إشكالية عقوبة الإعدام

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٤/أغسطس/٢٠١٨ ٠٣:٣٨ ص
إشكالية عقوبة الإعدام

ماري –جين نليا

إن منطقة جنوب الصحراء الإفريقية هي منطقة مليئة بالتحديات التنموية ولكن بوتسوانا تحتل موقعا متميزا وذلك بسبب اقتصادها القوي وديمقراطيتها المستقرة والتزامها بحكم القانون ولكن هناك مسألة – دعمها لعقوبة الإعدام – تعطي الانطباع بإن بوتسوانا ضيقة الأفق بشكل مخيف. لو أراد بلد ولادتي الاحتفاظ بسمعته كواحد من اكثر البلدان الإفريقية ليبرالية،سيتوجب علية مواجهة حبة للمشانق.
طبقا لمنظمة العفو الدولية فإن معظم الدول الإفريقية لم تعد تطبق عقوبة الإعدام واليوم هناك عشرة بلدان إفريقية فقط تسمح بعقوبة الإعدام وحفنة منها فقط تطبقها فعليا. إن بوتسوانا –وهي دولة غنية وغير ساحلية وتصدر الماس- هي من بين الاستثناءات المهمة فبعد فترة هدوء مؤقت في القتل سنة 2017، استأنفت بوتسوانا إعدام المجرمين المدانين حيث تم إعدام جوزيف تسيلايارونا (28 سنة) في فبراير بينما تم إعدام يابو بولوكو (37 سنه) في مايو.
إن النظام القانوني لبوتسوانا- وأساس عقوبة الإعدام –يستند إلى القانون العام الانجليزي والروماني-الهولندي وطبقا للنظام الجزائي في البلاد فإن العقوبة المفضلة لجرائم القتل هي الإعدام شنقاً وبينما يحمي الدستور حق المواطن في الحياة فإنه يستنثي إنهاء حياة شخص ما نتيجة "لتنفيذ عقوبة تفرضها المحكمة".
لكن علاقة البلاد مع عقوبة الإعدام تسبق تشريعاتها القانونية الحالية ففي الفترة التي سبقت الحقبة الاستعمارية فرض الزعماء القبليون –الذين يعرفون باسم كجوسي" عقوبة الإعدام على مرتكبي جرائم القتل والشعوذة وسفاح المحارم والتآمر وحتى يومنا هذا فإنه عادة ما يتم استحضار التاريخ للدفاع عن الوضع القائم وفي الحكم الذي أصدرته محكم الاستئناف في بوتسوانا سنة 2012 أشارت المحكمة إلى أن عقوبة الإعدام قد تم فرضها منذ الأزمان السحيقة وان الغاءها سينتهك الاعراف السائدة وحتى أن الحكومة بعد إعدام تسيلايارونا عملت تغريدة على تويتر ضمنتها صورة الرئيس آنذاك إيان كاما وتحتها الجملة التالية "عقوبة الإعدام تخدم مصالح الأمة بشكل جيد".
في واقع الأمر فإن عدد الإعدامات في بوتسوانا قليل مقارنة بالدول التي تقود العالم في هذا الخصوص علما انه من بين الإعدامات التي وصل عددها إلى 993 والمسجلة من قبل منظمة العفو الدولية العام الفائت فإن ما نسبته 84% منها تم تنفيذها من قبل أربع دول فقط وهي إيران والسعودية والعراق وباكستان. إن هذا الإجمالي لا يشمل الصين والتي تعتبر أكبر دولة من حيث تنفيذ الإعدامات وذلك نظراً لأن بيانات عقوبة الإعدام هناك مصنفة على أنها من أسرار الدولة وعلى النقيض من ذلك أعدمت بوتسوانا حوالي 50 شخصاً منذ استقلالها سنة 1966 ولكن وجود عقوبة الإعدام بحد ذاته يعتبر لطخة على جبين البلد حتى يتم الغاؤها.
طبقاً لمنظمة العفو الدولية هناك 142 بلداً قد ألغت عقوبة الإعدام وفي آخر مسح أجرته المنظمة عن عقوبة الإعدام، أشارت إلى أن منطقة جنوب الصحراء الإفريقية قد أصبحت "منارة للأمل" فيما يتعلق بالجهود الدولية للقضاء على هذه الممارسة وفي العام الفائت اتخذت كينيا خطوة إيجابية وذلك من خلال إنهاء فرض عقوبة الإعدام بشكل إجباري في جرائم القتل ولقد أصبحت غينيا البلد العشرين في المنطقة الذي يلغي عقوبة الإعدام بالنسبة لكافة الجرائم. إذن متى سوف تحذو بوتسوانا حذوها؟
لقد كانت بوتسوانا في طليعة الدول المدافعة عن حقوق الانسان في الماضي فعلى سبيل المثال بعد تهديد جنوب إفريقيا بالانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية في أكتوبر 2016 دافع قادة بوتسوانا عن المحكمة الجنائية الدولية وأعادوا التأكيد على التزامهم بالقانون الدولي وفي فبراير 2018 كان كاما هو الوحيد من بين القادة الأفارقة الذي كسر الصمت ودعا الى تخلي جوزيف كابيلا الرئيس السلطوي لجمهورية الكونغو الديمقراطية عن السلطة وفي الشهر نفسة انتقدت حكومة بوتسوانا مجلس الامن الدولي بسبب طريقة تعامله مع الأزمة في سوريا.
إن تبني موقف تقدمي بالنسبة لعقوبة الإعدام قد يبدو كخطوة طبيعية في تطور الأجندة الليبرالية لبوتسوانا ولكن الحكومة تمسكت بموقفها علما أن القوانين الدولية المتناقضة تعني أن بوتسوانا ليست تحت أي ضغط كبير لتغيير مسارها فبينما يحتوي الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والإعلان العالمي لحقوق الإنسان على إشارات في الواقع تتعلق بحظر عقوبة الإعدام، فإن الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية تعترف بسلطة الدولة في الإبقاء على هذه الممارسة. لقد تم تبني تعديل مساعد للاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية في سنة 1989 من أجل سد هذه الثغرة ولكن لم توقع بوتسوانا عليها.
إن الرأي العام يؤيد الإبقاء على الوضع القائم فطبقاً لمسح على الإنترنت أجرته الصحيفة الوطنية مميغي فإنه ما يزال هناك تأييد كبير لعقوبة الإعدام بين الناخبين وهذا يفسر لماذا لم تحظ هذه القضية باهتمام يذكر في البرلمان.
لكن وبكل بساطة لا توجد أي أدلة تدعم حجة السلطات بأن عقوبة الاعدام تخفض من معدلات الجريمة. إن إقناع العامة بذلك يتطلب قيادة لديها رؤية وبعد نظر ناهيك عن المزيد من التحديات القانونية التي قد تجبر المحاكم على تبني هذه القضية ومناقشتها.
إن أنصار إلغاء عقوبة الإعدام في بوتسوانا لا يحتاجوا للنظر بعيداً من أجل الإلهام فعندما أنهت المحكمة الدستورية في جنوب إفريقيا عقوبة الإعدام سنة 1995، جادل معارضو القرار بأن المحكمة غير متناغمة مع الرأي العام وحتى إن البعض طالب بإجراء استفتاء ولكن مشرعي دستور جنوب إفريقيا في مرحلة ما بعد الفصل العنصري "الابارتيد" والذي بدأ العمل فيه سنة 1997 تمسكوا بموقفهم وألغيت هذه الممارسة.
وكما كتبت المحكمة الجنوب إفريقية عند إبداء رأيها: "كل شخص بما في ذلك أفظع أنواع البشر لديهم الحق في الحياة. "يجب أن يكون هدف قادة بوتسوانا هو إقناع الناخبين –وربما أنفسهم أيضا- بتبني الطابع العالمي لذلك الشعور.

زميلة مساعدة في جمعية الكومنويلث الملكية ومؤسسة ذا جلوبال كومنيوكاي وهي مجلة رقمية إخبارية.