اليمن..عودة إلى نقطة الصفر!

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٣/سبتمبر/٢٠١٨ ٠٣:٤٢ ص
اليمن..عودة إلى نقطة الصفر!

علي ناجي الرعوي

أدرك أن مشاورات (جنيف3) والتي كان من المقرر انعقادها في السادس من سبتمبر الجاري في العاصمة السويسرية بين طرفي الحرب في اليمن كانت مرشحة في الغالب للفشل أكثر منه للنجاح لأسباب عدة أهمها أن أي تقارب أو تباعد بين طرفي هذه الحرب مرتبط بمواقف الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة في الصراع أكان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر.. وبالنظر إلى مواقف هذه الأطراف التي تتقاذف الملف اليمني فليس هناك ما يوحي من أن تغييرات قد حدثت في هذه المواقف بما يجعل من تلك الأطراف حريصة على نجاح المشاورات وعودة المتصارعين إلى طاولة الحوار بعد عامين على آخر مفاوضات عقدت في الكويت.. وبفعل هذه القناعة فإني وقطاع واسع من اليمنيين لم نتفاجأ بفشل (جنيف 3) قبل أن تبدأ وأن تعود العملية السياسية إلى نقطة التوقف التي وقفت عندها مفاوضات بييل وجنيف العام 2015 وكذا المفاوضات التي استضافتها الكويت العام 2016 لان البدايات كانت تدل على النهايات سلفا.

كان يمكن للتبريرات التي نشرها المبعوث الأممي إلى اليمن مارتغريفيث على حسابه الشخصي في موقع (تويتر) أو تلك التي أوردها في إحاطته أمام مجلس الأمن الثلاثاء الفائت عن الأسباب التي كانت وراء فشل المشاورات ان تمر مرور الكرام لولا أنها ترافقت مع حالة من الإحباط العام سادت الأجواء في اليمن في اعقاب الإعلان عن ذلك الفشل وبفعل هذا العامل وغيره فقد بدت تلك التبريرات غير مقنعة للكثيرين الذين عمدوا الى تحميل الأمم المتحدة ومبعوثها مسؤولية فشل انعقاد مشاورات جنيف التي كانت تهدف الى توظيف الجانب الإنساني لتطويق المشكلة السياسية والضغط من خلال ذلك الجانب للوصول الى الحل قبل أن تتبلور في الأفق ملامح ذلك الحل أو التسوية السياسية التي يجري التسويق لها كمدخل للسلام في اليمن.

لقد فشل المبعوث الأممي الجديد مارتن غريفيث في أول محطة له بعد أن عجز عن توفير الوسائل والآليات الآمنة للمشاورات التي كانت ستحتضنها جنيف الأسبوع الفائت وفي ذات الوقت فقد اخفق غريفيث في تبرير ذلك الفشل فهو لم يلق باللائمة على أي طرف عن فشل تلك المشاورات بل اكتفى بالقول: إلى أنه سوف يعود إلى اليمن في غضون أيام في محاولة لإيجاد موعد جديد ما يشير إلى أن الرجل قد دعا الى المشاورات الأخيرة وهو الذي لم يكن ممسكا بأية ضمانات حقيقية أو يمتلك آليات عمل واضحة تقود الأطراف الى طاولة التشاور والتفاوض وفق أسس متكاملة جرى التوافق عليها مسبقا..وسواء فشل غريفيث أو تم إفشاله لا فرق فالنتيجة واحدة فقد تعثر في مهمته الأولى ولابد أن هناك من سيستثمر هذه النقطة في تصعيد المعارك في كل الجبهات وإقناع المجتمع الدولي بأن الصراع في اليمن لن ينتهي إلا بالحسم العسكري وخيار القوة.
بصرف النظر عن الجهة أو الطرف الذي كان وراء تعثر عقد مشاورات جنيف 3 وتشابك المصالح وتعارضها وتأثيرها على مسار صناعة السلام في اليمن فإن كل الأطراف المشاركة في الحرب برهنت على أنها تمارس الابتزاز لبعضها البعض على حساب الدماء التي تنزف من الشعب اليمني وأن كل هذه الأطراف المحلية منها والإقليمية والتي تظهر تتغنى بشعارات السلام إنما هي في الحقيقة يسعى كل منها إلى تفصيل ذلك السلام على مقاس مصالحه وبما يتناسب مع أهدافه وأجنداته فقط لتغدو جميع تلك الأطراف تمارس ابشع أنواع الابتزاز وأشكال التجويع ومظاهر الفوضى لفرض السيطرة الكاملة على الأراضي اليمنية الأمر الذي لم يعد معه ممكنا إنكار حالات الاشتباك وعض الأصابع الجارية بين أطراف إقليمية ودولية على رقعة الأزمة اليمنية وهو ما قد يدفع أخيرا مارتن غريفيث إلى الانسحاب ولمّ أوراقه إذا ما شعر أنه وصل إلى طريق مسدود وأنه ليس مسموحاً له أن يحقق أي اختراق في ظل عدم وجود إرادة دولية حقيقية لمعالجة الصراع في اليمن بصورة واقعية ومعقولة.
لا نذيع سراً إذا قلنا أن محنة سنوات الحرب التي عاشها اليمنيون في مختلف المناطق قد أضعفت النزعة الوطنية لدى أوساط واسعة منهم فكلما تصاعدت الحرب تصاعد التطرف والايغال في تدمير الوحدة الوطنية، وتمزيق النسيج المجتمعي فقد خرجت قوى جديدة من رحم الحرب لا صلة لها بمفهوم الحوار أو بمنطق السياسة بل إن هذه القوى ترى في دوام الحرب مجدها، واستمرار العنف فرصتها في الصعود وبالتالي فهي من تبدو أكثر حماسا لإطالة أمد الصراع شأنها في ذلك شأن بعض القوى الإقليمية والدولية التي تمعن في إضعاف الداخل وإنهاكه حتى يتسنى لها التحكم بهذا الداخل وتحويله إلى أداة يتم تحريكها بما يخدم مصالحها ونفوذها في اليمن.
ولكي يتجاوز المبعوث الأممي مارتن غريفيث تبعات فشل جنيف 3 فإن عليه هندسة خطة جديدة تستوعب كل الأطراف وتحتويهم وتمكنه من إعادتهم الى طاولة المفاوضات من جديد خصوصاً وأنه وبعد سبعة أشهر من تعيينه في هذه المهمة قد قام بجولات متعددة التقى فيها بالأطراف المتحاربة والقوى الإقليمية المشاركة في الحرب، وتكونت لديه فكرة كاملة عن تعقيدات المعضلة اليمنية والأسباب الجوهرية التي تقف عائقاً أمام إنجاح جهود السلام فمتى ما تم حل مسببات المشاكل والعلل التي تعترض طريق الحل اصبح من السهل إقناع أطراف الصراع بالتنازل لبعضها البعض والاتفاق على سقف الحل السياسي وطبيعته والوصول الى الحلول والمعالجات الناجعة لكل الأزمات اليمنية قبل أن يتحول هذا البلد إلى دولة فاشلة ومصدر لعدم الاستقرار في المنطقة وإذا أهدرت هذه الفرصة ليس واضحاً متى يمكن أن تلوح في الأفق اليمني فرصة مماثلة أخرى.

كاتب يمني