نهاية عدم الانحياز الإسكندنافي

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٣/أكتوبر/٢٠١٨ ٠٩:٤٣ ص
نهاية عدم الانحياز الإسكندنافي

كارل بيلدت

منذ ترجلت القوافل العسكرية القادمة من مختلف دول منظمة حلف شمال الأطلسي من سفنها الراسية في غرب السويد، تكتظ الشوارع السويدية بهذه القوات إلى الحد الذي دفع الشرطة إلى إصدار التحذيرات المرورية. والآن، تنطلق هذه القوات إلى النرويج، حيث من المقرر أن يجتمع نحو 50 ألف جندي، وطيار وملاح جوي، وبحار، في إطار أكبر مناورة عسكرية لحلف شمال الأطلسي منذ سنوات. والهدف الواضح من هذه العملية (Trident Juncture) هو إثبات قدرة الحلفاء على الدفاع عن النرويج ضد أي معتد أجنبي.

ولا نحتاج لتسمية المعتدي المحتمل بطبيعة الحال. فمن الواضح أنه ليس السويد أو فنلندا، فقد ساهمت كل من الدولتين بجنود في التدريب. خلال الحرب الباردة، خضعت فنلندا لضغوط سوفييتية مع سعي الكرملين إلى توسيع حيز المناورة المتاح له. لكنها ظلت ثابتة دوما على التزامها بالدفاع عن هويتها الشمالية والغربية.

على نحو مماثل، امتنعت السويد عن الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، نظرا لحيادها الجيوسياسي القديم، وانطلاقا من التضامن مع الفنلنديين. ورغم انضمام الدنمارك والنرويج إلى الحلف فقد اختارت كل منهما الامتناع عن استضافة أي قوات أجنبية في وقت السلم. لكن في السنوات الأخيرة، تغير المشهد الأمني في شمال أوروبا. ففي الرد على النزعة التحريفية العدوانية الروسية، قرر حلف شمال الأطلسي نشر مجموعات قتالية تتألف من كتائب في إستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا، فضلا عن أسراب من القوات الجوية لحراسة سماء هذه الدول. وفي كل من السويد وفنلندا، يتزايد الإنفاق على الدفاع.
الواقع أن شراكة السويد المتزايدة العمق مع حلف شمال الأطلسي بعيدة كل البعد عن عقيدة عدم الانحياز في حقبة الحرب الباردة. ففي ذلك الحين، كان رُعاة الحياد ليعترضوا بشدة على أي تلميح إلى التعاون مع حلف شمال الأطلسي والغرب على أنه عمل من أعمال الخيانة. وكانت الاستراتيجية تتلخص في إقناع الكرملين بأن لا شيء من هذا القبيل قد يحدث أبدا. ولكن بالطبع، كان كل ذلك مجرد تمثيلية. فقد جند الاتحاد السوفييتي ما يكفي من الأصول العالية المستوى في الحكومة السويدية لاكتشاف روابطها السرية مع الغرب. وأيا كان ما سيق الشعب السويدي إلى تصديقه حول حياد البلاد، فقد أدرك السوفييت أن ذلك كان كذبا. والآن انتهى الخداع: فقد أصبح التكامل العسكري الكامل مع منظمة حلف شمال الأطلسي قاب قوسين أو أدنى. ومع ذلك، تظل العضوية الكاملة في الحلف قضية مثيرة للجدال في السويد. في الأيام الخوالي، كانت السياسة الخارجية التي تنتهجها السويد ممزقة بين نهجين مختلفين تمام الاختلاف. فمن ناحية، كانت السويد ناشطة منفتحة على الخارج، وتبدو أقرب إلى منظمة غير حكومية من كونها دولة قومية؛ ومن ناحية أخرى، حافظت على سياسة «أمنية عميقة» مفرطة الواقعية، وإن كان الحديث عنها يدور دوما بصوت خافت من وراء الأبواب المغلقة. وحتى يومنا هذا، يقف نفس الصِدام بين الثقافات في طريق أي مناقشة عقلانية حول السياسة الأمنية. أما عن فنلندا، فإنها كانت دوما تتبنى العديد من التوجهات الثانية، لكنها لم يكن لديها أي توجه أول تقريبا. وفي غياب أي قدر يُذكَر من الخلاف الداخلي، فإنها كانت قادرة على التكيف مع الحقائق الجيوسياسية الجديدة بسهولة أكبر كثيرا. على سبيل المثال، أعلنت فنلندا بوضوح أنها تعتبر الالتحاق بعضوية منظمة حلف شمال الأطلسي خيارا مهما لسياستها الأمنية، وهو الأمر الذي لم يكن يسار الوسط السويدي على استعداد لتقبله بعد.
ورغم ذلك، مع التدريب العسكري المرتقب، سوف يرى السويديون لواء بقيادة سويدية (يضم وحدات سويدية وفنلندية) ينضم إلى قوات حلف شمال الأطلسي في إطار تدريب دفاعي واسع النطاق. وسوف يشهدون المدى الذي أصبحت عليه بالفعل القوات الجوية السويدية والفنلندية والنرويجية من التكامل. وسوف يراقبون فنلندا وهو تقود تدريبات بحرية في بحر البلطيق.
في السنوات المقبلة، سوف تستمر السويد في الاقتراب من حلف شمال الأطلسي. وسوف تؤدي التدريبات المشتركة إلى تنسيق عملياتي أعمق وإنشاء قدرات ردع مشتركة لمنطقة شمال أوروبا وبحر البلطيق بالكامل.
من المؤكد أن التعبئة اليوم ليست مدفوعة بتهديد شديد من روسيا. لكن الجهود العدوانية القوية التي تبذلها روسيا لتحديث مؤسستها العسكرية تتطلب أن يعكف الغرب على زيادة قدراته الدفاعية في المنطقة. ويتعين علينا أن نبعث برسالة واضحة مفادها أن أعمال العدوان الانتهازية لن تمر بلا رد، سواء الآن أو في المستقبل. ومن خلال الاستعدادات الدفاعية اللائقة يصبح بوسعنا أن نضمن السلام والاستقرار في المنطقة، وهو شرط أساسي مسبق للتقدم نحو علاقة بنّاءة مع روسيا في الأمد البعيد.

وزير خارجية السويد في الفترة من 2006 إلى 2014

ورئيس الوزراء من 1991 الى 1994