غارات ترامب على اللاجئين

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٣/سبتمبر/٢٠١٨ ٠٣:٤٢ ص
غارات ترامب على اللاجئين

جوردون براون

كان في القرار الذي اتخذته إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) تسييس صارخ للمساعدات الإنسانية، كما يهدد القرار بإضافة المزيد من الوقود إلى واحد من أكثر الصراعات قابلية للاشتعال في العالَم، ويعرض للخطر مستقبل نصف مليون طفل وشاب فلسطيني. كانت وكالة الأونروا، التي أنشئت في الأصل لتقديم المساعدات الأساسية للاجئين النازحين أثناء إنشاء دولة إسرائيل، توفر خدمات الرعاية الصحية، وتشغيل العمال، والطعام والمأوى في حالات الطوارئ للفلسطينيين النازحين، منذ العام 1949.

واليوم، يتلقى ما يقرب من مليوني لاجئي المساعدات الغذائية والنقدية من المنظمة في حالات الطوارئ، وفي كل عام يستخدم الملايين من اللاجئين 143 عيادة صحية تديرها الأونروا. لكن غالبية ميزانية الأونروا تذهب لتعليم الأطفال والشباب، ونصفهم في لبنان وسوريا والأردن، وبقيتهم في غزة والضفة الغربية. تدير الأونروا ما يقرب من 700 مدرسة، وتخدم عددا من الطلاب أكبر من أي منظمة أخرى تابعة للأمم المتحدة. ويتلقى نحو 75% من سكان قطاع غزة شكلا ما من أشكال المساعدات التي تقدمها الأونروا، ويلتحق 60% من أطفال غزة من الصف الأول إلى الصف التاسع بمدارس الأونروا.

ولكن في غياب المعونة من الولايات المتحدة، سوف تتضاءل بشدة قدرة الأونروا على تسليم خدمتها الأعظم قيمة.
ويتناقض هذا بشكل مباشر مع الالتزام الذي تعهد به قادة العالَم، كجزء من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة والتي تسعى إلى ضمان التحاق كل طفل بالمدرسة بحلول عام 2030. رغم أن الأونروا تحصل على المساعدات من أكثر من 100 جهة مانحة، فإن ربع ميزانيتها الإجمالية تقريبا ــ ما يقرب من 400 مليون دولار سنويا ــ كانت تأتي في السابق من الولايات المتحدة.

والواقع أن الولايات المتحدة كانت على مدى سبعين عاما تقريبا الجهة المانحة الأكثر سخاء وجدارة بالثقة للأونروا، حيث أدركت الإدارات الجمهورية والديمقراطية على حد سواء قيمة المنظمة.

والآن، تتعرض الجهات المانحة الأخرى ــ التي تساهم أكبر عشر منها بنحو 80% من إجمالي ميزانية الهيئة ــ للضغوط لسد فجوة التمويل. وقد بدأت بعض الجهات المانحة تزيد من مساهماتها بالفعل.
في ألمانيا، وهي ثالث أكبر جهة مانحة للأونروا، أعلن وزير الخارجية هيكو ماس مؤخرا أن الحكومة «تستعد حاليا لتوفير مبلغ إضافي من الأموال المهمة» للمنظمة.
على نحو مماثل، أضافت المملكة المتحدة للتو 7 ملايين جنيه إسترليني (9 ملايين دولار أمريكي)، لكي يصل إجمالي مساهماتها للعام الحالي إلى 45.5 مليون دولار.
ومؤخرا، تعهدت السويد بتقديم مبلغ 206 مليون دولار من الأموال غير المخصصة لأغراض بعينها على مدار السنوات الأربع المقبلة. كما قدم الاتحاد الأوروبي، ثاني أكبر جهة مانحة للأونروا، دفعة مقدمة من تمويل هذا العام، متعهدا بمواصلة مساهماته في عامي 2019 و2020.
ووافقت جهات مانحة أخرى ــ مثل الدنمرك، وفنلندا، ولوكسمبورج، وهولندا، ونيوزيلندا، والنرويج، وروسيا، وسويسرا ــ على تسليم تمويلها مقدما.

وهذه أخبار طيبة، لكننا في احتياج إلى بذل المزيد من الجهد للتعويض عن خسارة الدعم الأمريكي المنتظرة في وقت حيث تعاني الميزانيات بالفعل من الإجهاد بسبب الاحتياجات الإنسانية السريعة التزايد اللازمة لنحو 60 مليون نازح آخر في العالَم، بما في ذلك أكثر من 20 مليون لاجئ (وهو رقم غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية).

على نحو مماثل، يتعين على صندوق «التعليم لا يمكن أن ينتظر»، الذي أنشئ في العام 2016 لمساعدة الأطفال والشباب المتضررين بفِعل الحروب وحالات الطوارئ، أن ينظر الآن في 40 حالة طوارئ وأزمة مطولة منفصلة. حتى الآن، كانت المنظمة، بقيادة ياسمين شريف، تفتقر إلى التمويل الضروري للمساعدة في سد فجوة التمويل الضخمة.
إلى جانب الحد بشكل كبير من قدرة الأونروا على تسليم الخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين، سوف يهدد نقص الموارد أيضا الاستقرار الهش في الضفة الغربية، وغزة، وسوريا، ولبنان، والأردن.
على حد تعبير ماس فإن «خسارة هذه المنظمة كفيلة بإطلاق العنان لسلسلة لا يمكن السيطرة عليها من ردود الأفعال».

فسوف يُدفَع بالأطفال من الفصول الدراسية التابعة للأونروا إلى الشوارع، حيث يصبحون أكثر عُرضة لسيناريوهات بالغة الخطورة مثل جهود التجنيد التي يقوم بها الإرهابيون، الذين لن يترددوا في استغلال الفرصة للادعاء بأننا إذا لم نستطع الوفاء بوعود المساعدة، فإن هذا يؤكد أن التعايش السلمي مع الغرب أمر مستحيل. وسوف ترتفع معدلات زواج الأطفال، وعمالة الأطفال، والإتجار بالأطفال. وسوف يضيع جيل من الأطفال والشباب، في منطقة أصبحت أقل استقرارا من أي وقت مضى.

عرضت إدارة ترامب عددا من التبريرات الخيالية غير المقنعة لقرارها. على سبيل المثال، تزعم الإدارة أن دولا أخرى كان ينبغي لها أن تدفع المزيد لفترة طويلة.
ولكن حتى لو كان ذلك صحيحا، فإنه لا يبرر الإلغاء المفاجئ لكل أشكال الدعم.
كما تؤكد الإدارة أن الأونروا تضخم عدد اللاجئين الفلسطينيين، الذين لا يستحقون جميعهم «حق العودة» (نقطة الخلاف الرئيسية في مفاوضات السلام مع إسرائيل)، وأن المنظمة لم تعد نافعة أو مجدية. ولكن مرة أخرى، هذه الحجة غير مقنعة.
من المؤكد أن الأونروا كانت لمدة طويلة محل انتقاد من قِبَل بعض المراقبين لتمريرها وضع اللاجئين عبر الأجيال منذ العام 1948. والآن تدرس إدارة ترامب اقتراحا يقضي بتقييد حق العودة من خمسة ملايين فلسطيني إلى بضع مئات من الآلاف.
ولكن في الرد على ذلك، يُقال إن ممارسة تعريف أحفاد اللاجئين بوصفهم لاجئين تتماشى مع الاتفاقيات الدولية التي تنظم حقوق اللاجئين، كما تتماشى مع حقوق الإنسان الدولية والقانون الإنساني والنهج الذي تتبناه مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
الحقيقة أنه منذ إنشاء الأونروا، لم تكتف الجمعية العامة للأمم المتحدة، بما في ذلك الولايات المتحدة، بتجديد تفويضها كل ثلاث سنوات فحسب، بل كانت تطري بإفراط أيضا على إدائها.

والواقع أن أغلبية ساحقة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، انطلاقا من فهمها للدور الفريد الذي تلعبه الأونروا في منطقة قابلة للاشتعال، كانت مدركة على الدوام للحاجة إلى تزويدها بالدعم المالي القوي.

بينما يواصل العالَم السعي إلى التوصل إلى اتفاق للسلام الدائم في الشرق الأوسط، تشكل الأونروا (تحت قيادة بيير كراهينبول الإصلاحية) نفوذا داعما للاستقرار وقوة إنسانية مهمة تعمل على تعزيز قضية السلام.
والواقع أن أطفال اللاجئين الفلسطينيين يعانون بالفعل من الحرمان الشديد. وإذا لم تحصل الأونروا على الدعم الذي تحتاج إليه، فسوف يدفع هؤلاء الأطفال ومجتمعاتهم ثمنا أكثر ضخامة.

رئيس وزراء المملكة المتحدة الأسبق