السوريون يراوغون الموت

الحدث الأحد ١٦/سبتمبر/٢٠١٨ ٠٤:١٩ ص
السوريون يراوغون الموت

إسطنبول - دمشق - موسكو - واشنطن - رويترز - وكالات

تهدر طائرة عسكرية روسية وهي تمر في السماء في الساعة 4:47 مساءً بالتوقيت المحلي لسوريا بعد انطلاقها من قاعدة حميميم الجوية الروسية في غرب سوريا متجهة صوب الشرق.

يدوّن مراقب ملاحظات عن تلك التفصيلات الثلاث ويفتح تطبيقا على هاتفه المحمول ويدخل تلك المعلومات في الأماكن المخصصة لها.
وبعد 14 دقيقة وعلى بُعد 100 كيلومتر يرى عبدالرزاق الطائرة وهي تحلّق فوق معرة النعمان، فيفتح التطبيق على هاتفه ويكتب: معرة النعمان، طائرة عسكرية روسية، متجهة صوب الشمال الشرقي.
ويعالج برنامج يسمى «الراصد» تلك البيانات التي تقدّر مسار المقاتلة ويرسل تحذيرا يطلق بدوره رسائل عبر فيسبوك وتليجرام وتويتر والأهم أنه يرسل أيضا صفارات إنذار مدوّية عبر المدن التي تقع في مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة في سوريا.

ضربات يومية

وباتت الضربات الجوية على مواقع الجماعات الإرهابية أمرا واقعا في الحياة اليومية لملايين السوريين الذين يعيشون في مناطق تسيطر عليها الجماعات المسلحة والجماعات الإرهابية وأصبحت الغارات أكثر كثافة وحدة بكثير منذ تدخلت روسيا في الحرب في 2015.

تحذير الهاتف

وتقول أمية (50 عاما) إنه قبل الراصد، كان التحذير الأساسي من وقوع ضربة جوية هو سماع أزيز الطائرات بأنفسهم وبالتالي يكون قد فات الأوان على التحرّك للاحتماء. ونزحت أمية من حلب لريف المحافظة الشمالي الغربي.
وقالت أمية «ما في فائدة أنو الواحد يعمل شي... وأحيانا البراميل نشوفها وهي عم تنزل... يعني نطلع عليها ونشوف البراميل والأطفال تبكي».
وحضرت أمية دورة تدريبية أدارها متطوعون عن استخدام تطبيق الراصد وكيفية النجاة بأفضل السبل من الضربات الجوية. وتعرف الآن أن عليها أن تفتح نوافذ منزلها حتى لا يؤدي الضغط الناجم عن الانفجارات إلى تحطم الزجاج، وأن دورة المياه في وسط المنزل هي أفضل مكان للاختباء.

كيفية التصرّف

وأرشد المتطوعون أحفاد أمية الستة، الذين توفي آباء ثلاثة منهم، لما يفعلونه إذا تعرّضت مدرستهم لضربة جوية. وتقول نائلة، وهي إحدى المتطوعات، إنهم درّبوا الأطفال على الاحتماء أسفل مكاتبهم واتخاذ وضع الجنين إذا سمعوا الإنذار. أما إذا جاء التحذير مبكرا بما يكفي فيمكن للمعلمين اصطحاب الأطفال للاحتماء في الأقبية. وأشارت نائلة إلى أن النساء كن من الأهداف الرئيسية للحملة وقالت «النساء بتحمل دائما جوال معها، فتصلها الرسالة فين ما كانت، قاعدة بالبيت، قاعدة بالمطبخ، مع جارتها».

تطبيق أمريكي

وصمّم نظام الإنذار أمريكيان هما جون يجر وشريكه في الأعمال ديف لفين. وعمل يجر من قبل مع مدنيين سوريين بحكم عمله في وزارة الخارجية الأمريكية.
وقال: «أدركت أن أكبر خطر يهدد السلام داخل سوريا هو القصف العشوائي للمدنيين... فكّرنا ببساطة أن هناك المزيد الذي يمكن للمجتمع الدولي أن يفعله وعليه أن يفعله لتحذير المدنيين سلفا من هذا العنف العشوائي».
وتقول شركتهما التي تسمى «هالا سيستيمز» إنها تلقت تمويلا من دول من بينها بريطانيا وكندا وهولندا والولايات المتحدة إضافة لمانحين أفراد.

الخوذ البيضاء

ويتعاون موظفو الخوذ البيضاء العاملون في مناطق الجماعات المسلحة وكذلك الإرهابية وتتهمهم موسكو ودمشق بالتعاون مع هذه الجماعات وفبركة فيديوهات الهجمات الكيميائية مع الراصد لتشغيل صفارات تحذير من الغارات الجوية.
وقال ممرض يُدعى يوسف في مستشفى ميداني خارج حلب «كان قبل، وقت يصير في قصف طيران، لحديت يجي لعنا (حتى تصل إلينا) الإصابات، لتوصل لعنا لحتا صرنا نعرف أو يصير عندنا عمل (ندرك) أنو صار في ضربة».
وأوضح «بينما هلأ بخدمة الراصد، صار فورا عن طريق الجهاز أو عن طريق النقال، صارت الضربة، يعني عرفنا في المنطقة الفلانية في تجمع سكني، عرفنا أنو في إصابات أكيد».
وأضاف «معتمدين عليه بشكل كتير كبير لأنو هو صار الأساس بشغلنا».
ويعيش نحو ثلاثة ملايين شخص في آخر معقل رئيسي للمعارضة في شمال غرب سوريا نصفهم نزحوا إلى المنطقة فرارا من تقدم قوات الحكومة بمناطق أخرى من البلاد.

تجهيز المؤن

ومع استعدادهم لهجوم عسكري متوقع لطرد الجماعات الإرهابية من إدلب وفتح ممرات إنسانية للمدنيين جهّز المدنيون مؤنا غذائية وحفروا ملاجئ، وأعد البعض أقنعة مضادة للغاز تحسباً لوقوع هجوم كيماوي.

رصد الطائرات

كانت الحكومة السورية والقوات المتحالفة معها استأنفت الضربات الجوية والقصف البري على إدلب لكن عبدالرزاق الذي يراقب الطائرات ويُدرج المعلومات في تطبيق الراصد أوضح أن الأيام القليلة الفائتة شهدت هدوءا نسبيا.
وينقر الرجل على صورة طائرة لتحديد نوع الطائرة التي رآها ثم يختار الموقع ويذكر ما تقوم به أو إلى أي مكان تتجه. ويؤدي ذلك لنشر رسائل على قنوات مثل تليجرام منها تحذيرات زمنية لمدن وقرى محددة. ويراقب عبدالرزاق وهو معلم سابق للغة الانجليزية الطائرات منذ العام 2011، وانضم مؤخرا إلى الراصد كمراقب. وقال عبدالرزاق: «نحن مجموعة من الشباب موجودون في أماكن، كل واحد ماسك قطاع معيّن. فبالعين المجردة بيشوف الطائرة، نوع الطائرة، بيحط التحذير».

تنبيه الناس

وقال لفين -المؤسس المشارك لهالا سيستمز- إنه بالإضافة لتحذير الناس من الهجمات المفاجئة فإن النظام ساعد أيضا في إخطار الناس بفترات هدوء وجيزة خلال هجمات طويلة.
وخلال الهجوم على الغوطة قرب دمشق في وقت سابق من العام اعتمد المدنيون على هذا النظام لتحديد أوقات خروجهم من الأقبية والملاجئ لجلب الأغذية والمياه.
وقال لفين: «منحنا ذلك شعورا كبيرا بالارتياح لأننا كنا حقا مؤثرين حتى عندما كانت السماء تمطر قنابل».