جريمة بلبلة في الاقتصاد

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٥/سبتمبر/٢٠١٨ ٠٤:٢٦ ص
جريمة بلبلة في الاقتصاد

علي بن راشد المطاعني

طفحت على السطح في الفترة الفائتة ظاهرة محدثة غير إنها شديدة الخطورة على الواقع الاقتصادي تلك هي ما يمكننا أن نسميها بـ(الاقتصاديين الوهميين) وهم أناس لا علاقة لهم بالاقتصاد كعلم، ولا لهم علاقة بمبادئ التحليل والاستنباط والرصد والاستنتاج بناء على المعلومات المستقاة من مصادرها الأصلية والرسمية في هذا المجال، ومع هذا ورغم ذاك فإنهم يملؤون الأسافير ثم الأرض فحيحا ونباحا وعواء وصخبا زاعمين وهما أنهم قادرون على تحليل الواقع الاقتصادي.

فكل تحليلاتهم واستنتاجاتهم سوداء اللون وكالحة المعالم ليس فيها أي بصيص لأمل في حاضر جيد ولا لمستقبل ناصع بياضه، وكلها تشاؤم وضبابية وعتمة، وإذا ما دققنا فيما يقولونه، نجده زورا وكذبا وبهتانا مبينا، لنجد أن الحياة غدت لا تستحق أن تعاش أصلا، وأن الموت هو الأولى بكل الأحياء على ظهر الأرض، وأن فناء الجنس البشري بات محتوما وأن المسألة لا تعدو أن تكون مسألة وقت لا أكثر.
اليوم نعاني من موجات تشويه الحقائق وتزوير الواقع الذي يشهد تطورات إيجابية تخرجنا من خناق الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها كل الدول بدون استثناء، إلا أن ما نشهده من حالات مدفوعة أو مشوش عليها أو لديها أجندة خاصة ترغب في تمريرها، إلى غير ذلك من ممارسات متدنية للأسف حان الوقت لتحقق من أهدافها و دقة ما تبثه من معلومات.
فالحروب على ما يبدو ليست عسكرية أو أمنية بقدر ما هي اقتصادية ونفسية من خلال تقويض الواقع وإيجاد حالة من التشاؤم المبني على تزوير الحقائق والتجديف في الواقع أكثر مما يجب وبجهل لا يعرف مبادئ الاقتصاد وأبجدياته، ولكن لا يجب أن تكون أدواتها من أبناء البلاد سواء بجهلهم بالنقد وأصوله أو التربح من الآخرين على حساب الوطن.
إن الأزمة الراهنة جميع الدول تعاني منها، لكن لم نسمع حدة التشاؤم غير المقبول وحالة الازدراء غير اللائق وتشكيك في كل البرامج والخطط والعمل الاقتصادي برمته، إلا لدينا للأسف.
إن ترديد أسطوانات مكررة لا تعدو إلا أن تكون إرهابا ناعم يهدف إلى زعزعة الثقة في مقدراتنا وإمكانيات أجهزتنا، وتجد من يسوقها من بعض الفئات الفاشلة أو تعاني من عقدة النقص، أو ترغب في التسلق على ظهور الآخرين وغيرها من الممارسات التي ليس بخافية على الكثير ترغب في لعب دورا أو تمنح منصبا إلى غير ذلك من حالات ظهور مفاجئة.
إن النظام الأساسي للدولة والقوانين المعمول بها في البلاد تجرم كل من يثير البلبلة في الاقتصاد والعملة وغيرها من الجوانب الاقتصادية، كما أن منطوق المادة 27 من قانون المطبوعات والنشر يقول (لا يجوز نشر ما من شأنه الأضرار بالعملة الوطنية أو يؤدي إلى بلبلة الأفكار في سوق المال بالسلطنة أو الوضع الاقتصادي للبلاد)، كما أن قانون الجزاء العُماني به من النصوص ما يكفل ردع هذه التوجهات الخطرة.
إن حرية النقد والكتابة مرهونة بالحقائق التي يمكن الاعتماد عليها في نقد الأوضاع الاقتصادية وتفنيدها بدقة متناهية، وبحلول عملية وليس النقد بإثارة زوابع لا تمت للحقيقة بصلة، بل تفتقر لأدنى الأدلة وأبسط قواعد الاقتصاد ومبادئه، وهو ما يجب ضبطه في المرحلة المقبلة ووقف تمادي البعض الذي يرغب في لعب أدوار ‏أخرى أصبحت واضحة للعيان.
بالطبع التحديات موجودة والإشكاليات والمشكلات كثيرة التي تواجه اقتصادنا كغيره من الاقتصاديات ولن نخفي رؤوسا في الرمال كالنعام منها، لكن يجب مواجهتها بحقائق وبيانات دقيقة توضح مواطن الخلل وتظهر سبل العلاج، أما غير ذلك فلابد أن يقع تحت طائلة القانون، فهذه المقدرات لا يجب العبث بها بهذه الصورة المقززة المفتقرة لموجبات النقد.
نأمل أن يتم وبأسرع وقت ممكن حسم هذه الظاهرة المستجدة وباسم القانون ولا نترك للبعض أن يثير الإرهاب الناعم وخطورته في خلخلة الاقتصاد وتقويض المجتمع من الداخل بما يبثه من سموم، ومغالطات غير صحيحة باسم النقد وحرية التعبير التي تبعد كبعد السماء عن الأرض، فيحتاج هؤلاء المسلقون أن يضربوا على خبث أفعالهم.