أم القطط

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٢/سبتمبر/٢٠١٨ ٠٤:٠٩ ص
أم القطط

لميس ضيف

عندما سألوا نيلي، وهي فنانة رقيقة لا يعرفها إلا جيل الطيبين من مثلي وأمثالي، إن كانت تفتقد الأمومة فأجابتهم «أنها لا تناسبني، فمجرد بكاء طفل أو إصابته بشيء عابر مثل نزلة برد قد تودي بقلبي.. أنا أضعف من أن أكون أما».

فالأمومة والأبوة التي يراها البعض شيئا طبيعيا تلقائيا مفروغا منه هي تحد كبير لمن يعرف ثقل مسؤولياتها وأعبائها. للأسف نسمع بين الفينة والأخرى عن وفاة طفل اختناقا في سيارة، نسيه والديه لساعات في هذا الحر المتوحش. أو اختطاف طفل ليلا كان يلعب في الأرجاء دون راع أو رقيب. أو غرق طفل في حمام سباحة وأهله على بعد خطوات منه.. وكلها أمور مريعة لا شك أنها تجلد الوالدين لاحقا حتى الإدماء. ويسلخ تأنيب الضمير السعادة من أيامهم. لكن كل هذا لا ينفي مسؤوليتهم عن ما جرى. فالارتخاء والتهاون في حماية الأبناء له ثمن.. وثمن غال جدا..
في الطرقات ما زلنا نرى أطفالا يلعبون الكرة على رصيف الإهمال. معرضين في كل لحظة لطيش سيارة عابرة. أو غفلة سائق يخطف أرواحهم. وتحت شمس الظهيرة ترى أطفالا يمشون لا تدري من أين أو إلى أين. ولكنك تعرف أنهم معرضون لضربة الشمس في أية لحظة. بل وترى سائقا يجوب الأنحاء بطفلة أو طفل وتكاد تسمع وشوشة الشيطان في أذنيه في غياب الأبوين عن فضاء طفل في سنواته الأولى.
كانت جدتي تقول، إن القطة تُنجب أيضا، في إشارة إلى أن الإنجاب بحد ذاته ليس منجزا يتباهى به المرء. وكان تلك ردة فعلها عندما يسألها الناس بعجب عن حقيقة أنها لم تنجب سوى ثلاثة أبناء في زمن كانت الناس فيه تتبارى في الإنجاب. ربما كانت جدتي تخفف بتعليقها ذاك ما يُعد خيبة أمل مكنونة. ولكن ما قالته صحيح إلى أبعد حد. القطط تنجب والفئران والأسود والطيور. التناسل ليس هدفا بحد ذاته بل إعمار الأرض. وإعمار الأرض يتطلب جيلا قويا ذكيا متعلما وهو ما يحصل عليه المرء إن رعى نشأه بالطريقة السليمة.
إن لم يكن المرء يستشعر قدرته على رعاية أطفال، فمن الأفضل أن لا ينجبهم. ولا نتحدث هنا عن الرعاية المادية فالرعاية الشخصية وتوفير الأمان والحنان أهم بمراحل من توفير الكماليات التي قد تُدمر ولا تُعمر. فبعض الآباء بشكل خاص يغرق نفسه في العمل لإرضاء نرجسيته وطموحاته ويعلق الأمر على شماعة أنه يفعل كل ذلك «لتأمين مستقبل أبنائه». متجاهلا أن قيمة الساعات التي يقضيها معهم، وتأثيرها النفسي على سيكولوجيتهم. أهم بكثير من المال في المرحلة الأولى من الحياة. وتتلمس أحيانا طيفا من المشكلات النفسية عند أبناء نُشّئوا «مدللين» ظاهريا ومحرومين واقعيا من ظل الأب واهتمام الأم.
الأبناء نعمة، ومسؤولية، وأخذها بخفة جريمة.. أكبر من أن تعوض بعقوبة دنيوية.