ارتفاع تكلفة التمويل المرتفع

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٢/أكتوبر/٢٠١٨ ٠٨:٢٥ ص
ارتفاع تكلفة التمويل المرتفع

هاورد ديفيز

مع تعثر مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تستخدم بلدان أوروبية أخرى فترة عدم اليقين بشأن التنظيم المستقبلي للأسواق المالية في القارة لجذب الشركات والأنشطة بعيداً عن لندن نحو المراكز المنافسة.

الفرنسيون نشطون بشكل خاص في دعم باريس، ولا تختلف فرانكفورت بشكل كبير، على الرغم من الدعم الفاتر من حكومة برلين، وقد وضعت مدن أخرى مثل لوكسمبورج ودبلن وأمستردام تدابير للترحيب بالشركات، ولم يحظى المصرفيون بشعبية مثيلة منذ أكثر من عقد من الزمان.

ولكن هل ترغب مدن أخرى في محاكاة لندن لتصبح مراكز مالية عالمية؟ هل تعرف ما هو جيد بالنسبة لها وللاقتصاديات الوطنية التي هي جزء منها؟
دفعت الأزمة المالية العالمية عام 2008 الكثيرين إلى إعادة التفكير في الإيجابيات والسلبيات. وبطبيعة الحال، فإن استضافة مركز مالي رئيسي أمر جيد بالنسبة لوكالات بيع سيارات بورش، وغيرها من أندية الترفيه، ويعتقد البعض أنه من الخطورة بمكان تجاهل العوائق التي تأثر على بقية الاقتصاد.
وقد وصف آندي هالدان، كبير الاقتصاديين في بنك انجلترا الصناعة المصرفية بأنها «صناعة ملوثة»، على الأقل جزئياً. وأضاف، «إن الخطر المنهجي هو منتج ثانوي ضار من شأنه أن يعرض الأبرياء للخطر داخل الاقتصاد الأوسع نطاقاً». وتواصل بعض البلدان، من بينها المملكة المتحدة، تحمل «التكاليف الاجتماعية للأزمات المصرفية عن عامة الناس».
ويعتقد الكثيرون أن الإصلاح التنظيمي، ولاسيما متطلبات رأس المال المتزايدة التي وضعتها لجنة «بازل» المعنية بالإشراف المصرفي على البنوك ذات الأهمية النظامية، قد قلل بشكل كبير من خطر تكبد تلك التكاليف.
وقد أظهرت الأبحاث أن ما يسمى بنسب رأس المال من الدرجة الأولى فوق 13 % يقلل من خطر انهيار البنوك بشكل كبير، ولا يمكن استبعاد الخطر بشكل نهائي، لكن اختبار الضغط الذي قام به المنظمون يُظهر أن معظم البنوك الكبرى يمكنها الآن مواجهة أزمات اقتصادية حادة للغاية.

ويشهد بنك انجلترا انكماشاً بنسبة 4.7 % في الناتج المحلي الإجمالي وانخفاضًا بنسبة 33 % في أسعار المنازل، وقد تمكنت البنوك من النجاة حتى الآن.

غير أن دراسات أخرى تشير إلى آثار جانبية سلبية أخرى ناتجة عن استضافة قطاع مالي ضخم. على سبيل المثال، أشار ستيفن تشيكتي وإينيسه خروبي من بنك التسويات الدولية (BIS)، إلى أن القطاع المالي الكبير يدمر الإنتاجية والنمو بشكل مفرط.
يكمن السبب وراء ذلك في تحريف تخصيص المهارات، إن القطاع المالي الذي يتحمل التكاليف أكثر من غيره، يحول مهارات نادرة عالية المستوى بعيداً عن مجالات الاقتصاد، والتي من شأنها أن تساهم أكثر في الإنتاجية. عندما كنت أشغل منصب مدير كلية لندن للاقتصاد، أدهشني حصول أكثر من 30 % من طلاب الدراسات العليا على وظائف مالية في غضون سنوات، رغم أن هذه المدرسة تقدم مجموعة واسعة من العلوم الاجتماعية والإنسانية، إلى جانب المالية والاقتصاد. كما تم إغراء العديد من خريجي الهندسة من كلية إمبريال في لندن من قبل البنوك الاستثمارية، التي دفعت لهم مبالغ باهظة لاختراع الهياكل المالية المتقنة بدلاً من الجسور أو الأدوات الآلية.
وينبع الأثر الجانبي السلبي الثاني، وفقا لتشيكتي وخروبي، من تفضيل التمويل المصرفي للاستثمار في العقارات، حيث تتوفر الضمانات الإضافية، بدلاً من تقييم الاستثمارات في الشركات القائمة على التكنولوجيا. تشير حساباتهم إلى أن التمويل في الاقتصاد بشكل مفرط، والذي يعد أقل بكثير من المستوى في المملكة المتحدة في السنوات الأخيرة، قد يعوق النمو.
تشير دراسات أخرى إلى أن التأثيرات السلبية تبدأ بالظهور عندما يتجاوز الائتمان للقطاع الخاص نسبة 80-100٪ من الناتج المحلي الإجمالي. خلال الأزمة المالية، كانت نسبة الائتمان في المملكة المتحدة تبلغ حوالي 180٪، وارتفعت إلى أكثر من 100 ٪ لبعض الوقت.

وفقا لدراسات أخرى فإن قطاعاً مالياً كبيراً قد يدعم سعر الصرف، مما يجعل الصادرات الأخرى أقل تنافسية.

تذهب المزيد من الأبحاث المثيرة للجدل التي نشرتها جامعة شيفيلد مؤخرًا إلى أبعد من ذلك، وكذلك محاولات لتقدير التكلفة الاقتصادية التي تكبدتها نتيجة تخصص بريطانيا في التمويل المرتفع.
ووفقا للإحصاءات التي توصل إليها الباحثون، تبلغ التكلفة حوالي 4.5 بليون جنيه إسترليني (أي 5.9 بليون دولار)، أو عامين من إجمالي الناتج المحلي بمستويات 2018، للفترة ما بين 1995 و 2015.
إذا كان هذا التحليل صحيحًا، فسيتعين نقل المصرفيين إلى باريس في قطارات يوروستار المستأجرة خصيصًا، والمُحكمة الإغلاق، لمنعهم من محاولة القفز قبل الوصول إلى نفق بحر المانش. قد يكون نقل شارع لومبارد إلى بوليفارد هوسمان أكثر فعالية من أي محاولات أخرى قمنا بها نحن الإنجليز لإلحاق الضرر بأقرب جيراننا على مر القرون.
لكن ما مدى قوة هذه الحسابات؟ يعتقد الكثيرون أنه مع التمويل، كما هو الحال مع السلع الفاخرة، يمكن الحصول على الكثير من الأشياء الجيدة. يشير التأثير المفترض على النمو إلى أن بعض الأشخاص المهرة من القطاع المالي سينتقلون إلى مجالات أخرى في الاقتصاد، بدلاً من إتباع وظائف التمويل في كل مكان. ليس هناك ما يضمن حدوث ذلك، أو أن العمالة التي فُقدت من خلال تحركات القطاع المالي سيتم تعويضها بالنمو في أماكن أخرى. لقد كان أداء التصنيع في المملكة المتحدة أقل من غيره لأسباب مالية، بما في ذلك سوء الإدارة وعلاقات العمل السيئة.
ومع ذلك، يبدو أن المملكة المتحدة على وشك الدخول في تجربة واقعية لتحليل هذه النظريات، ما لم يكن هناك اختراق مفاجئ في مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتي ستُسفر مستقبلا عن نظام تجارة حرة لكل من الخدمات والسلع، فإن انتقال النشاط المالي إلى القارة، وإلى أيرلندا، سيحدث مع مرور الوقت، عند حدوث ذلك، يجب علينا أن نأمل أن خبراء الاقتصاد في بنك التسويات الدولية، الذين كانوا موضعا للسخرية في لندن عندما كانت في حالة ازدهار، ليسوا مخطئين تماماً.

رئيس مجلس إدارة بنك اسكتلندا الملكي