بولندا في يد اليسار

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٥/سبتمبر/٢٠١٨ ٠٥:٤٩ ص
بولندا في يد اليسار

سلاومير سيراكوسكي

تعتزم بولندا إجراء انتخابات محلية في 21 أكتوبر المقبل، والتي ستتبعها انتخابات البرلمان الأوروبي في مايو 2019، والانتخابات البرلمانية الوطنية في الخريف المقبل، والانتخابات الرئاسية في مايو 2020، والتي تعد من أهم الانتخابات التي أجريت في البلاد منذ العام 1989.

باعتبارها أكبر دولة شيوعية سابقة في الاتحاد الأوروبي، تلعب بولندا دورا مشابها لولاية أمريكية متأرجحة داخل الكتلة. رغم شعبوية الحكومة البولندية الحالية، تحت قيادة حزب القانون والعدالة (PiS)، إلا أنها تواجه معارضة شرسة للغاية. تميل غالبية وسائل الإعلام البولندية إلى أن تكون أكثر انتقادا لحكومة حزب القانون والعدالة. وقد تعاملت السلطة القضائية بحزم ضد اعتداء حزب القانون والعدالة على استقلالها. كما عملت الشركات ومجموعات المجتمع المدني على مقاومة حزب القانون والعدالة الحاكم بشدة.

على عكس رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، يمكن هزيمة ياروسلاف كاتشينسكي، رئيس حزب القانون والعدالة، محليا. وفي حالة حدوث ذلك، لن تقف بولندا في طريق فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على سلوك حكومة أوربان الفاسد وغير القانوني.
يدعم التقويم السياسي المعارضة البولندية بشكل كبير، والتي من المرجح أن تحقق نجاحا في الانتخابات المحلية في الشهر المقبل. تتمتع السياسة البولندية بالمال والقوة على المستوى المحلي، وتسيطر أحزاب المعارضة بالفعل على 15 من أصل 16 ولاية (محافظة) في بولندا، وجميع المدن الكبرى.
وتشير استطلاعات الرأي الحالية إلى احتمال تراجع هيمنة المعارضة بشكل كبير، لكن من المؤكد أنها ستحتفظ بالسيطرة على المناطق الغربية للبلاد ومعظم المدن الكبرى.
وفقا لدراسة حديثة من قبل حركة كريتيكا بوليتيتشنا (النقد السياسي)، فإن أكبر مشكلة بالنسبة لحزب المعارضة الرئيسي (والذي يسمى بـ«حزب المنبر المدني») أنه لا يحظى بشعبية حتى من قبل مؤيديه، الذين ينفذون الأوامر فقط بسبب الخوف من حزب القانون والعدالة الحاكم.
الأدهى من ذلك أن جريجورز شتينا، زعيم حزب «المنبر المدني» الوسطي، لا يحظى بشعبية كبيرة في وقت تُعزز فيه السياسة إلى حد كبير من قبل المشاهد وتأثير الشخصية الفردية.
تُظهر دراسة كريتيكا بوليتيتشنا أن الناخبين يأخذون وجهات نظرهم حول المحاكم واللاجئين والسياسيين المعارضين من كبار قادة الأحزاب، وليس من تجاربهم الخاصة. بعبارة أخرى، يختارون وجهات نظرهم لتبرير اختياراتهم السياسية.
وهذا ما يفسر السبب وراء تعزيز السياسات العدوانية وسلوك المواجهة لمؤيدي حزب القانون والعدالة، بدلاً من تقويضها.

رغم فضائح المحسوبية والنزاعات المستمرة لحزب القانون والعدالة مع الاتحاد الأوروبي، والسلطة القضائية، ورجال الأعمال ومجموعات المجتمع المدني، فإن دعمه لم ينخفض إلى أقل من 35 %. وعلى النقيض من ذلك، لم يتجاوز دعم حزب المنبر المدني 25 %. يبدو الأمر كما لو أن حزب المنبر المدني قد وصل إلى السقف الزجاجي، في حين ينعم حزب القانون والعدالة بأرضية زجاجية.

بعد قيام كاتشينسكي بدعم موقف حزب القانون والعدالة باعتباره حزب اليمين، فإن مستقبل بولندا يقع الآن بين يدي اليسار. لكن اليسار منقسم جدا. فقد أعاد قرار حكومة حزب القانون والعدالة بخفض معاشات موظفي الخدمة المدنية في الحقبة الشيوعية، إحياء تحالف اليسار الديمقراطي (SLD)، الذي يتمتع الآن بدعم ما بين 7 و10 %.
في الواقع، يجب على الحزب الديمقراطي اليساري أن يتنافس مع الحزب اليساري المتطرف «رازم»، الذي تأسس قبل الانتخابات البرلمانية مباشرة في العام 2015.
تتم إدارة حزب «رازم» بشكل جماعي، وليس من قبل قائد معيّن. ورغم أن دعمه ظل مستقرا، بحوالي 2%، إلا أن الأمل الذي أظهره في بدايته استُبدل بخيبة الأمل والصراع الداخلي.
رغم اسم رازم، والذي يعني «معا»، فإنه يرفض الدخول في أي نوع من التحالفات مع الأحزاب الرئيسية، بما في ذلك الحزب الديمقراطي اليساري، رغم فشل كلا الحزبين في الوصول إلى العتبة الانتخابية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
في هذه الحالة، تمت إضافة الأصوات «المستهلكة» التي حصلوا عليها إلى أصوات حزب القانون والعدالة، والذي فاز بأغلبية برلمانية ساحقة.
حسب استطلاعات الرأي، فإنه في حال اتحاد جميع الأحزاب اليسارية، فإنها ستضمن 16 % من الأصوات. ويمكن أن يكون ذلك كافيا لحرمان كاتشينسكي من أغلبية الأصوات، إلى جانب الأصوات التي حصل عليها حزب المنبر المدني.
والسؤال المطروح الآن هو ما إذا كان اليسار يستطيع التغلب على انقساماته. قد يكون الجواب بحوزة روبرت بيدرون، الذي تم تشبيهه بالفعل بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي قلب المشهد السياسي الفرنسي في العام 2017.
وبصفته أول سياسي بولندي «مثلي بشكل علني»، فاجأ بيدرون البلاد بأكملها عندما فاز برئاسة بلدية مدينة سلوبسك في العام 2014. ومنذ ذلك الحين، أضحى موضع اهتمام لدى وسائل الإعلام وأصبح شخصية سياسية مشهورة، بينما يعمل على إدارة حكومة مدينته بشكل فعال.
في الاستطلاعات الخاصة بالانتخابات الرئاسية لعام 2020، يحظى بيدرون حاليا بالمركز الثالث بدعم 12 إلى 19%، خلف الرئيس الحالي أندريه دودا، ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك. أعلن بيدرون مؤخرا أنه بدلا من السعي وراء ولاية ثانية في مدينة سلوبسك، سيركز على بناء حركة سياسية.
وسيقوم بكشف النقاب عن اسم ومنبر الحركة في فبراير بعد الانتخابات المحلية، لكنه سبق وأشار إلى تجنب كلمة «يسارية» (مفضلاً كلمة «تقدمية»).
لقد أعد بيدرون هذا الإعلان منذ ستة أشهر على الأقل. وخلال تلك الفترة، قام بإجراء استطلاعات واسعة للرأي العام لتحديد القضايا التي تهم الناخبين البولنديين، تماماً كما فعل ماكرون في فرنسا. وقد جاب جميع أنحاء البلاد، لجذب الحشود في كل مكان. بعد أن أثبت بيدرون جدارته في إدارة حكومة محلية، يمكن له أن يتنافس بمصداقية مع حزب القانون والعدالة من أجل جذب الناخبين في المدن الصغيرة ومع حزب المنبر المدني من أجل استمالة الناخبين في المناطق الحضرية.
ومثل ماكرون، فهو يحاول وضع نفسه بين البراغماتية والمثالية. حتى الآن، تم استهلاك اليسار البولندي من كلا الطرفين: لقد كان تحالف اليسار الديمقراطي براغماتيا إلى حد السخرية، في حين كان حزب «رازم» مثاليا للغاية بحيث لا يمكن أخذه على محمل الجد. في كلتا الحالتين، النتيجة هي نفسها: انسحاب فعلي من السياسة. بشكل عام، لا يملك أي طرف أي تأثير وطني حقيقي.
يريد بيدرون تغيير ذلك. لكنه لا يستطيع ببساطة تقليد ماكرون. بدلاً من ذلك، سيكون عليه أن يثق في قدراته وأن يستعين بنفس الطاقة التي ساهمت في فوزه بمنصب رئيس بلدية مدينة سلوبسك في العام 2014.

مدير معهد الدراسات المتقدمة في وارسو

وزميل في أكاديمية روبرت بوش في برلين.