ماكرون يقيس «السترات الصفراء»

الحدث الخميس ٢٩/نوفمبر/٢٠١٨ ٠٣:٣٤ ص
ماكرون يقيس «السترات الصفراء»

باريس - وكالات

ردا على احتجاجات «السترات الصفراء»، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطاب مطول عن حوار مجتمعي شامل لتوضيح أهمية الانتقال البيئي. كما أشار ماكرون إلى «ضريبة أكثر ليونة»، تتم مراجعتها كل ثلاثة أشهر لتتجاوب مع تغيّرات أسعار النفط العالمية. كما أعرب الرئيس الفرنسي عن تفهمه «لحالة الغضب» لدى الفرنسيين، مشددا في الوقت نفسه على أنه «لن يتنازل في مواجهة الذين يهدفون للتخريب». والاحتجاجات الحالية هي نتاج فاتورة 40 عاما من الإجراءات التصحيحية المتعاقبة التي يدفعها الفرنسيون. وقد رأت حركة «السترات الصفراء» النور على يد مواطنين عاديين عبّروا عن تذمرهم من زيادة رسوم الوقود، وسرعان ما تحوّلت لحركة احتجاج شعبية عمت مختلف أنحاء البلاد تجاوزت أكثر من 2000 تجمع، دعت للخروج في مظاهرات، إضافة إلى قطع الطرقات لشل حركة البلاد. وشهدت باريس السبت الفائت تحولا في حركة الاحتجاج بعدما تخللتها اشتباكات ومناوشات عنيفة بين قوات الأمن وآلاف المتظاهرين الذين وفدوا من كل المدن الفرنسية إلى باريس للتنديد بفرض الحكومة سلسلة من الضرائب باتت تثقل كاهل المواطن الفرنسي.

مواجهة التغيّر المناخي

وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطاب الثلاثاء إنشاء مجلس أعلى للمناخ، مشيرا إلى أن فرنسا لم تقم إلا بالقليل في مواجهة التغيّر المناخي وأن الأجيال المقبلة سيتحمّلون عبئا بيئيا.
وشدد ماكرون على أن إحداث التغيير لن يتم إلا من خلال الالتزام بالمسؤوليات وما تم التعهد به خلال الحملة الانتقالية، مشيرا إلى أن ضريبة الكربون تم اعتمادها عام 2009 و2014 و2015.
وتابع ماكرون قائلا: «كيف يمكننا أن نقول لأولادنا إنهم يستنشقون هواء ملوثا بسبب سياساتنا؟ من مسؤوليتي ضمان الانتقال البيئي وهذا له كلفة، علينا أن نخرج من الوقود الأحفوري».
وأوضح الرئيس الفرنسي أهمية الخروج من استخدام الوقود الأحفوري ودور ذلك في التقليل من انبعاث الغازات الدفيئة، مشددا على أن التحول البيئي يحتاج نهجا وتحالفا أساسه المجتمع. وتابع ماكرون: «أهم مصادر الطاقة الأحفورية هو النفط، وبالتالي يجب أن نقترح الانتقال بصورة جماعية، ندعو إلى استخدام سيارات كهربائية (...) مشروع القانون المتعلق بالتنقل والذي طرح أمس أمام مجلس الوزراء يناقش هذا الاحتمال. قدمنا علاوة لمن يقوم بشراء سيارات أقل تلوثا».

أتفهم الغضب

وحول الاحتجاجات التي شهدتها فرنسا خلال الأسبوعين الفائتين، قال ماكرون «هناك حركة احتجاجية انطلقت منذ عدة أسابيع، أفضت إلى مظاهرات مهمة ولكن أيضا إلى أعمال عنف غير مقبولة. وأنا لا أخلط بين أعمال العنف والتظاهرات. وبين المتظاهرين ومن يقومون بأعمال عنف. أتفهم مخاوف من يقول إن الفرنسيين يدفعون ضريبة الانتقال البيئي دون أن يروا نتيجة ذلك». ودعا ماكرون إلى وضع آلية من شأنها تقديم حلول ملموسة وفقا للمناطق الفرنسية وخصوصية كل منها، قائلا: «يحب أن يتفاعل الجميع في وضع هذه الآلية، بما في ذلك محتجو السترات الصفراء». وأوضح أن رئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب سيقوم بإعداد منهجية للتشاور لإيجاد حلول مناسبة حسب طبيعة كل منطقة، مشيرا إلى أن ارتفاع ضريبة الوقود تم الإعداد لها في السنوات الفائتة، ولكن واكب الإعلان عن ذلك ارتفاع أسعار النفط على المستوى العالمي في الوقت الحالي.
وأعلن ماكرون عن آلية تسمح أن تكون الضريبة أكثر ذكاء وليونة، بحيث تتم مراجعة قيمتها على الوقود كل ثلاثة أشهر للتوافق مع أسعار النفط.
وقال الرئيس الفرنسي إنه «يستمع للغضب وهو مشروع. ولكن يجب أن نوضح الحلول البديلة للمواطنين. المواطنون يعبّرون عن آلامهم، ولذلك ينبغي لنا خلال 3 أشهر بناء حلول ملموسة بالتعاون مع السلطات المحلية المختلفة. سنقدم خلال الأشهر الثلاثة المقبلة حلولا بعد إجراء حوار مجتمعي شامل». وشدد على أنه «لن يختبئ» أمام الالتزامات السابقة، بالرغم من تفهمه لحالات الغضب، مشيرا إلى أن ما نلمسه هي نتائج الانتقال البيئي. وقال: «علينا تحديد ميزانيات خاصة لمواجهة ذلك. هذه الأزمة لا تمر فقط بسعر الوقود، وأنا أعترف أنني أتشاطر كل مشاعر الغضب التي تم التعبير عنها. لن أكون ضعيفا أمام أعمال العنف».

يوم السبت

استفاق الفرنسيون في الساعة السابعة والنصف من صباح اليوم السبت على انطلاق إضراب حركة «السترات الصفراء»، التي ستقيم آلاف التجمعات في المناطق الفرنسية المختلفة، احتجاجاً على رسوم المحروقات وتراجع القدرة الشرائية للفرنسيين. الحركة التي تهدّد بشل طرقات فرنسا تثير مخاوف الحكومة بسبب تعبيرها عن حالة الغضب الواسعة بين المواطنين حول الرسوم التي تم فرضها على المحروقات، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار خلال عام واحد بنسبة 23% على الديزل و14% على البنزين، وذلك وسط إعلان الحكومة عن نيتها رفع الرسوم مجدداً في مطلع 2019.

فما هي الحركة؟

ولدت حركة السترات الصفراء رسمياً في نهاية شهر أكتوبر الفائت، وقبل ذلك، أطلقت الحركة في مايو عريضة رافضة لرسوم المحروقات ولتراجع القدرة الشرائية للفرنسيين، وجمعت حوالي 850 ألف توقيع. وانتشرت الحركة الاحتجاجية على وسائل التواصل الاجتماعي، مع إطلاق صفحات تدعو إلى التحرك في الشارع، وصولاً إلى إنشاء موقع إلكتروني باسم «السترات الصفراء» جمع ما بين الإعلان عن أسباب الاحتجاج ومقاطع فيديو من الناس الذين يعانون من مشكلات بسبب السياسات الاقتصادية للحكومة.

ما هي رسوم المحروقات؟

تستفيد الحركة من تراجع شعبية رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون، في استطلاعات الرأي، وارتفاع السخط الاجتماعي من القرارات الاقتصادية التي تتخذها حكومة إدوارد فيليب، وخصوصاً تلك المرتبطة بزيادة أسعار المحروقات. الضرائب المحصلة على بيع الوقود هي: ضريبة الاستهلاك المحلي على منتجات الطاقة (TIPCE)، التي تطاول الكميات المشتراة من المحروقات، وهي غير مرتبطة بسعر النفط العالمي. وتزداد هذه الضريبة على الديزل كل عام بهدف جعل ضرائبه أقرب إلى البنزين وهناك ضريبة القيمة المضافة المحسوبة على شراء المحروقات.

لماذا سُمّيت بالسترات الصفراء؟

أطلق المحتجون على أنفسهم اسم «السترات الصفراء» لأنهم يرتدون سترات الفلورسنت التي يجب على جميع السائقين الفرنسيين الاحتفاظ بها في سياراتهم في حالة حدوث مشكلات في السيارة.
هذه السترة إلزامية في فرنسا في جميع المركبات التي تحتوي على اثنين أو ثلاث عجلات آلية أو دراجة رباعية. ويضعها المحتجون على لوحة القيادة للتعبير عن أنهم مشاركون في التحرك.

ما هو حجم تأييد هذه الحركة؟

نشر موقع «ذا لوكال» الفرنسي يوم السبت تقريراً أشار فيه إلى أن المحللين يعتبرون أن الحركة الآن تمثل إحباطاً واسعاً ومتزايداً بشأن القدرة الشرائية الراكدة في عهد ماكرون، وهو مصرفي ومستثمر سابق وعد بالانتعاش الاقتصادي واستعادة ثقة الناس بالحكومة. ويتهمه منتقدوه بتجاهل احتياجات الفقراء والمقاطعات، لصالح التخفيضات الضريبية للطبقة الثرية وغيرها من السياسات التي تساعد بشكل رئيسي سكان المدن ذوي الإمكانات العالية. وأظهر استطلاع للرأي أجراه معهد إيلابي هذا الأسبوع أن 73 في المئة من المشاركين في الاستطلاع أيّدوا «السترات الصفراء»، بينما 70 في المئة أرادوا أن تلغي الحكومة رفع ضريبة الوقود، التي من المقرر أن تستمر حتى العام 2022. وقال فينسنت تيبو، كبير الباحثين في إيلابي: «حتى 54 في المئة من الأشخاص الذين صوّتوا لصالح ماكرون يدعمون هذه الحركة». وشرح أن «السخط بشأن القوة الشرائية واسع، وهو ليس مجرد أمر يتعلق بالمجتمع الريفي أو الطبقات الدنيا». وقد رفض قادة الحركة أي تحالف مع الأحزاب السياسية أو النقابات العمالية، في حين أن نسبة التأييد لماكرون عالقة عند نحو 30 في المئة في استطلاعات الرأي المختلفة، ورغم الإعفاء من ضريبة الأجور الذي بدأ الشهر الفائت وتخفيضات ضرائب الإقامة، فإنه لا يزال ينظر إليه على نطاق واسع على أنه «رئيس الأغنياء».
وقالت سانت ماري لـ«ذا لوكال» إن «إيمانويل ماكرون يواجه مشكلة حقيقية مع الناس العاديين. إنه يمثل النخبة الاجتماعية والفكرية في باريس التي ترسل صورة سلبية للغاية».