الآخر ليس زائلاً

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٩/سبتمبر/٢٠١٨ ٠٣:٠١ ص
الآخر ليس زائلاً

فريد أحمد حسن

إن تعتبر الآخر هشاً وهامشياً وعرضياً وزائلاً يعني أنك لا ترى في الصورة غير نفسك، ومن يصل إلى هذه الحالة لا يرتجى منه خير لأنه لن يفعل ما يفيد ولأنه يعتبر كل فعل يقدمه الآخر غير مفيد وغير ذي قيمة، أيا كان ذلك الفعل، فأنت في هذه الحالة لا تعتقد فقط أن الحياة لا تسير إلا بك وإنما تعتقد أن الآخر أساساً لا يستحق الحياة وأنه يجب أن يزول وأنك وحدك الذي ينبغي أن تستحوذ على كل شيء.. فأنت كل شيء!

هذه الحالة يعاني منها البعض غير القليل، وتأثيرها سالب جداً لو أن هذا البعض كان ممن يمتلكون اسماً له اعتباره في المجتمع ويمكن أن يؤثر في قراره وفي توجهه، ولأن هذا متوفر في العديد من المجتمعات العربية لذا يمكن القول بأن أحد الأسباب الرئيسة لتخلفها صار معروفاً، فإن تلغي الآخر وتعتبره لا شيء يعني أنك تعمل على جعل المجتمع متخلفاً، حيث المجتمع لا يمكن أن يتطور ويرتقي بالبعض دون البعض الآخر، بل لا يمكن للمجتمع أن يكون مجتمعاً بهذا البعض دون ذاك، ولا يمكنه أن يرتقي باستحواذ بعضه على كل شيء وعدم حصول بعضه الآخر على أي شيء. إن أحد أسباب تأخر بعض مجتمعاتنا العربية هو هذه النظرة القاصرة للآخر الذي هو مكمل لها وأساس، فهذه النظرة تعني أن المطلوب من المجتمع أن يحلق بجناح واحد، وهو ما ليس ممكناً وليس معقولاً، وعليه فإنه لا يمكن لهذا البعض أو ذاك أن يستحوذ على كل شيء في المجتمع لأن الآخر إن لم يستحوذ على شيء أو بعضاً من ذلك الشيء أو الأشياء يكون معطلاً وسبباً في تعطيل المجتمع ونموه.

النظرة القاصرة للآخر تضر بالمجتمع وتضر بصاحبها أيضا لأنه جزء من المجتمع، وتعطيل الآخر يعطله مثلما يعطل المجتمع ويؤثر سلبا على نموه، لهذا فإن اعتبار الآخر هشا وهامشيا وعرضيا وزائلا يعني أن يصير هو أيضا كذلك، فأنت والآخر تتكاملان، ولا يمكن لأحدكما أن يعمل وينتج دون الآخر، وبالتالي لا يمكن لأحدكما أن يلغي الآخر لأن إلغاء الآخر هو في كل الأحوال إلغاء للنفس.
أن تعمل من دون الآخر ليس بالمستحيل فمن الممكن أن تعمل لوحدك، لكن الأكيد هو أنك لا تستطيع أن تعطي كما يجب أن تعطي ولا يمكنك أن تبدع وتترك الأثر المطلوب من دون الآخر. والأمر نفسه فيما يتعلق بالآخر، فهو لا يستطيع أن يقدم ما يعتد به من دونك ومن دون التعاون والتكامل معك.
في المجتمعات الطائفية لا يمكن أن يتحقق التطور بتهميش طائفة للأخرى وإلغائها، وفي المجتمعات متعددة الأعراق لا يمكن أن يتحقق التطور بتهميش المنتمين إلى عرق أو مجموعة من الأعراق، وفي المجتمعات كلها لا يمكن لفئة أن تسيطر على كل شيء، والسبب هو أن المجتمع لا يمكن أن يرتقي بهذه الطائفة أو بذلك العرق أو بهذه المجموعة دون غيرها. المجتمع للجميع، مثلما أن الوطن للجميع. لا المجتمع يتقدم إن لم يتعاون الجميع ويتكاتفوا وكل يخدمه في مجاله وكل بقدراته، ولا الوطن يحصل على ما يحميه من الأعداء إن أعطى فئة دون فئة. المجتمع للجميع والوطن للجميع، ومن دون الجميع لا يمكن أن يتطور المجتمع ويتقدم ولا يمكن للوطن أن يصمد في وجه الأعداء. توجه الاستحواذ على كل شيء هو من طبيعة البشر، فكل فئة أو مجموعة ترغب أن تمتلك كل شيء وأن تحصل على النصيب الأوفر والأكثر من الآخر. هذه طبيعة البشر، لكن هذا الأمر لا يمكن أن يحدث في وجود الدولة، والدولة الحديثة على وجه الخصوص، لهذا فإن مسئولية توزيع الحصص تقع على عاتق الدولة، وليس المقصود هنا المحاصصة، ولكن بإمكان الدولة أن تنظم الأمور بحيث تمنع استحواذ البعض على كل شيء أو أغلب الأشياء وتمنع حرمان «الأبعاض» الأخرى من كل شيء أو لا يكون لها نصيب إلا في بعض الشيء.
هذا هو ما تقوم به الدولة الحديثة التي تريد أن تبني مجتمعاً آمناً وتريد أن يكون لها جيشا يحميها في الشدة والبأس. هذه الدولة تعلم أن سكوتها أو عدم تدخلها في «الصراع» الطبيعي بين البشر من مواطنيها يعني حصول خلل كبير يدفع ثمنه المجتمع والوطن. لهذا فإن الدول التي تراعي مثل هذه الأمور تخلو عادة من الصراعات السالبة والمتسببة في تخلف المجتمع وتضرر الوطن فترتقي ويظل شعبها متماسكا في وجه كل من يحاول الاعتداء عليها. هذا لا يعني أن جميع المواطنين يكونون متساوين في الدخل وفي التملك، فهذه في النهاية مرتبطة بالأرزاق التي قدرها الله سبحانه وتعالى، ولكن القصد هو أن الدولة تمنع استحواذ البعض على كل شيء وحرمان البعض الآخر منه، وتمنع سيطرة البعض على كل شيء وتهميشه للآخر واعتباره هشا وعرضيا وزائلا، فالهش والهامشي والعرضي والزائل يؤثر سلبا على الوطن وعلى المجتمع ويضر حتى بالبعض الذي اعتبره كذلك.
لوحة الوطن لا تكتمل بوجود البعض فيها وغياب الآخر، وكذلك لوحة المجتمع، فالبعض و»الأبعاض» الأخرى كلها تكوّن المجتمع وتكوّن الوطن، وغياب بعضها يعني اختلال الحياة.

كاتب بحريني