسياسي يقيم في طهران «(العقوبات) ستصعّب بالتأكيد الحياة اليومية على الإيرانيين». وأضاف: «لكن إذا كانت الحكومة لديها خطة جادة فإن بإمكانها السيطرة على الموقف».

العراق سيحمي مصالحه

في غضون ذلك، ذكر العراق أنه لا يتفق مع العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران لكنه سيلتزم بها لحماية مصالحه. وقال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي: «من حيث المبدأ نحن ضد العقوبات في المنطقة. الحصار والعقوبات تدمّر المجتمعات ولا تضعف الأنظمة». وأضاف: «نعتبرها خطأ جوهريا واستراتيجيا وغير صحيحة لكن سنلتزم بها لحماية مصالح شعبنا. لا نتفاعل معها ولا نتعاطف معها لكن نلتزم بها».