ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٩/سبتمبر/٢٠١٨ ٠٢:١٥ ص
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا

علي بن راشد المطاعني

في الوقت الذي نخطّـئ فيه من استبعد أجزاء من السلطنة سهواً أو بقصد أو بدونه، ونلقي باللوم على كل من راجع كتاب «مسارُكَ النشاطي» للصف الحادي عشر في مناهج وزارة التربية والتعليم من المؤلفين والمدققين والمطبعة وغيرهم من الجهات المناط بها مراجعة المناهج ومتابعتها، ثم نطرح الأسئلة الحيرى كيف سقطت سهواً أجزاء من وطننا العزيز عُمان من الخارطة.. في وسط هذه العاصفة التي لا يرى فيها المرء موضع قدميه لا يسعنا إلا أن نشيد عالياً بالاهتمام والوطنية التي توهجت واشتعلت حباً لكل جزء من الوطن العزيز لقاء خطأ اتفقنا جميعنا على أنه فادح في منهج دراسي معتمد، وخطورته بالطبع تكمن في إنه سيفيد طلابنا بمعلومة غير صحيحة قد ترسخ في أذهانهم ومفادها عدم وجود جزء عزيز من الوطن في خارطة الوطن، تلك هي القضية.

فإذا عدنا للآية 286 من سورة البقرة وهي نفسها التي استلهمنا منها عنوان هذا المقال نجدها تتحدث عن دعاء بليغ ورائع يعبر تماماً عن إنسانيتنا وضعفنا وقوة حيلتنا كبشر إذ يقول رب العزة فيها (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) صدق الله العظيم، إذن هذه الآية الكريمة أوضحت لنا حقيقة أننا غير معصومين من الخطأ ومن السهو والنسيان، تماماً كما نسي آدم عليه السلام حقيقة أنه قد أعطى ابنه داوود 40 عاماً من عمره، لذلك سمي الإنسان بالإنسان انطلاقاً من النسيان، والنسيان ليس تأكيداً على الكمال بل على النقصان، والإنسان هو كذلك، ليبقى الوزر والذنب معقوداً على نواصي تعمد الخطأ، وهذا شأن آخر بالطبع، عليه ووفق أبجديات مجريات الأمور فإننا سنفترض جدلاً وحتى لا نسيئ الظن بالآخرين وذلك أثم وبيل دون ريب وإلى أن يثبت العكس الحاسم والجازم، فإننا وكبشر سنفترض بأن هذا الخطأ الفادح قد وقع عن طريق الخطأ، وبالتأكيد لن ينبري أحدنا ليقول إن الإنسان لا يخطئ أبداً أو هو معصوم من هكذا زلات، هنا فإن الآية المشار إليها ستثبت العكس تماماً، تلك هي الحقيقة المثلى التي يفترض أن نضعها في الاعتبار إزاء تناولنا الأولي الواقعة المؤسفة.

إن الحساسية المفرطة في التعاطي مع الجوانب الجغرافية والتاريخية لها ما يبررها في ظل الواقع السياسي والجغرافي القائم حالياً، وبما أن وسائل التواصل الاجتماعي مفتوحة على مصراعيها فمن الطبيعي أن يحاول البعض تضخيم هذا الخطأ البشري ليطالب بنصب أعواد المشانق في الميادين العامة إزاء خطأ بشري محض وقع في خريطة على الورق من الممكن إعادة تصحيحها ببساطة، فهذه الورقة «الخريطة» لن تستطيع ميدانياً أن تنتزع شبراً واحداً من أرض هذا الوطن، لذلك ستبقى في مطلق الأحوال ورقة لا أكثر، سنقوم بإحراقها في مزابل التاريخ وسنعيد طباعتها على النحو الصحيح، تلك هي كل الحكاية ببساطة، وهذا لا يمنع من اتخاذ الإجراءات المشددة لمنع وقوع مثل هذا الخطأ مرة أخرى باعتبار أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.
بالطبع نشاطر الأخوة بوزارة التربية والتعليم الموقرة الإحساس بالمرارة في الحلق وفي حنايا الصدور إزاء الضغوط الهائلة التي يتعرضون لها هذه الأيام والتي وصلت لحد التشكيك في وطنيتهم، وهذا كثير بالطبع فهم لا يقلون وطنية عن كل الذين انتقصوا منهم، ونرجو أن لا ينال هذا الأمر من روحهم المعنوية وهم يضطلعون بأخطر مهمة على الإطلاق وهي تعليم وتربية فلذات الأكباد، ونقول لهم اصبروا وصابروا واحتسبوا كل هذا الأذى أجرا وثوابا عند علام الغيوب.
نأمل أن يكون هذا الخطأ بمثابة درس بليغ نستفيد منه لسبر أغوار الوطن العزيز بكل محافظاته وولاياته وقراه ومدنه، وأن نعيد من جديد ترتيب كل أوراقنا وخرائطنا بحيث لا تسقط حبة رمل واحدة من أي خريطة للسلطنة الأبية، هكذا نستفيد من الأخطاء والعثرات.