معدلات النمو العالمي

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٢/أكتوبر/٢٠١٨ ٠٨:٢٥ ص
معدلات النمو العالمي

محمد محمود عثمان

تقارير صندوق النقد الدولي يهتم بها جميع المستثمرين ورجال الأعمال والاقتصاديين، حتى لو تباينت الآراء حول مصداقيتها نظرا لاتهامها بالتسييس في كثير من الأوقات، لأسباب تتعلق بمصالح الدول المهيمنة على إدارة الصندوق وسيطرتها عليه، ففي آخر التقارير خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي لعامي 2019/‏2018، بسبب التوترات في مجال السياسة التجارية وفرض تعريفات جمركية على الواردات التي أثرت سلبا على التجارة.

فقد خفض صندوق النقد توقعاته للنمو في الولايات المتحدة لعام 2019 من 2.7 % إلى 2.5 % في الوقت الذي خفض فيه توقعاته للنمو بالصين من 6.4 % إلى 6.2 % وترك الصندوق توقعاته للنمو خلال 2018، للدولتين دون تغيير وهي 2.9 % للولايات المتحدة و6.6 % للصين، كما خفض الصندوق توقعاته للنمو بمنطقة اليورو في 2018 من 2.2 % إلى 2 % مع تضرر ألمانيا بشكل خاص بسبب تراجع في طلبيات التصنيع وحجم التجارة، ولكن بعد فترة قليلة حدث الصندوق لتوقعاته الاقتصادية العالمية، وذكر أنه يتوقع الآن نموا عالميا يبلغ 3.7 % في 2019/‏ 2018.

وشتان بين خفض توقعات النمو وزيادة النمو هكذا بين ليلة وضحاها، على الرغم من الأزمة الطاحنة التي تضرب الأسواق الناشئة، كما أبدى الصندوق تفاؤله حيال النمو الاقتصادي المصري، وأقر بأن معدل نمو اقتصاد مصر أكثر من ضعف المتوقع للشرق الأوسط، متوقعا أن ينمو الاقتصاد المصري بنسبة تبلغ 5.3 % في 2018 على أن ترتفع تلك النسبة إلى 5.5 % العام المقبل، فيما ينتظر أن يبلغ متوسط النمو نحو 6 % حتى 2023، نظراً لتوقعات تعافي القطاع السياحي وانخفاض البطالة لـ 9 %.
واستمرار تحسن الثقة جراء برنامج الإصلاح الطموح الذي تنفذه مصر بدعم من التسهيل الائتماني المدد الذي يقدمه الصندوق بقيمة 8 بلايين دولار على خمس سنوات، وبذلك يعطي الصندوق جرعة من التفاؤل حول معدل نمو الاقتصاد المصري، الذي يلتزم بتطبيق سياسات صندوق النقد والبنك الدولي، وبذلك يعطي الضوء الأخضر أمام الاستثمارات الأجنبية، ونأمل أن يكون ذلك صحيحا على أرض الواقع، خاصة أن التجارب السابقة أثبتت أن هذه السياسات تتسبب في ضعضعة الاستقرار الاجتماعي والسياسي، الذي يؤدي إلى إثارة القلاقل الاقتصادية، لذلك يتعرض الصندوق لانتقادات لكونه بطيئا جدا أو متحمسا جدا لمساعدة السياسات الوطنية الفاشلة، تبعا لرغبات الدول الكبرى - التي تهيمن على إدارة الصندوق - مثل الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا، ولا سميا أن البنك مقرض ضروري وملاذ أخير للدول التي تمر بأزمات وأنه يمكن أن يفرض إصلاحات ضرورية أو صعبة على الاقتصادات المتخلفة، تؤثر مباشرة على مستوى معيشة الأفراد، بعد أن تتفاقم المشاكل الاقتصادية، لأن صندوق النقد الدولي يطالب بصفة أساسية بتقليص النفقات الحكومية لتصحيح الموازنة العامة وتقليل فجوة العجز.

ولكن لهذه المطالب كلفة عالية في زيادة الفقر والأمية وتقليل النمو الاقتصادي على المدى البعيد، لأنها تؤدي إلى تقليص النفقات خاصة على قطاعات التعليم والصحة وبقية مشاريع البنية الأساسية، كما حدث مع اليونان والأرجنتين والبرازيل، ما أدى إلى تراجع الصندوق عن الكثير من مفاهيمه وأفكاره وتوصياته عندما فشلت في إنقاذ الدول المأزومة اقتصاديا، وكان رئيس الصندوق وقتها الاقتصادي الفرنسي «دومينك استراوس»، بعدما أخطأ الصندوق في حساب معامل نمو وكساد الاقتصاد وتأثيرهما في الاستثمار والاستهلاك، مما أدى إلى تراجع معدلات النمو وتفاقم الأزمات، والغريب أن هذه الأخطاء لم تجد من يحاسب الصندوق عليها، لأن برنامج صندوق النقد الدولي - في بعض الأحيان - قد يترك الدولة المقترضة فقيرة كما كانَت من قبل، لكن مع زيادة المديونيات، وخلق طبقة أكثر إثراء ورخاء.
حيث إن القروض التي تقدم من الصندوق إلى الدول يكون ضررها أكبر من نفعها، في حالات كثيرة خاصة التي توجه إلى الدول النامية، التي لم تحسن الاستفادة منها، وتستخدمها في تغطية الديون، وفي مشروعات استهلاكية، أو تهدر بسبب الفساد أوسوء الإدارة، على الرغم من أن لوائح الصندوق تنص على عدم تسبب القرض في مشاكل بالنسبة للدول وعدم ممارسة ضغوط على الدول المقترضة لإجبارها على تبني سياسات لا علاقة لها بالمشكلة الاقتصادية، ولكن هذه اللوائح يتم اختراقها في كثير من الأوقات ولم يتم الالتزام بها، والأخطر أن الصندوق ليس له خبرة كافية في التعامل مع المشكلات المختلفة للدول الأعضاء، حيث يعطي نفس التوصيات والنصائح لكل الدول، بدون مراعاة للتباين أوالاختلافات التي يتميز بها كل اقتصاد عن غيرة، إذ أنه لا يمكن أن تصلح كل الوصفات في علاج جميع الاقتصادات.