محمد العاصمي يكتب: النموذج العماني

الجماهير السبت ١٨/أغسطس/٢٠١٨ ٢١:٣١ م
محمد العاصمي يكتب: النموذج العماني

يقول باولو كويلو في إحدى رواياته "لا يغرق المرء لأنه سقط في النهر، بل لبقائه مغمورا تحت سطح الماء". هذه المقولة تقرّبنا كثيراً من واقع كرة القدم العمانية أو الرياضة العمانية بشكل عام؛ فنحن نقوم بإعادة التجارب التي سبق وأن قمنا بها ونكررها أملاً في الحصول على شيء جديد رغم أننا نقوم بنفس العمل بشكل متطابق مع الخبرة السابقة وكأننا نحاول إنتاج خبرة ناجحة بالطريقة ذاتها التي نتجت عنها خبرة سلبية.
العديد من الدول أدركت وإن كان متأخراً أن استنساخ تجارب الآخرين يتطلب وجود العديد من العوامل المساعدة والظروف المتوفرة لتحقيق نفس النجاح وهذا الأمر مستحيل فعلياً لأن الظروف المتطابقة أمر غير وارد وصعب الحدوث ولا يمكن ضبطه بدقة متكاملة للعديد من الأسباب ربما أهمهما الكوادر البشرية والموارد المالية وغيرها من المتغيّرات التي يصعب السيطرة عليها بشكل كامل، لذلك أدركت هذه الدول أن الاستنساخ يكلّف الكثير من المال والجهد والوقت وقد يعود بنتائج ضعيفة واتجهت إلى صناعة نموذج خاص بها. فالأوروجواي على سبيل المثال لا تملك دوريا مميّزا ولكنها حاصلة على لقبين لكأس العالم و15 لقبا لكوبا أمريكا وحالياً تعدّ من أفضل دول العالم الكروية حسب تصنيف الفيفا حيث تحتل المركز الخامس في آخر تصنيف والحال ينطبق على سويسرا والدنمارك وبلجيكا والأخيرة تحتل وصافة التصنيف العالمي.
وعندما نتتبع هذه الدول وطريقة عملها الرياضي نجدها قد أنتجت نموذجاً خاصاً بها يتناسب مع إمكانياتها أولاً وظروفها ثانياً وقد حددت أهدافها على هذين البُعدين المهمين ولم تقُم باستنساخ تجربة واحدة محددة واتّبعتها بل دمجت مجموعة من النماذج وصهرتها في قالب واحد متوافق مع أهدافها وهذا هو سر نجاحها وتميّزها، وإذا انتقلنا لجانب آخر من الكرة الأرضية وبالتحديد النموذج الأمريكي لكرة السلة والرجبي والبيسبول نشاهد أن سبب سيطرة أمريكا على هذه الألعاب هو النموذج الخاص المتفرّد الذي انتهجته في صناعة هذه السيطرة والحال ينطبق على هولندا والهند وباكستان في لعبة الهوكي والعديد من النماذج التي لا مجال لذكرها هنا.
وعودة للتجربة العمانية وبالتحديد دوري المراحل السنية نجدنا عاجزين عن إيجاد حلول لهذه المرحلة العمرية المهمة من حياة الرياضي حيث يتم تشكيله وصقل مهارته واكتشاف مميّزاته وتوجيهه للرياضة المناسبة. إننا ما نزال نعتمد على الأندية في القيام بهذا الدور رغم إدراكنا لصعوبة هذا الأمر خصوصاً أننا في مجتمع يولي التعليم الدرجة الأولى من الاهتمام وهذا أمر طبيعي في ظل عدم وجود احتراف رياضي وعدم قدرة قطاع الرياضة على توفير متطلبات الفرد من وظيفة وغيرها ولذلك نجد كثيرا من أولياء الأمور يتحفظون على ترك أبنائهم فترات طويلة في الأندية خصوصاً أيام الدراسة. وبين متطلبات هذه المرحلة وأهميتها في صناعة الرياضي المميّز وبين ظروفنا وإمكانياتنا أصبحت حلولنا لا تؤتي نتائج لأنها لا تعالج المشكلة بشكل جذري ولكنها تلجأ إلى حلول وسطية تعطي نتائج محدودة.
اتحاد كرة القدم وفي سبيل محاولته تطوير دوري المراحل السنية إيماناً منه بأهمية هذه المرحلة قدّم العديد من الحلول والمقترحات ولكن الإشكاليات ظلت نفسها لأن الحلول لم تخرج عن المألوف ولم تكن سوى محاولات للتغلب على مشكلات معيّنة دون دراسة جميع الظروف والمعطيات ودون أن يكون لدينا مشروع متكامل أو نموذج عماني خاص. هذا الأمر بالذات يحتاج إلى دراسة متعمقة من قبل المتخصصين في المجال الرياضي والشأن العماني للوصول لهذا النموذج الذي يتناسب مع واقعنا ويتلاءم مع ظروفنا وإمكانياتنا.
الظروف مواتية جداً لإيجاد هذا النموذج فالاتحاد الرياضي المدرسي قد يكون هو الحل لاحتواء دوري المراحل لكل الفئات والألعاب وأرى أن الفكرة واضحة جداً وممكنة التطبيق إذا ما تمت دراستها والتعمّق في تحليلها وهذه الفكرة قد تكون قريبة من النموذجين الأمريكي والياباني اللذين يعتمدان على المدارس والجامعات في صناعة المواهب الرياضية وإقامة مسابقاتها مراعيَين خصائص المجتمع وحاجاته وظروفه وأصبحت هذه المدارس والجامعات حاضنات متمكنة ممتلكة لجميع ما يحتاجه هذا المشروع ومهيّأة بشكل متكامل للقيام بهذا الدور.
علينا أن نفكّر خارج الصندوق بشكل أكثر عمقاً فنحن وجدنا في ظروف معيّنة وبإمكانيات محددة ولا يمكن أن نقفز على واقعنا فقط علينا أن نكيّف هذه الظروف ونسخّرها بشكل مثالي للحصول على نتائج ونحقق أهدافنا. هذه الفكرة جديرة بمناقشتها في مؤتمر الرياضة السنوي الذي يُقام كل عام وجديرة بأن تدرّس من جميع النواحي من قِبل الجهات ذات العلاقة وإنني على يقين أنها ستكون الانطلاقة الحقيقية للرياضة العمانية بشرط أن نعطي الأمر لأصحاب الاختصاص، وكوننا وقعنا في النهر فهذا لا يعني أنه يجب علينا الاستسلام والغرق بل يجب أن نوجد الحلول؛ فالسقوط في النهر لا يسبب الغرق وإنما الوقوف مكتوفي الأيدي هو من يغرقنا.