مثال العماني الشهم

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٥/أغسطس/٢٠١٨ ٠٢:٣٤ ص
مثال العماني الشهم

فريد أحمد حسن

وفاة شابين عمانيين بعد إنقاذهما فتاتين سعوديتين انزلقت أقدامهما في وادي دربات بـصلالة أثناء قيامهما بالتصوير بالوادي ليس أمراً غريباً ولا استثنائياً، في سلطنة عمان على وجه الخصوص، والأكيد أنه ليس الأول ولن يكون الأخير، فما فعله الشابان "طارق بن سالم الناصري وحميد بن سعيد الناصري" أمر طبيعي ومتوقع، فليس من شيمة أهل عمان عدم التصرف في مثل هذا المشهد والانتظار – كما يفعل الكثيرون اليوم – حتى "ينقشع الغبار" ويكتفون بتوثيق الحدث بكاميرات الهواتف المحمولة كما صار البعض الكثير يفعل اليوم.
ما حدث هو أن الشابين أسرعا لإنقاذ الفتاتين وتمكنا من ذلك قبل أن يغرقا في الوادي وتفشل محاولات إنقاذهما من قبل الآخرين، وما حدث هو أن الشابين عبرا عن أهل عمان بشكل عملي وضحيا بنفسيهما من أجل إنقاذ روحين، وما حدث هو أنهما أفلحا في إنقاذهما ولكنهما للأسف غرقا في الوادي ولم يتمكن الآخرون من إنقاذهما. بالتأكيد لم يموتا قبل يومهما، فالأعمار بيد الله سبحانه و"لكل أجل كتاب" ولكن بالتأكيد أيضا الحزن على فراقهما واجب، مثلما أن الإشادة بعملهما وشجاعتهما واجبة.
مثال عملي قدمه الشابان العمانيان اللذان يستحقان إطلاق صفة "بطل" عليهما وأن يحتسبا عند الله من الشهداء، فوفرا الدليل على إنسانيتهما أولا وأكدا الشهامة العمانية التي هي صفة أساس من صفات هذا الشعب وعنوانه منذ القدم بشهادة التاريخ. لم ينظرا إلى جنسية الفتاتين ولا إلى الآخرين لعلهم يقومون بالمهمة بدلا عنهما ولم يضيعا وقتهما في التساؤل عن الذي جعل الفتاتين تنزلان في الوادي وتتورطان، لكنهما اتخذا قرارهما في التو واللحظة وعملا على إنقاذهما ونجحا قبل أن تحدث المفاجأة ويغرقا.
للأسف لا يملك المرء إلا الترحم عليهما وتعظيم الأجر لذويهما ولأهل عمان كافة والإشادة بعملهما والتعبير عن الفخر والاعتزاز بهما، لكن بالتأكيد لا يمكن إغفال الدروس المستفادة من هذا الذي حدث والذي هو جزء من حوادث أخرى صارت تشهدها مدينة صلالة الجميلة كحوادث السيارات المميتة التي ضحاياها فيها في الغالب شباب محليون وخليجيون بسبب السرعة الفائقة ولعدم معرفتهم بطبيعة المنطقة وظروفها، ما يؤكد ضرورة قيام ضيوف صلالة والسلطنة إجمالا ببعض الجهد وصرف بعض الوقت في معرفة طبيعة وظروف الأماكن التي سيتم زيارتها والتي قد لا يدركون خطورتها (مهم هنا الإشارة إلى أن السواح الأجانب يعمدون عادة إلى البحث في كثير من الأمور ومعرفة أحوال البلاد التي يقررون زيارتها قبل أن يصلوها بل أنهم لا يخرجون من حيث يقيمون فيها بعد وصولهم إلا بعد أن يعرفوا حالة الطقس كي لا يفاجئوا ويتأثر برنامجهم ويتعرضوا للمشكلات) وإن كان من غير الممكن القول بأنهم ومن يقوم بهذا مثلهم من السواح الخليجيين والعرب لن يصيبهم شر، فلا مهرب من المقدر،والمكتوب على الجبين لازم تشوفه العين.
مؤلم أن يخسر شابان في مقتبل العمر حياتهما، ولكن مفرح فعلهما وتصرفهما ونيتهما الطيبة، ويبعث على الفخر كل الذي قاما به فكانا سببا في إنقاذ فتاتين وجدتا نفسيهما فجأة في مواجهة صعبة مع الموت ولم يجدا غير الصراخ وطلب النجدة.
ليس المقام لإلقاء اللوم على هذا الطرف أو ذاك ولكن مهم الاستفادة من الذي حدث بتدارس بعض الأفكار التي ربما ساعدت على التخفيف من وقوع مثل هذه الحوادث مستقبلا. منها على سبيل توفير أقراص مدمجة (سيديات) تحتوي إضافة إلى المعلومات الأساسية وصورا عن السياحة في السلطنة وفي صلالة على وجه الخصوص والأماكن التي يمكن أن يزورها السائح، تحتوي نصائح وتحذيرات من الوصول إلى بعض الأماكن. توفر مثل هذه الأقراص - التي يمكن توزيعها عبر منافذ بيع تذاكر السفر إلى السلطنة وعبر الكثير من الوسائل - من شأنه أن يجعل السواح العرب والخليجيين منهم على وجه الخصوص على معرفة بما يعينهم على تجنب الأماكن التي قد تكون خطرة أو غير آمنة لسبب أو لآخر. هذا الأمر الذي هو من مهام الجهات المعنية بالسياحة في السلطنة لا يعفي السياح أنفسهم من تحمل المسئولية، فبعض الحوادث يمكن أن تكون نتيجة مزحة خشنة أو تهور بحكم السن أو تحد بين الشباب على أمر معين، ولا يعني أنه بهذه الاستعدادات لن تحصل الحوادث لكنها بالتأكيد ستقل بل ستقل بشكل ملحوظ، حيث المعرفة بتفاصيل المكان وظروفه والالتزام بالأنظمة والقوانين والأخذ بالنصائح يساهم في تقليل نسبة تعرض السياح للأخطار.
مثل هذا الحادث وغيره من الحوادث الأليمة التي شهدتها صلالة وتشهدها مناطق سياحية أخرى في العديد من بلدان العالم ينبغي الاستفادة منها في تأسيس ثقافة لا يمتلكها حاليا إلا البعض من العرب حيث الغالبية وللأسف الشديد اعتادوا على السفر إلى كل مكان ولكن من دون بذل أي جهد في معرفة أحوال البلدان التي اختاروها، بل أن البعض يسافر من دون أن يعرف حتى أحوال الطقس في البلاد التي يقصدها، وليس في هذا مبالغة.

توفير مثل تلك الأقراص المدمجة وإرسال ما يكفي من معلومات عن البلاد التي اختارها السائح العربي عبر البريد الإلكتروني إليه من شأنه أن يسهم في تأسيس هذه الثقافة، وإلزام من قرر السفر نفسه بالقراءة عن البلاد التي ينوي السفر إليها ومعرفة كثير من الأمور التي تسهل عليه وتعينه على الاستمتاع بوقته وبالظفر بهامش كبير من الأمان صار ضرورة.

كاتب بحريني