ربيب أتاتورك..

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٦/أغسطس/٢٠١٨ ٠٣:٤٠ ص
ربيب أتاتورك..

لميس ضيف

هل سيركع؟
لم تكن الأنياب الأمريكية يوما أكثر حدة مما هي عليه اليوم، ولم يكن جشعها أكثر شخوصا، فهي تبتلع خصومها، بل وحلفاءها، بنهم. ولا تخجل من تفتيت دول أو تجويع شعوب.
تذكـّر صراعات الرئيس الأمريكي الحالي بالحروب البدائية التي تُحسم أما بإبادة العدو أو..باستسلامه. وسلب ما تطاله يد المنتصر من غنائم على كل حال.
ألمانيا تحدت العنجهية الأمريكية ثم تراجعت خطوة. الصين التي تبدو عصية على الكسر قدمت تنازلات موجعة. حتى كوريا الشمالية، ورئيسها العنيد كيم يونج، رضخت. ونسفت أحلامها النووية. وابتسمت ومدت يدها للدولة التي كانت تهددها بـ "يوم قيامة مبكر" قبل أشهر معدودة.
تركيا اليوم هي الخصم الجديد الذي تنوي الولايات المتحدة إخضاعه أو كسره. وهناك طبعا الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تحتنك لها الولايات المتحدة بكل طريقة ولكنها تتروى في الحرب معها خشية على إسرائيل المدللة التي تحاصرها إيران بطريقتها الخاصة.
وعلى الأجندة أيضا كندا، والمكسيك التي يصر ترامب على تشييد جدار حدودي معها ويشترط أن تدفع هي -المكسيك نعني- كلفة هذا الجدار في تنمر لم تشهد الدبلوماسية العالمية مثيلا له من قبل!!
تركيا تواجه أمريكا الآن وقد أخذتها العزة. ويبدو أن أشباح السلاطين العثمانيين تحركها. فقد أبت الاعتراف بالمسرحية الهزلية التي أخرجوها والتي جعلت القدس عاصمة لإسرائيل خلافا للإجماع العالمي. كما ورفضت تسليم القس الأمريكي الذي تتهمه تركيا بالجاسوسية واعتبرت الأوامر الأمريكية تدخلا سافرا في شؤونها الداخلية. ولو كانت أمريكا وجدت جاسوسا لتركيا أو غيرها لما أرسلته لبلده إلا في نعش!
وما يجري في تركيا اليوم مثال حي على الحرب الاقتصادية التي لا يسفك فيها دم. فما حدث لليرة التركية، وما حدث قبلها للتومان الإيراني. كفيل بتأليب الشعب على قيادته. وتجريد الدولة من قوتها.
كم ستصمد تركيا؟ وهل ستدعمها الأنظمة العربية والإسلامية؟
إن تعاطف الشعوب العربية مفروغ منه، فموقفها الراسخ من القضية الفلسطينية، وأبوابها التي فتحت للاجئين السوريين الذين أقفلت في وجوههم كل الأسوار موقفان يحسبان لها اليوم وفي العصور القادمة.
لكن الشعوب -كعادتها- عاجزة عن فعل شيء فالدفة في يد القيادات وبعضهم حلفاء لتركيا -نعم- ولكن.. لا شك أن حلفاء تركيا – وحتى الأثرياء منهم – سيخافون دعمها. لأن المتنمر الذي يجلس في البيت الأبيض لن يسامحهم وإن كان – هو- يقفز على كل الحواجز من أجل عشيقته، وسيدته، إسرائيل المدللة.
أتمنى أن تهادن تركيا مؤقتا، بأسف وحسرة أقولها، لكن البراغماتية مطلوبة عندما يتعلق الأمر بمواجهة ثور هائج لا يهمه ما سيحطمه.
الدول الأكثر قوة من تركيا، والتي لا تملك خصوما في الداخل والخارج مثلها، أتقت مواجهة ترامب – ربما – إيمانا بأنه كفيل بتحطيم نفسه بنفسه يوما ما. أو ربما يفعل ذلك الشعب الأمريكي الذي يتذمر من تعامله غير الإنساني في الداخل والخارج. فهم في النهاية من اختاروه وهم قادرون على تخليص العالم من عنجهيته.