دروس عن الإيدز والسل

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٩/نوفمبر/٢٠١٨ ٠٥:٠٥ ص
دروس عن الإيدز والسل

إليزابيث رادين
مريم ربكن
وفاء الصدر

لقد أضحت الصحة العالمية مرة أخرى قضية أساسية. في سبتمبر، عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعين رفيعي المستوى -أحدهما بشأن القضاء على مرض السل (TB)، والآخر بشأن مكافحة الأمراض غير المعدية (NCDs). كانت هذه هي المرة الأولى التي قامت فيها الأمم المتحدة بإدراج أزمتين صحيتين ضمن جدول أعمالها السنوي.
ولكن مع انتهاء هذه المناقشات، يجب أن يركز المجتمع الصحي العالمي على ضمان الالتزامات السياسية اللازمة للحفاظ على التنسيق والتخطيط الدوليين. أحد النماذج الجديرة بالمحاكاة في مكافحة مرض السل والأمراض غير المعدية هو نموذج مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية.
اليوم، يتم علاج نحو 22 مليون شخص مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية. ونتيجة لذلك، انخفض عدد الأشخاص الذين يموتون بسبب الإيدز سنوياً إلى النصف -من 1.9 مليون في العام 2003 إلى 940.000 في العام 2017- في حين انخفض معدل الإصابات الجديدة بمقدار النصف تقريبا في العديد من البلدان الأكثر تضررا من هذا الوباء. يمكن بذل جهود كبيرة للسيطرة على السل والأمراض غير المعدية -التي تُشكل عبئاً ثقيلاً على البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط مثل فيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز- من خلال الاستفادة من دروس الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية وعلاجه.
هناك ثلاثة دروس أساسية. أولاً، مع استمرار نجاح محاربة داء نقص المناعة، واجهت الجمعية العامة للأمم المتحدة التحدي المزدوج المتمثل في ضم المجتمعات النائية مع الاستمرار في دعم عدد متزايد من المرضى الذين يتلقون العلاج. وتحقيقا لهذه الغاية، تم تطوير برامج فيروس نقص المناعة البشرية لتقديم الخدمات بناء على تفضيلات المرضى. وقد نجح هذا النوع الجديد من نماذج الرعاية في تخفيف العبء على عدد كبير من المرضى وعلى المرافق الصحية والعاملين الصحيين.
على سبيل المثال، في العديد من البلدان، يمكن للمرضى، الذين يحظون بظروف صحية مستقرة والذين يترددون في زيارة مقدمي الرعاية الصحية في كثير من الأحيان، الحصول على إمدادات من الأدوية لعدة أشهر. في جنوب إفريقيا، يتلقى حوالي 4.3 مليون شخص مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية العلاج، ويمكن استكمال العقاقير التي تستلزم وصفة طبية عن طريق آلات البيع التي يديرها الصيادلة.
يمكن اتباع نهج مماثل لمكافحة السل والأمراض غير المعدية. بالنسبة لمرض السل، قد يعني هذا أن المرضى الذين يلتزمون بالعلاج ولا تظهر عليهم أية علامات على مقاومة الأدوية، يمكن أن يمددوا وقت إعادة الفحص، في حين أن المرضى الذين لديهم آثار جانبية أو يحتاجون إلى علاج معقد يمكنهم تلقي المزيد من العناية المركزة. وبالمثل، فاٍن المرضى الذين يعانون من الأمراض غير المعدية الخاضعة لسيطرة جيدة والذين لا تظهر عليهم أية أعراض ويستجيبون بشكل جيد للأدوية قد يحتاجون فقط إلى العلاج في بعض الأحيان في مرفق الرعاية الصحية، وقد يستفيد من يعانون من حالات أكثر تعقيدًا من المراقبة الطبية والاستشارة بشكل مستمر.
ثانيا، نجحت برامج مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية جزئيا من خلال أهداف "سلسلة الرعاية" -بدءا من التشخيص إلى العلاج. على سبيل المثال، ساعدت الأهداف "90-90-90" التي حددها برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز في التركيز على الاستجابة العالمية للإيدز -حيث تم تشخيص 90% حالة إصابة بفيروس نقص المناعة البشرية، و90% من المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية يتلقون العلاج و90% من الذين يتلقون العلاج في حالة مستقرة. في الواقع، تشير النماذج إلى أنه في حالة تحقيق هذه الأهداف، لن يكون فيروس نقص المناعة البشرية خطراً على الصحة العامة بحلول العام 2030.
إن تحديد الأهداف مهم للغاية في قياس التقدم وتحديد الفجوات في التغطية. على سبيل المثال، في العديد من البلدان، تكمن أكبر فجوة في تغطية خدمات فيروس نقص المناعة البشرية في التشخيص، خاصة بالنسبة للرجال والشباب. ونتيجة لذلك، تُقدم العديد من البرامج الآن خيارات جديدة للوصول إلى هذه المجموعات، مثل الاختبار السري في مكان العمل والاختبار الذاتي.
وأخيراً، حققت الجهود الرامية لمكافحة الإيدز تقدما ملحوظا نتيجة للدعم القوي والتعاون الذي أعاد تشكيل الأسواق لبرامج التشخيص والعلاج. من خلال معرفة الأدوية اللازمة، وتجميع الطلبات، وتعزيز المنافسة، إلى جانب الدعوة المكثفة، تمكن صنّاع السياسات ومقدمو الخدمات من ضمان كفاءة السوق. وقد سمحت وفورات الحجم الناتجة للمزوّدين بالانتقال من الحلول ذات الحجم الكبير والهامش المرتفع إلى نماذج الربح ذات الحجم الكبير والهامش المنخفض. ونتيجة لذلك، خفضت هذه الجهود تكلفة العلاج السنوي لفيروس نقص المناعة البشرية من أكثر من 10.000 دولار لكل مريض في العام 2001 إلى أقل من 100 دولار في العام 2016.
وبالمثل، سيتطلب التحكم في مرض السل والأمراض غير المعدية ضمان وصول المرضى إلى الأدوية بسهولة وبأسعار معقولة. في حين أن مكافحة السل قد عززت الشراكات الإستراتيجية لتوسيع التغطية، لا تزال هناك فجوات كبيرة، والتي تتمثل في توفير العلاج للأطفال والمرضى الذين يعانون من السل المقاوم للأدوية. بالنسبة للأمراض غير المعدية، بذلت شركات مثل شركة نوفارتيس وشركة فايزر وشركة صناعة الأدوية الهندية "سيبلا" جهودًا جبارة لتقديم أدوية بأسعار معقولة للمرضى في إفريقيا. ولكن في حين أن التبرعات قد تساعد في تحفيز الطلب الأولي، ستكون هناك حاجة إلى نهج مقاربة السوق لتحقيق تخفيضات في الأسعار.

إليزابيث رادين: محاضرة في علم الأوبئة والمديرة الفنية لمشروع PHIA في معهد الصحة العالمي بجامعة كولومبيا.
ميريام رابكين: أستاذة الطب وعلم الأوبئة، ومديرة استراتيجيات النظم الصحية في معهد الصحة العالمي في جامعة كولومبيا.
وفاء الصدر: أستاذة علم الأوبئة والطب ومديرة المعهد في جامعة كولومبيا.