تطور الإنسان مع الغذاء

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٥/أغسطس/٢٠١٨ ٠٢:٣٨ ص
تطور الإنسان مع الغذاء

جوناثان سيلفرتاون

لقد استوعبت الطبيعة الخطة الغذائية للجنس البشري على الرغم من أن بعض كتب الحمية الغذائية قد تختلف مع هذا الطرح وبينما كانت القرود العليا الأخرى مثل الغوريلا وإنسان الغاب نباتية (وإن كانت بعض أنواع الشامبنزي تأكل القرود)، فإن التطور قد جعل البشر نباتيين وغير نباتيين في آن واحد وترك معظم خيارات الطعام لنا. إذن متى ساهم التطور في جعل الإنسان قادر على أكل اللحم؟ أن هناك مصدرين – شجرة العائلة للجنس البشري وسجل المستحثات- يمكن ان يقدمان لنا بعض الأدلة فيما يتعلق بهذه المسألة.
إن فروع شجرة العائلة للجنس البشري تلتقي وهي في طريقها تجاه الجذر بحيث تكشف الأسلاف المشتركين وذلك عندما تجتمع الفروع. إن السلف المشترك للبشر والقرود (حسب نظرية داروين) عاش قبل حوالي خمسة ملايين سنة وبينما لا نعرف على وجه التأكيد ما هي الأشياء التي أكلها ذلك السلف على وجه التحديد، إلا أن الاستنتاج الأفضل هو أن تلك الأشياء كانت بشكل رئيسي نباتية. لو كان التاريخ الذي يرجع لخمسة ملايين سنة ماضية هو أقدم تاريخ كان يمكن للبشر فيه تبني نظام غذائي يتضمن اللحوم، إذن ما هو آخر تاريخ كان يمكن فيه أن يحصل ذلك التحول ؟
أن أحد الأجوبة على ذلك السؤال يمكن استخلاصه من بقايا الهيكل العظمي للوسي وهي مستحثة لأحد اسلاف البشر في مرحلة ما قبل البشرية، والتي تم اكتشافها سنة 1974. لقد كانت لوسي تنتمي لنوع يدعى اوسترالوبيثيكوس افارينيسيس حيث عاشت في شرق إفريقيا قبل 3-4 ملايين سنة ويعتقد أنها كانت السلف المباشر للجنس البشري هومو.
إن الدليل الأول على أن نوع لوسي قد اكل اللحوم ظهر سنة 2009 عندما كشف الباحثون الذين كانوا يحفرون في موقع في اثيوبيا مستحثتين لعظام حيوانية عمرهما 3.39 مليون عام وكانت تلك المستحثات تحمل علامات النصل الحجري مما يوحي بإنه قد تم ذبح تلك الحيوانات ولكن المتشككين تساءلوا عن عدم وجود أي نصل في الجوار.
لقد ظهر الدليل المفقود لاحقاً لذلك بخمس سنوات في موقع آخر في شرق إفريقيا حيث كان هناك مخلوق قبل 3.3 مليون سنة يصنع أدوات حجرية على شكل ازميل لأسباب يبدو أنها تتعلق بالذبح. إن التاريخ مبكر جداً ليجعلنا نعتقد أن ذلك المخلوق ينتمي إلى نوع هومو، إذن لا بد إنه كان من الأسلاف. إن الاحتمالية الأكثر ترجيحاً أنه ينتمي إلى نوع اوسترالوبيثيكوس افارينيسيس ولو لم تكن لوسي نباتية فإذن أحفادها –نحن- كانوا على الأرجح نباتيين وغير نباتيين في آن واحد وربما منح التطور البشر القدرة على أكل اللحوم، ولكنه أعطانا مساحة حرية كبيرة لأن نقرر الكمية أو إذا كنا نريد أكل اللحوم.
إن الإرث الأكثر مرونة المتعلق بالتطور هو علاقتنا مع الحليب فحليب الأمهات يمكن أن يكون الطعام الوحيد الذي تبرمج البشر بيولوجيا على استهلاكه وعلى الرغم من ذلك فإن ثلثي البالغين في العالم لا يستطيعوا شرب الحليب السائل وذلك لأنهم لا يستطيعون استهلاك اللاكتوز وهو سكر موجود بشكل حصري تقريباً في الحليب. إن تفسير عدم استطاعة هؤلاء استهلاك اللاكتوز هو أن الجين الذي يرمز لإنتاج انزيم لاكتوز والذي يمكن الأطفال من هضم اللاكتوز عادة ما ينتهي في أواخر مرحلة الطفولة.
إن هناك حلين لهذه المشكلة. الحل الأول هو حل اخترعه مزارعون في الأناضول قبل حوالي عشرة آلاف سنة خلت وهو السماح للبكتيريا باستهلاك اللاكتوز أي تحويل الحليب إلى مادة مخثرة وأجبان والبان ولهذا السبب يستطيع الشخص الذي لديه حساسية تجاة اللاكتوز أن يهضم وبسهولة منتجات الألبان تلك.
الحل الثاني هو حل جاء من خلال التطور فقبل 7 آلاف سنة ظهرت طفرة جينية عند المزارعين في وسط أوروبا منعت جين اللاكتوز من أن ينتهي في مرحلة الطفولة وعليه فإن الناس الذين يحملون هذه الطفرة الجينية قادرون على شرب الحليب السائل بشكل آمن طيلة حياتهم بدون التأثيرات الجانبية المزعجة التي يعاني منها الأفراد الذين لا يستطيعون تحمل استهلاك اللاكتوز.
إن هذه الطفرة منحت أفضلية كبيرة لأولئك الذين ورثوها علما أن حاملي تلك الطفرة تضاعفوا بين المزارعين وانتشروا في شمال أوروبا مما خلق واحدة من أسرع الأحداث التطورية انتشارا والتي شهدها البشر واليوم فإن حوالي 90% من الناس في شمال أوروبا ونسبة مماثلة في شمال أمريكا والذين جاء أسلافهم من أوروبا قادرون على تحمل استهلاك اللاكتوز وهناك طفرات أخرى ذات تأثير مماثل تطورت بشكل مستقل في أجزاء من إفريقيا وجنوب آسيا والشرق الأوسط.
إن النظام الغذائي البشري فريد من بين الكائنات الحية وذلك لأننا موجودون في كل مكان ونأكل ما هو في متناول اليد وفي واقع الأمر فإن البشر يستهلكون الآلاف من الأنواع الحيوانية وحوالي 7000 نوع نباتي ولكن بينما كل شيء نأكله لديه بعد تطوري فإن من النادر أن تكون هناك اي محظورات في هذا الخصوص – كما هو الحال في اللحم والحليب بطرق مختلفة وببساطة فإن الاختيار ربما يكون العامل الأكبر في تشكيل النظام الغذائي البشري. إن علم الأحياء يعطي إمكانات لأنواع الطعام التي نتناولها ولكن الثقافة هي التي تكتب قائمة الطعام.

أستاذ علم البيئة التطوري في جامعة أدنبرة ومؤلف كتاب "العشاء مع داروين: الطعام والشراب والتطور".