أزمة اليمن المتعمقة

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٦/أغسطس/٢٠١٨ ٠١:٥٧ ص
أزمة اليمن المتعمقة

علي ناجي الرعوي

عكف بعض السياسيين اليمنيين في لقاء رعته الخارجية البريطانية أوائل الشهر الجاري بضاحية ويلتون بارك بلندن على تشخيص الأسباب والدوافع الكامنة وراء اشتعال الحرب الدائرة في بلادهم للسنة الرابعة وما رافق هذه الحرب من أحداث وتحولات وانزياحات على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي في اليمن.. ومما لا غبار عليه أن تلك الشخصيات السياسية المحسوبة على ما يطلق عليه بـ (التيار الثالث) أو التكنوقراط قد نجحت في نقاشاتها ومداولاتها التي جرت بحضور المبعوث الأممي الى اليمن مارتن غريفيث على تشخيص الداء لكنها فشلت فشلاً ذريعاً في وصف الدواء للأزمة التي تفتك بواقع هذا البلد الذي حولته سنوات الحرب إلى مجرد خيمة عزاء كبرى تنوح بحرقة والم دون أن يلتفت لصراخها أحد في هذا العالم.
لم يكن المشهد في ويلتون بارك يدل فقط على حالة الحيرة والارتباك التي تسيطر على النخبة السياسية اليمنية بل إنه الذي كشف أيضا عن أن هذه النخبة إما أسيرة لأمواج المد والجزر التي تضرب الداخل اليمني أو مرتهنة لأطراف الصراع في الإقليم والذين جعلوا من الساحة اليمنية ساحة لمعاركهم وهو ما أفقد تلك النخب قدرتها على القيام بأي دور أو أن تصبح الحامل المجتمعي الذي يضغط على أطراف الحرب الداخلية والخارجية لوقف الكارثة التي مزقت اليمن ودمرت عشرات القرى والأحياء وآلاف المنازل والمدارس والمصانع والمؤسسات وقتلت الآلاف من الأبرياء وشردت الملايين من اليمنيين وجعلت من هذا البلد هو الاسوأ على وجه الأرض.
احسن المبعوث الأممي مارتن غريفيث حينما أكد في أول حديث إعلامي له في أعقاب لقاء ويلتون بارك على أن الأحوال الإنسانية الصعبة التي يكابدها الناس في اليمن تحتم أخلاقيا على النخب السياسية الارتفاع فوق نزواتها ورغباتها الذاتية وميولاتها الحزبية حتى تتمكن من أن تكون صوتا للسلام كما أن ذلك يقتضي من أفرقاء الصراع في ذات الوقت تجاوز عنادهم ومصالحهم الشخصية وتركيز اهتمامهم على كيفية الخروج من خزان العنف بدلا من الانشغال بهزيمة الآخر حيث وان مثل هذا الخطاب ربما يكون مفيدا للتذكير بأن الازمة المتمادية والمتعمقة في اليمن تتطلب حلولا منبثقة عن اليمنيين انفسهم على اعتبار انهم وحدهم من بوسعهم صياغة محددات السلام وفقا لمشيئتهم ومصالحهم وتطلعاتهم المشتركة ليمن امن ومستقر.
في ظل التمايز الذي يبديه البريطاني مارتن غريفيث عن سلفيه فإنه يطمح إلى جمع المتقاتلين في السادس من سبتمبر المقبل في جلسات مشاورات تعقد بجنيف بهدف الاتفاق على الإطار العام للتفاوض وإجراءات بناء الثقة وخطط الدفع بعملية السلام والتسوية السياسية التي تفضي إلى الاتفاق الشامل إلا أن المثير للقلق في هذه المقاربة أنها التي تحمل في طياتها خطر تكرار تجربة الجلسات التشاورية السابقة التي دعا إليها سلفه إسماعيل ولد الشيخ احمد والتي بدأ ماراثونها في الأراضي السويسرية المحاطة بجبال الألب الخضراء قبل أن تنتقل إلى جلسات تفاوضية في الكويت وتستقر هناك لأكثر من 100 يوم لنتفاجأ بعدئذ بان المتقاتلين الذين سخرت لهم الكويت القصور والفنادق والمواكب الأميرية الفخمة وكل مظاهر (البريستيج) وجميع العوامل المساعدة لإدراك رهان السلام الذي يضع فيه كل طرف أرصدته قد عادوا وبعد تلك المفاوضات الطويلة إلى جبهات القتال بحماس واندفاع اكبر من ذي قبل.
الإشكالية الجوهرية في خطة غريفيث تتمثل في اعتمادها التسلسل المرحلي للمهام السياسية والتي يتعين إنجازها للوصول إلى السلام وهو هنا إنما يكرر تقريبا ما سبق لسلفه أن أخفق فيه وذلك عبر دعوته الى مشاورات تليها مفاوضات دون الأخذ بعين الاعتبار أن فشل المشاورات المقترحة في جنيف إنما هو الذي قد يؤدي إلى خيبة أمل ومشاعر غاضبة وحانقة على الجميع خصوصا وأن الإنسان العادي لم يعد يلتفت إلى تعقيدات الموقف ولا يهتم كثيرا بالبحث عن الأسباب التي أوصلت الأمور الى ماهي عليه الآن فتلك القضايا لا تشكل له شيئا حين يتضور جوعا وتنقطع عنه كل الخدمات الاساسية للسنة الرابعة على التوالي، كما انه وبفعل المعاناة والآلام التي ترهقه يوم بعد يوم لم يعد يطيل البحث عن المتسبب في كل ما يحصل له عوضا عن انه أصبح في وضع لا يسمح له بالاجتهاد لمعرفة ملابسات الصراع الذي يتصاعد في بلاده لذا فهو الذي يوجه اليوم جام غضبه إلى كل من يتصورهم مسؤولين عن مأساته وبالتأكيد فإن الأمم المتحدة ومبعوثها الحالي ليس بعيدين عن هؤلاء.
لابد أن الكثيرين مقتنعون بأن الحروب أيا كانت أهدافها تنتهي عادة بحوار على طاولة تجتمع حولها أطراف النزاع وهذا ما ستنتهي إليه الحرب في اليمن لكن متى سيكون ذلك؟ فذلك هو السؤال الذي لا زال دون إجابة وبحكم ما يكتنف الحالة اليمنية من تشابكات وتعقيدات فإن الحديث عن مشاورات مرتقبة في جنيف قبل قراءة مواقف المتصارعين المحليين وكذا المتدخلين الإقليميين إنما يمثل نوعاً من الغباء السياسي سيما إذا ما علمنا أن مواقف هذه الأطراف من تلك المشاورات ما زالت متناقضة ولكل طرف من تلك الأطراف شروطه التي تتصادم مع شروط الطرف الآخر مما يعني أن أطراف النزاع قد وضعت سلفا العديد من المطبات أمام نجاح هذه المشاورات التي سيكون فشلها ضربة قاصمة لأي جهد أو مساع تبذل على المدى المنظور لإعادة القوى المتصارعة الى طاولة المفاوضات بل إن ذلك قد يطيل أمد الحرب لأربع سنوات قادمة.
لعلل الأمر الأكثر تعقيدا ليس في موافقة الأطراف اليمنية على الذهاب إلى جنيف ولكن في انعدام الثقة بين هذه الأطراف وقد أثبتت التجارب الفائتة أن التفاوض أو التشاور في ظل انعدام هذه الثقة ليس مجدياً وقد ينتهي إلى تواصل أكثر اشتعال الحرب ولذا فقد كان من الأفضل للمبعوث الأممي أن يبعث أولا ما يكفي من رسائل بناء الثقة بين أطراف الداخل والخارج خصوصاً وأن جميعنا يعلم أن أمر تحديد متى وكيف يتم وقف الحرب في اليمن هو مرتبط ارتباطاً كلياً بمستقبل الصراع الذي يعصف بالمنطقة وأن استمرار وقف هذه الحرب مرهوناً باستمرار ووقف الصراع الإقليمي أو توصل أطرافه إلى تفاهمات تدفع بالأزمة اليمنية نحو الحل.

كاتب يمني