ارتباك إدارة ترامب

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٣/سبتمبر/٢٠١٨ ٠٤:٥٣ ص
ارتباك إدارة ترامب

جيفري فرانكل

في الشهر المقبل، من المقرر أن تقدم وزارة المالية الأمريكية إلى الكونجرس تقريرها نصف السنوي حول البلدان التي تتدخل في عملاتها للحصول على ميزة تجارية غير عادلة. من جانبه، يتهم الرئيس دونالد ترامب الصين بذلك، كما فعل طوال الحملة الانتخابية لعام 2016. ويقال إنه يحاول التأثير على مداولات وزارة المالية.

ما الذي تغير منذ إصدار التقرير الأخير في أبريل؟ لقد أثبت التقرير، مثل تقارير مشابهة كتبت في ظل الإدارتين السابقتين، أن الصين غير مذنبة بالتلاعب بالعملة. ولم تتهم وزارة المالية الصين (أو أي بلد آخر) بالتلاعب منذ 1994. إن السبب بسيط للغاية: لا تستوفي الصين شروط الدول التي تتلاعب بعملتها، وذلك حسب المعايير الثلاث التي حددها الكونجرس. لم تتدخل باستمرار في أسواق صرف العملات الأجنبية (من أجل منع انخفاض عملتها)، كما لا تتوفر على فائض إجمالي في الحساب الجاري يناهز 3 % من الناتج المحلي الإجمالي (بلغ الفائض نسبة 1.3 % في العام 2017).

تستوفي الصين المعيار الثالث: والذي يتمثل في فائض تجاري ثنائي مع الولايات المتحدة يتجاوز 20 مليار دولار. لكن الكونجرس كان مخطئا في اعتبار التوازن الثنائي معيارا في المقام الأول. إن العجز التجاري الأمريكي الضخم في جميع أنحاء العالم كافٍ لتفسير العجز الثنائي. تمثل الصين 15 % من الاقتصاد العالمي، ولذلك فإن حصتها المتناسبة من العجز البالغ 600 مليار دولار في الولايات المتحدة تبلغ 90 بليون دولار - أي أكثر بكثير من عتبة 20 بليون دولار. نعم، إن العجز الثنائي أعلى بكثير من ذلك المستوى، ولكن هذا يرجع جزئيًا إلى أن صادرات الصين إلى الولايات المتحدة تحتوي على الكثير من المستوردات.
لذلك، وفقا للتقرير الذي صدر في أبريل الفائت استوفت الصين مجرد واحد من معايير الكونجرس الثلاثة، وبالتالي لم تُصنف كبلد متلاعب بالعملة. (وقد استوفت كل من ألمانيا والهند واليابان وكوريا الجنوبية وسويسرا معيارين). ومنذ ذلك الحين، انخفضت قيمة الرنمينبي بنسبة 6 % مقابل الدولار. لكن ذلك يرجع إلى ارتفاع الدولار نفسه بنسبة 7 % مقابل عملات الشركاء التجاريين.
لا تتفق أسعار الصرف دائما مع نماذج الاقتصاديين. ولكن في هذه الحالة، يرجع ارتفاع قيمة الدولار إلى سياسات ترامب الاقتصادية الخاصة.
بداية، سعى ترامب والجمهوريون في الكونجرس إلى القيام بتوسع مالي هائل للدورة الاقتصادية، مما أدى إلى حدوث عجز غير مسبوق في الميزانية في غياب الركود. ويشمل هذا التوسع التخفيضات الضريبية التي صدرت في ديسمبر والزيادات السريعة في الإنفاق الحكومي، والمقترحات الأخيرة لمزيد من التخفيضات الضريبية.
وتتوقع نظرية الاقتصاد الكلي أن تؤدي هذه السياسات إلى رفع أسعار الفائدة، وجذب رؤوس الأموال من الخارج، وتعزيز قيمة الدولار. وهذا ما حدث عندما كان لدى الولايات المتحدة مزيج مالي ـ نقدي مماثل في عهد الرئيس رونالد ريغان في العام 1981-1984. علاوة على ذلك، أطلق ترامب حربًا تجارية من خلال فرض تعريفات استيراد على الشركاء التجاريين الرئيسيين لأمريكا. وفي الآونة الأخيرة، أعلن عن فرض رسوم على 200 مليار دولار أخرى من الصادرات الصينية، والتي ستدخل حيز التنفيذ في 24 سبتمبر يعتقد ترامب أن ذلك سيساعد على تحسين الميزان التجاري الأمريكي، لكنه لا يدرك أنه إذا تم منع المصدرين الأجانب من دخول السوق الأمريكية، فلن يكون لديهم ما يكفي من الدولار لشراء السلع الأمريكية.
يمكن تعويض التخفيض في واردات الولايات المتحدة الناتج عن الرسوم الجمركية بطرق عديدة. وقد تعمدت البلدان الأخرى على الانتقام من الولايات المتحدة من خلال فرض تعريفاتها الخاصة على الصادرات الزراعية الأمريكية، على سبيل المثال. ولكن حتى لو لم تفعل ذلك، فإن التدابير التي تجعل من الصعب على المصدرين الأجانب كسب الدولار ستؤدي إلى نقص في هذه العملة، مما سيعزز قيمة العملة الأمريكية بشكل تلقائي في بيئة أسعار الصرف العائمة. يبدو أن تصعيد ترامب للحرب التجارية في العام 2018 كان له تأثير على الدولار كما تنبأت به النظرية الاقتصادية.
من المؤكد أن الصين قد بذلت جهداً كبيراً للإبقاء على قيمة الرنمينبي المنخفضة منذ عشرة أو خمسة عشر عاماً. إلى جانب الفائض التجاري المتصاعد وفائض الحساب الجاري، حافظ بنك الصين الشعبي على سياسة التدخل في سوق الصرف الأجنبي لمنع ارتفاع قيمة اليوان، كما جمع احتياطيات ضخمة من العملات الأجنبية. لكن الصين عدلت سياستها النقدية. وارتفعت قيمة الرنمينبي بنسبة 37 % بين عامي 2004 و 2014، الشيء الذي تسبب في إلغاء تقييمه.
وفي عام 2014، بدأ تدفق رؤوس الأموال من الصين، إلى جانب انخفاض العملة، وذلك بسبب تباطؤ الاقتصاد الصيني، والنمو القوي نسبيًا في الولايات المتحدة، والتحول المماثل في السياسات النقدية الخاصة بكل منهما. وبعد تدخل بنك الشعب الصيني لمنع ارتفاع قيمة الرنمينبي في الفترة ما بين 2004-2014، عمل أيضا على منع انخفاضه بعد العام 2014.
يُدعى هذا النمط التدخل «من أجل وقف التضخم». وقد أنفق بنك الشعب الصيني مبلغًا قياسيًا قدره تريليون دولار في محاولة لوقف انخفاض قيمة الرنمينبي بعد العام 2014. لو كانت السلطات الصينية قد وافقت على المطالب الأمريكية وسمحت للسوق بتحديد سعر الصرف، لاستمر الرنمينبي في الانخفاض أكثر، ولكانت لدى المصدرين الأمريكيين صعوبة أكبر في التنافس.
في نهاية المطاف، أدرك السياسيون الأمريكيون هذه الحقيقة. وكان ترامب آخر من أدرك ذلك. وفي أواخر أبريل 2017، وصف ترامب الصينيين بـ «أبطال العالم» في التلاعب بالعملة، لكنه تراجع عن موقفه في الأسبوع التالي، حيث قال لصحيفة وول ستريت: «إنهم ليسوا متلاعبين بالعملة». وبعد أن وضع نهاية للموضوع لمدة سنة، أعاد توجيه اتهاماته للصين في الصيف الفائت.
وفي حين تراجع ترامب عن اتهام الصين بدفع قيمة عملتها للانخفاض، توقفت الصين أيضا عن بذل الجهود لدعم الرنمينبي. وفي العام 2017، توقفت احتياطاتها من النقد الأجنبي عن الانخفاض. واليوم، بعد قيام ترامب بتجديد اتهاماته السابقة، استأنف الصينيون جهودهم للدفاع عن العملة. ولمنع انخفاض قيمة الرنمينبي، أشار بنك الشعب الصيني مؤخراً إلى أنه سيطبق ما يسمى بالعامل المضاد للتقلبات الدورية في «تحديد» عملته اليومية مقابل الدولار.
لماذا يستمر ترامب في إعادة الأمور إلى الوراء؟ ذلك ليس بسبب شخصيته المنحرفة فقط. يقوم ترامب بتوجيه الاتهامات عندما تنخفض قيمة الرنمينبي، وكذلك حين يتدخل البنك المركزي الصيني لدعمه. يفتقد ترامب محركان أساسيان لهذا الانخفاض: سياساته المالية والتجارية.

أستاذ التكوين والنمو الرأس مالي في جامعة هارفارد