صـدمـة من حـلـيـف

الحدث الخميس ١٦/أغسطس/٢٠١٨ ٠٢:٠٤ ص
صـدمـة من حـلـيـف

إسطنبول - واشنطن - وكالات

تفاجأ الأتراك من الإجراءات التي اتّخذتها الولايات المتحدة الحليف القوي لتركيا لكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خذلهم هذه المرة ووقّع أمرا برفع الرسوم على بعض من صادراتهم مما هوى بالعملة التركية في مقابل الدولار.

ومع اشتداد التوتر بين الولايات المتحدة وتركيا، يحذّر محللون بأنه في حال إغلاق قاعدة إنجرليك، القاعدة الجوية الرئيسية للحلف الأطلسي في تركيا التي تشكّل مركزا لعمليات التحالف ضد تنظيم «داعش»، فإن أنقرة هي التي ستدفع الثمن غاليا.
ويرى القائد السابق لقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو)، جيمس ستافريديس أن الوضع مقلق وقال متحدثا لشبكة «إم إس إن بي سي» إن «خسارة تركيا ستكون خطأ جيوسياسيا هائلا»، وفقا لوكالة «فرانس برس».
وأضاف: «يجدر بنا أن نتمكن من وقف ذلك، لكن يعود لتركيا في المرحلة الراهنة القيام بالخطوة الأولى».
وقال محامي القس الأمريكي قيد الإقامة الجبرية في تركيا لرويترز أمس الأربعاء إن محكمة تركية رفضت التماسا من موكله لإطلاق سراحه ورفع حظر السفر المفروض عليه لكن محكمة أعلى درجة لم تصدر قرارها بعد بشأن الالتماس.
وتجري محاكمة القس الأمريكي أندرو برانسون في تركيا لاتهامات بالإرهاب. وتعد قضيته محور أزمة دبلوماسية بين واشنطن وأنقرة دفعت الليرة التركية للهبوط بشدة.
وقال البيت الأبيض إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب محبط لعدم إفراج تركيا عن القس الأمريكي أندرو برانسون، وذلك في وقت تصعّد فيه واشنطن الضغط على أنقرة لإطلاق سراح القس المحتجز منذ عامين.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، سارة ساندرز: «الرئيس لديه قدر كبير من الإحباط نظرا لأن القس برانسون لم يُطلق سراحه بالإضافة إلى عدم إطلاق سراح مواطنين أمريكيين آخرين وموظفين في منشآت دبلوماسية».
وذكر مسؤول بالبيت الأبيض أن الولايات المتحدة تحذّر تركيا من أن في جعبتها المزيد من الضغوط الاقتصادية إذا رفضت أنقرة إطلاق سراح برانسون.

صعود الليرة

وصعدت الليرة التركية ستة بالمئة إلى أقل من ستة ليرات مقابل الدولار أمس الأربعاء مدعومة بخطوة اتّخذتها الهيئة المعنية برقابة القطاع المصرفي بخصوص صفقات المبادلة وتوقعات بتحسّن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا بعدما أطلقت أنقرة سراح جنديين يونانيين محتجزين منذ مارس. وتلقت الليرة دعما من أنباء عن اجتماع مزمع عبر الهاتف يوم الخميس سيسعى خلاله وزير المالية التركي إلى طمأنة المستثمرين القلقين من نفوذ أردوجان على الاقتصاد ومقاومته لرفع أسعار الفائدة لمعالجة تضخم في خانة العشرات.

أدنى مستوى

وفقدت الليرة نحو 40 بالمئة من قيمتها منذ بداية العام الجاري وهوت إلى أدنى مستوى على الإطلاق عند 7.24 ليرة للدولار يوم الاثنين بفعل مخاوف من دعوات الرئيس رجب طيب أردوجان إلى خفض تكاليف الاقتراض وتدهور العلاقات مع الولايات المتحدة، وهي حليف رئيسي في حلف شمال الأطلسي.

الرد بالمثل

وذكرت الجريدة الرسمية أمس الأربعاء أن تركيا رفعت الرسوم الجمركية على واردات أمريكية منها سيارات الركوب والكحوليات والتبغ.
ورفع المرسوم، الذي وقّعه الرئيس رجب طيب أردوجان، الرسوم على سيارات الركوب إلى 120 في المئة وعلى المشروبات الكحولية إلى 140 في المئة وعلى التبغ إلى 60 في المئة.
وزادت الرسوم أيضا على سلع منها مساحيق التجميل والأرز والفحم.
فيما قال نائب الرئيس التركي إنه رد على الهجمات الأمريكية المتعمدة على الاقتصاد التركي. ويأتي ذلك التحرك وسط تصاعد التوتر بين الدولتين العضوين في حلف شمال الأطلسي بسبب سجن أنقرة قسا أمريكيا فضلا عن قضايا دبلوماسية أخرى.

مقاطعة

وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قال يوم الجمعة الفائت إنه سمح بزيادة الرسوم الجمركية على واردات الألمنيوم والصلب من تركيا. وقال نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي على حسابه على تويتر «رسوم الاستيراد زادت على بعض المنتجات، بموجب مبدأ المعاملة بالمثل، ردا على الهجمات المتعمدة من جانب الإدارة الأمريكية على اقتصادنا».
وقال أردوجان إن تركيا ستقاطع المنتجات الإلكترونية الأمريكية مع تصاعد الخلاف. وذلك ردا على خلاف مع واشنطن ساعد على انخفاض الليرة إلى مستويات قياسية.

نحن مستهدفون

ويقول أردوجان إن تركيا مستهدفة بحرب اقتصادية ووجّه دعوات إلى الأتراك مرارا لبيع ما لديهم من دولارات ويورو من أجل دعم العملة المحلية.
وقال أردوجان لأعضاء حزبه -العدالة والتنمية- «معا وبالتعاون مع شعبنا سنواجه الدولار وأسعار العملات الأجنبية والتضخم وأسعار الفائدة. سنحمي استقلال اقتصادنا بالترابط والتماسك».
وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على وزيرين تركيين بسبب محاكمة القس الأمريكي أندرو برانسون بتهم تتعلّق بالإرهاب في تركيا. ورفعت واشنطن الأسبوع الفائت الرسوم الجمركية على واردات معادن من تركيا.
وذكرت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية هيذر ناورت أن المصاعب الاقتصادية التركية لم تنجم عن العقوبات الأمريكية.
وأضافت: «خبراء الاقتصاد سيبلغونكم قطعا أن ما يحدث في تركيا بعيد كل البعد عن السياسات التي تتبعها الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة».

بيع الدولار واليورو

ولم يتضح ما إذا كانت دعوة أردوجان للأتراك إلى بيع الدولار ستجد آذانا صاغية، لكن وكالة أنباء تركية قالت إن التجّار في حي إمينونو التاريخي بإسطنبول حوّلوا 100 ألف دولار إلى الليرة أمس.
وقالت وكالة أنباء ديمرورين إن أشخاصا رفعوا لافتة كتبوا عليها عبارة «سنفوز بالحرب الاقتصادية» ورددوا هتاف «اللعنة على أمريكا». ووسط دعوات ببيع الدولار، قالت الوكالة إن هؤلاء الأشخاص توجهوا إلى أحد المصارف وحوّلوا ما لديهم من دولارات إلى العملة التركية.
وذكر أردوجان أيضا أن تركيا ستقاطع المنتجات الإلكترونية الأمريكية. وقال: «إذا كان لديهم آيفون فهناك سامسونج ولدينا فيستل هنا» في إشارة إلى شركة إلكترونيات تركية ارتفعت أسهمها خمسة بالمئة.

حوافز

وأضاف الرئيس التركي أن حكومته ستقدّم مزيدا من الحوافز للشركات التي تخطط للاستثمار في تركيا، مشيرا إلى أن حالة عدم اليقين الاقتصادي ينبغي ألا تدفع الشركات إلى إرجاء خططها الاستثمارية.
وقال: «إذا أجّلنا استثماراتنا وإذا حوّلنا عملتنا إلى عملات أجنبية لأن هناك خطرا، فسنكون ساعتها قد استسلمنا للعدو».

أنقرة ستعاني

وعبّر مدير مركز الدراسات حول الشرق الأوسط جوشوا لانديس عن رأي مماثل مؤكدا أن «تركيا هي التي ستعاني الأكثر» جراء الأزمة مع واشنطن.
وقال لوكالة «فرانس برس»: «أعتقد بقوة أن إنجرليك (القاعدة العسكرية) ستبقى (...) إن طرد الولايات المتحدة سيشكّل انتكاسة كبرى لتركيا، ولا أظن أن أردوجان يريد ذلك».
وشيّدت الولايات المتحدة قاعدة إنجرليك جنوبي تركيا العام 1951، في أشد حقبة من الحرب الباردة. وهي تستخدم قاعدة خلفية للعمليات الأمريكية في المنطقة وتُخزن فيها خمسون رأسا نووية من ضمن قوة الحلف الأطلسي الرادعة، تضمن منذ عقود أمن تركيا.
ومنذ اعتداءات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، تؤمّن القاعدة القسم الأكبر من المساعدة اللوجستية لعمليات الحلف الأطلسي في أفغانستان، كما تلعب دورا كبيرا منذ 2015 في عمليات التحالف الدولي في العراق وسوريا.

الحد منها

لكن في وقت يزداد الوضع اضطرابا في تركيا، يدعو بعض الخبراء إلى الحد من اعتماد القوات الجوية الأمريكية على هذه القاعدة.
وقال ستيفن كوك من مجلس العلاقات الخارجية، مؤخرا «لست أقول إن علينا قطع علاقاتنا مع تركيا، لكن (...) العنصر الذي يميل الأتراك إلى التلويح به أكثر من سواه، الوصول إلى قاعدة إنجرليك، يفقد من أهميته أكثر وأكثر».
ونشر مركز «بايبارتيزان بوليسي سنتر» للأبحاث الذي يشجّع على التسويات بين الجمهوريين والديمقراطيين، على موقعه خريطة للمنطقة أدرج عليها كل الحلول البديلة الممكنة عن قاعدة إنجرليك للعمليات الأمريكية في الشرق الأوسط، ولا سيما قواعد جوية في الأردن والكويت.
كما أن الأزمة مع الولايات المتحدة قد تكلّف تركيا غاليا على صعيد البرامج العسكرية.

حظر إف 35

وحظر الكونجرس الأمريكي على البنتاجون تسليم تركيا أي طائرة مقاتلة من طراز «إف 35» طالما أن أنقرة لم تتعهد بعدم المضي قدما في محادثاتها مع روسيا من أجل شراء منظومة صواريخ «اس-400» التي يفترض ألا تتمكن من رصد طائرة «إف 35».
كما أن أنقرة الشريكة منذ 2002 في الكونسورتيوم الدولي الذي موّل طائرة «إف 35»، قد تخسر عقدا مربحا بقيمة 1.5 بليون دولار مع باكستان لبيعها 30 مروحية هجومية تركية الصنع من طراز «تي 129 أتاك».
وذكرت نشرة «ديفنس نيوز» المتخصصة في القطاع الدفاعي، نقلا عن مسؤولين عسكريين أتراك أن الطائرة تتضمن قطعا مصنوعة في الولايات المتحدة، وواشنطن قد تقرر منع تصديرها إلى تركيا في حال تدهورت العلاقات أكثر بين البلدين.