السيناريو السوري

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٣/سبتمبر/٢٠١٨ ٠٤:٥٣ ص
السيناريو السوري

أحمد المرشد

لم يعد القرار السوري حكراً على دمشق فقط أو حتى فصائل المعارضة المتعددة في هذا البلد الذي أصابه الدمار هو الآخر..فعلى سبيل المثال، مدينة إدلب السورية الاستراتيجية، تموج بالتدخلات الإقليمية والدولية، فمن روسيا للولايات المتحدة، ومن إيران رغم ضعف دورها في المدينة إلى تركيا التي ترفض سحب قواتها من إدلب في الوقت الذي تناصر فيه هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) بالإضافة إلى تعزيز قواتها داخل المدينة لعرقلة أي تدخل من القوات النظامية السورية لتحريرها من قبضة المعارضة المسلحة والإسلامية.

ليس هذا فقط، فروسيا والولايات المتحدة على سبيل المثال يستغلان مدينة إدلب لتحقيق مكاسب إستراتيجية لهما بالمنطقة على حساب سوريا وسكانها ومستقبلها وبقية شعوب الإقليم طبعاً، فروسيا التي استعرضت قوتها قبل أيام قليلة في صورة مناورات عسكرية هي الأضخم في تاريخها العسكري بمشاركة 300 ألف مقاتل، و36 ألف مدرعة وألف طائرة وثمانين سفينة بحضور صيني قوي ولافت هو الآخر، بهدف تصدير قوة عسكرية متعاظمة للمنطقة في مواجهة الولايات المتحدة.. وفي هذه الأثناء، أعلنت القوات المسلحة الروسية أن قواتها العاملة في سوريا رصدت طائرتين أمريكيتين إف-15 تسقطان قنابل فسفورية على منطقة دير الزور، وهو الأمر الذي سارع البنتاجون بنفيه، ليس هذا فقط بل يأتي الرد الأمريكي عاجلاً على إعلان موسكو على لسان جون بولتون مستشار الأمن القومى الأمريكي، ليكشف عزم بلاده وبريطانيا وفرنسا الرد بقوة في حالة شن الحكومة السورية هجوما بالأسلحة الكيماوية على إدلب.

فالروس يعلنون استخدام القوات الأمريكية قنابل فسفورية في دير الزور، ثم يحذر الأمريكيون والبريطانيون والفرنسيون من استخدام القوات السورية للأسلحة الكيماوية في معركة تحرير إدلب، كفزاعة غربية لمنع دمشق من تحرير آخر معاقل المعارضة المسلحة والإسلامية والوجود التركي بالمدينة. ووفقاً لخبراء عسكريين، من الصعب أن تستخدم القوات الأمريكية القنابل الفسفورية لأن قدرتها التدميرية محدودة للغاية ناهيك عن حظرها دولياً خصوصاً ضد الأهداف المدينة، والأمر كذلك بالنسبة للتحذير الأمريكي – الغربي من استخدام القوات السورية للأسلحة الكيماوية، خاصة وأن غاز الكلور يعود تاريخ استخدامه للحرب العالمية الثانية وبالتالي فهو ليس فعالا، ومن الممكن إصابة القوات التي تستخدمه بمفعوله في حال هبوب أي رياح مفاجئة أن يصل الغاز للهدف.
نستنتج من آراء الخبراء العسكريين المحايدين، أن حرباً تدور رحاها في الخفاء بين روسيا وأمريكا هدفها حجب حقيقة ما يجري على الأرض السورية، فإعلان روسيا عن رصد قنابل فسفورية أمريكية في دير الزورما هو سوى محاولة لإحباط خطة أمريكية – غربية لدخول القوات الأمريكية في سوريا والبقاء في منطقة الشرق الأوسط لما هو أبعد من وجودها في قاعدة العديد القطرية. وقد نسترجع معاً هنا الخطة الأصلية لمجموعة «المحافظون الجدد» الذين سيطروا على إدارة جورج بوش الابن حيث كانت تستهدف غزو ثلاث دول – العراق أولاً ثم سوريا لتكون إيران الأخيرة - وهي الخطة التي أحبطها انتخاب الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما الذي أعلن بمجرد توليه منصبه نيته سحب القوات الأمريكية من الخارج ثم أعقب هذا الإعلان بتبنيه اتفاق إيران النووي بمشاركة الدول (5+1)، وهو الاتفاق الذي أعلن ترامب انسحاب بلاده منه.
وإذا كان باراك أوباما قد أفشل خطة «المحافظون الجدد» إلا أن إدارة دونالد ترامب ترى أهمية تنفيذ الخطة القديمة، ومن هنا يتوالى اتهام القوات السورية باستخدام الأسلحة الكيماوية كذريعة لتكرار سيناريو غزو العراق في 2003، ليبدأ تنفيذ السيناريو هذه المرة في سوريا للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد. ولكن هذا السيناريو في حال تنفيذه قد يجلب على أمريكا المتاعب لأن القوات الأمريكية ستواجه بحرب شرسة من القوتين الروسية والإيرانية المنتشرة في الأراضي السورية، ومن هنا يمكن تفسير مناورة روسيا العسكرية الإستراتيجية الضخمة بمشاركة القوات الصينية.
المسألة ليست صراعاً كبيراً يدور بين روسيا وأمريكا على الساحة السورية، واعتقد هنا أن علينا توضيح الموقف أكثر ونعيد مضمون البيان الذي نشرته أخيراً القيادة العسكرية الروسية في قاعدة حميميم الجوية قرب مدينة اللاذقية السورية، وجاء فيه أن روسيا ستدعم أي تحرك عسكري للقوات النظامية السورية ضد القوى الغربية الموجودة على الأراضي السورية بصورة غير شرعية، وهو ما يعني أمراً مهماً خاصة إذا علمنا أن البيان الروسي موجه أولا إلى تركيا التي تحتفظ بقوات في إدلب ناهيك عن دعمها عناصر أخرى كما ذكر مثل «هيئة تحرير الشام».

والسؤال الآن: «هل يقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوجان بالتوجه الروسي؟ وما أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمة طهران الأخيرة أن قوات الجيش السوري يجب أن تسيطر على حدود سوريا كاملة على غرار ما تم في درعا جنوباً بدعم القوات الروسية أيضاً..من المؤكد أن بوتين يدرك جيداً مدى صعوبة موقف أردوجان حيال الولايات المتحدة والغرب حيث بات محاصراً بالمشكلات السياسية الدولية والاقتصادية الداخلية.وتتزامن كل هذه التطورات مع مواصلة الجيش السوري حشد قواته بجنوب مدينة إدلب لتحريرها بعد الاتفاق وإقامة منطقة منزوعة السلاح بين الطرفين، كما تعهد وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، بتصفية الاحتلال التركي لبلاده، مما ينذر برفض دمشق استمرار الوجود العسكري التركي هناك، الأمر الذي ينذر بنشوب معارك سياسية وعسكرية قريبة لتصفية هذا الوجود، مقابل قيام الجيش التركي بتعزيز قواته بشمالها حيث أنشأت 12 نقطة مراقبة تركية بها، كما استبقت أي هجوم عسكري سوري علي المدينة بتشكيل الجبهة الوطنية للتحرير (40 ألف مقاتل) في يوليو الفائت وتضم أحد عشر من فصائل المعارضة المسلحة بجانب المقاتلين الأجانب بإدلب وهم عبارة عن فصائل قوقازية والإيجور الصينيين وعناصر أوزبكستانية وقيرغيزستانية. كل هذه الحشود تؤكد قرب بدء العمليات العسكرية، مما قد ينذر باندلاع صراع إقليمي ودولي في سوريا يكون مقره إدلب.

إذن التشابكات الدولية هي عنوان الموقف في الصراع علي سوريا حاليا، وبات الموقف صعبا للغاية قبيل عملية تحرير إدلب حيث الصراع الإقليمي والدولي علي أشده، فسوريا بدعم روسي قوي باتت علي بعد خطوة من شن عملية تحرير المدينة خلال الفترة المقبلة، وتركيا لا تزال تماطل للحفاظ علي وجودها في مناطق أقصي شمال سوريا وهي (الباب – جرابلس –عفرين). وربما يتخذ الرئيس الأمريكي خطوة أكثر خطورة بشن عملية عسكرية في سوريا خاصة في ظل تنامي مشكلاته الداخلية بهدف التغطية عليها. في حين تستعد روسيا لحصد كعكة الوقوف بجانب سوريا منذ بدء الصراع في العام 2011 حتي استعاد معظم أراضيه لتبقي إدلب المدينة الأكبر التي لا تزال خارج نفوذه، بينما تلعب إيران هي الأخري دورها التي رسمته لها بالمنطقة لتظل سوريا والعراق واليمن ولبنان ملاعب خارجية لصراعاتها الدولية خاصة مع أمريكا.

وكنتيجة طبيعية لمثل هذه التشابكات الدولية، تماطل الولايات المتحدة وتحالفها الغربي في عملية إنهاء الحرب في سوريا وإعادة الأمور إلى ما قبل 2011 كي تتمكن الدولة السورية من بسط سيادتها وسيطرتها على كامل الأراضي التي استولت عليها جماعات المعارضة المسلحة والإسلامية المتعددة، خاصة في ظل أن القوات السورية باتت قاب قوسين أو أدنى من استعادة كامل التراب السوري. ولكن كافة الأطراف الدولية والإقليمية تصر علي تأجيل استعادة سوريا لمقدراتها السياسية والجغرافية، وتعمل كل القوي تقريبا علي حماية بعض الأطراف المحلية والإرهابيين من عملائهم خاصة في إدلب حالياً.

كاتب ومحلل سياسي بحريني