الاقتصاد يوحدنا

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٣/أكتوبر/٢٠١٨ ٠١:٤٣ ص
الاقتصاد يوحدنا

فريد أحمد حسن

السؤال المنطقي الذي ينبغي طرحه بجرأة بعد كل ذلك الذي حصل بين دول مجلس التعاون وأدى إلى انقسامها إلى ثلاثة فرق (فريق السعودية والإمارات والبحرين، وفريق قطر، والفريق المحايد الذي يضم عمان والكويت) هو هل لا يزال مقبولا الدعوة إلى التكامل الذي مثاله الاكتفاء بوجود مصنع واحد في واحدة منها يتكامل مع المصانع الأخرى في الدول الأخرى ولا يتكرر؟

مثل هذه الدعوة كان يتحمس لها الكثيرون الذين كانوا يقولون مثلا إن وجود مصنع للألمنيوم في البحرين يكفي وإنه لا داعي لأن ينشأ مصنع آخر للألمنيوم في الإمارات أو غيرها. فهل لا يزال ممكنا الدعوة لهذا الأمر بعد الخلاف الذي حصل بين الأشقاء والذي تدفع كل المؤشرات إلى الاعتقاد بأنه في ازدياد وأن حله بات – في المنظور القريب على الأقل - صعبا ؟ السؤال في صيغة أخرى ؛ هل لا يزال ممكنا حصول التكامل بين دول مجلس التعاون بعد هذا الانشقاق الذي مثاله تعطل الكثير من أوجه التعاون وتعطل حتى الاجتماعات بين المسئولين إلا فيما ندر ؟ هل يمكن ذلك وهم لا يزالون في المشكلة؟ وهل يمكن أن يتحقق ذلك بعد الخروج من المشكلة ؟

التكامل في اللغة، الأشياء..»كمَّل بعضُها بعضًا بحيث لم تحتج إلى ما يُكمِّلها من خارجها»، والتَّكامُلُ الاقتِصادِيُّ هو «جَمْعُ كُلِّ مُكَوِّناتِ الاقْتِصادِ لِيُكَمِّلَ بَعْضُها بَعْضاً». والتكامل في عرف الاقتصاد هو «الجمعُ بين صناعات مختلفة يكمِّل بعضُها بعضًا، وتتعاون في الوصول إِلى غرضٍ واحد» وعكسه التنافس. لهذا يمكن طرح السؤال من جديد بصيغة جديدة ملخصها هو هل سيحل التنافس بين دول مجلس التعاون بدلا عن التكامل ؟ سواء تم حل المشكلة التي طرأت أم لم يتم ؟ وإذا كان التنافس هو الذي سيحدث نتيجة لتزايد الخلاف وتأثر الثقة فيما بين هذه الدول فإلى أي مدى ستتضرر الصناعات الخليجية بسبب التنافس فيما بينها؟
الطبيعي أن التنافس بين مصنعين في دولتين خليجيتين يتسبب في خفض سعر منتجيهما، فكيف بالتنافس بين عدد من المصانع توفر منتجا واحدا ؟ طبعا في حال استمرار الخلاف وتعاظمه يشك أن تشتري هذه الدول من بعضها البعض خصوصا مع توفر المنافس الخارجي الذي من الطبيعي أيضا أن يستغل الفرصة فيعمل جاهدا على الترويج لمنتجه. هذه الأسئلة وغيرها كثير تشاغب الخليجيين اليوم بكل فئاتهم، وواضح أن الغالبية غير متفائلة، خصوصا مع ازدياد الخلاف وعدم توفر أي مؤشرات تبعث على الاعتقاد بأن حلا ما يمكن أن يلوح في الأفق ويتسبب في إعادة الثقة فيما بين هذه الدول. ولأن الخلاف أخذ مناحي أخرى لذا فإن كل فريق، بل كل دولة من دول المجلس، ستبدأ التفكير في الاستقلال والابتعاد عن فكرة التكامل التي يصعب تطبيقها في مثل هذه الظروف (قطر مثلا أعلنت في أكثر من مناسبة قرارها الاعتماد على نفسها بإنشاء مصانع خاصة بها مباشرة بعد قرارها وقف الاستيراد من شقيقاتها في دول مجلس التعاون). هذا الأسئلة مؤلمة وجوابها أكثر إيلاماً لكن لا مفر من طرحها ولا مفر من التعامل مع الإجابات عنها بواقعية وبعيدا عن العواطف والمجاملات التي لا يمكن أن توصل إلى مفيد. أما المعنيون بمواجهة كل هذه الأسئلة وتوفير الإجابات عنها فهم، إضافة إلى الحكومات والوزارات ذات العلاقة، الجهات المعنية بالدراسات والبحوث وبالاقتصاد في مختلف دول مجلس التعاون وفي الأمانة العامة لمجلس التعاون التي عليها مسئولية التوفيق بين كل وجهات النظر والتقريب بين الدول الأعضاء، فهذا دورها وينبغي أن يكون مهمتها في هذه المرحلة.
الواقع يفرض قيام كل هذه الجهات بواجبها والتنسيق فيما بينها والبدء في عقد ندوات يشارك فيها المتخصصون الذين عليهم أن يعملوا من منطلق تذويب الخلافات وليس تعميقها بتبادل الاتهامات، كما يحدث عادة في مثل هذه الظروف كون أطرافها عرب. مثل هذه اللقاءات والندوات التي يفترض أن يشارك فيها كل من يمكنه المشاركة بعلمه وثقافته وخبرته ينبغي التعجيل بعقدها حيث التأخر في ذلك يعني استمرار المشكلة وازدياد تعقيدها.
كان التنسيق الأبرز بين دول مجلس التعاون منذ إنشاء هذه المنظومة التي صمدت نحو أربعين عاما هو التنسيق الأمني الذي تم تأسيس المجلس من أجله في الظروف التي تبعت قيام الثورة في إيران واشتعال الحرب العراقية الإيرانية، ورغم أن هذا الجانب بالغ الأهمية وتستفيد منه كل الدول الأعضاء في المجلس إلا أنه لا يمكن التقليل من شأن التنسيق الاقتصادي خصوصا في مثل هذه الظروف التي تعيشها دول المجلس. إن رفع شعار «الاقتصاد يوحدنا» أو «الاقتصاد يجمعنا» مثلا من شأنه أن يدفع في اتجاه بناء قواعد جديدة تحكم العلاقات بين دول المجلس، فالعلاقات الاقتصادية هي التي تفتح الأبواب على مصاريعها للتنسيق في مختلف المجالات الأخرى، وحرص الدول – أي دول – على اقتصادها وعلى العلاقات الاقتصادية التي تربطها بالآخرين يجعلها تتغاضى عن كثير من الأمور ومن أخطاء وتجاوزات الآخرين، كون المصلحة الاقتصادية هي الأهم.
ربما حان الوقت لتجربة التنسيق الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي واعتماده كأساس في العلاقة فيما بينها بدلا عن التنسيق الأمني الذي رغم كل شيء لا يمكن التقليل من أهميته ولا يمكن بالتأكيد إلغاءه، فمن دون التنسيق الأمني يتضرر التنسيق الاقتصادي، ومن دون التنسيق الاقتصادي تظل المشكلة العالقة عالقة.

كاتب بحريني