إجهاض الأزمات..

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٩/سبتمبر/٢٠١٨ ٠٢:١٤ ص
إجهاض الأزمات..

لميس ضيف

الأزمة كائن حي.. يولد صغيراً، ينمو، يدخل متاهات المراهقة، يكبرُ ويتعملق، ثم تبدأ رحلة الأفول والضعف وصولاً للموت. كلفة حياة الأزمات ثقيلة، قد يسددها الفرد /المجتمع/ الدولة في غضون أشهر معدودات وقد تستغرق عمراً بأكمله لدفع فاتورتها. فهي تترك آثاراً قوية الحضور على الاقتصاد والسمعة والمكانة والأواشج. وأخطر آثارها ما يطال النسيج المجتمعي الذي ما أن يُهتك. فترقيعه صعب خصوصاً إن كان الشق عميقاً.

لا يسهل التعاطي مع الأزمات عندما تتوحش. وعادة ما تفاجئك بتغولها وتمتص طاقاتك في محاولة احتوائها. تكون الأزمة – عندما تخرج عن السيطرة – أقوى من الجميع بما في ذلك من أشعلوها. تشبه في ذلك لحد بعيد الحرائق المفتعلة. فأنت تسكب البنزين وترمي عود الثقاب ولكنك تفقد – بُعيد تلك الثانية تماماً – أي سيطرة عليها. فقد تنطفئ أو تشتعل أسرع مما تتوقع. وكم من مشعل حرائق غافلته النار فأضرمت تلابيبه وكان هو أول ضحاياها. وتختزل مخيلاتنا الثاوية أمثلة طازجة عن حرائق سياسية التهمت مشعليها وتغذت عليهم قبل غيرهم لأنها اتخذت مسارها الخاص، وتصاعدت بطريقتها، خلافا لما خُطط ودبّر له الفاعل.
كيف تقتل أزمة.. وكيف تطفئ حريقاً وهو في شرارته الأولى؟
قلنا إن الأزمة تبدأ صغيرة ضعيفة يتيمة ثم تتعملق ويكثر «مستثمروها». لذا فإن وأدها وهي في المهد هو التصرف الحصيف. ولا يكون ذلك دوما بالقبضة الحديدية أو بالعنف والإكراه، ولو أن تلك «قد» تكون طرقاً نافعة أحياناً، بيد أن الاحتواء، ونزع فتيل الغضب ومعالجة أوجه الحنق هي الطرق الأكثر فعالية ونفاذاً في معالجة الأزمات؛ التي تحول الأزمة لفرصة: فرصة للتغيير، فرصة للنماء، فرصة للتقارب وفرصة للنمو أيضا.
في الأسرة، في مواقع العمل، في وسائل التواصل الاجتماعي، في المجتمعات همساً أو جهراً، هناك دوما فتيل ما يمهد لانفجار ما، قد تكون فرقعة وتنتهي، وقد تجر تلك الدعوات على الفرد أو المجتمع الويلات. لذا فإن الحذر واليقظة واجبة، والمرونة والانفتاح أيضاً. فمن ركب سنام العناد على مطالب عابرة يوماً، قدم أضعافها لاحقاً دون طائل. ومن استخف بدموع مهيضي الجناح غرق لاحقاً في دموعهم وبكى -هو نفسه- دما على ما آل إليه مآله. والسعيد من اتعض بغيره.