أطفال يصارعون الموت

الحدث الثلاثاء ٠٤/ديسمبر/٢٠١٨ ٠٤:٤٨ ص
أطفال يصارعون الموت

الخوخة (اليمن) - أ ف ب

أمام مستشفى الخوخة اليمني في المديرية الخاضعة لسيطرة القوات الموالية للحكومة، ينتظر 20 طفلا دورهم للدخول والحصول على العلاج لمنع تفاقم سوء التغذية الذي يعانون منه، بينما يواجه المركز الصحي صعوبات في التعامل مع كثرة الحالات. ويقع المستشفى على بُعد نحو 100 كلم جنوب مدينة الحديدة غرب اليمن، في وسط الخوخة التي استعادتها القوات الموالية للحكومة من أيدي أنصار الله قبل نحو عام بعد معارك طاحنة، لتتحوّل بعدها إلى مقر عسكري لهذه القوات.

دعم التحالف

ويتلقى المستشفى وهو المركز الصحي الرئيسي في المديرية التي يسكنها نحو 30 ألف شخص، مساعدات وأدوية وعلاجات غذائية من قبل دول التحالف العسكري الذي يساند القوات الحكومية، وكذلك من الأمم المتحدة. لكن رغم هذه المساعدات، يواجه المستشفى صعوبات في التعامل مع أعداد الحالات التي تأتي من مناطق أخرى قريبة تشهد معارك. وقال الطبيب عبدالله زهير قرب إحدى غرف المستشفى «نأخذ أرقام هواتف الحالات التي تصل ولم تجد سريرا فارغا للعلاج. وعند خروج حالات أخرى، نقوم بالتواصل معهم ليعودوا لتلقي العلاج».

لا ابتسامات

عند مدخل المستشفى، لا يبتسم أي من الأطفال العشرين في انتظار دورهم، وتبدو وجوههم مرهقة فوق أجساد نحيلة تكاد تعجز حتى عن الجلوس بشكل مستقيم فوق الرصيف المحاذي لمدخل المستشفى. ومن بين هؤلاء طفل ارتدى قميصا أرجواني اللون فوق قميص آخر أبيض ومتسخ، يهزّ رأسه لا إراديا يمينا ويسارا، ببطء وباستمرار، وإلى جانبه امرأة منقّبة وفي حضنها طفلة رضيعة على وشك أن تغفو لكنها تبدو عاجزة عن ذلك.
والأطفال أمام مستشفى الخوخة هم من بين 14 مليون شخص يواجهون، بحسب الأمم المتحدة، خطر المجاعة في ظل حرب مدمّرة بين قوات موالية لحكومة معترف بها ودوليا ومعارضين لها، تمزّق أفقر دول شبه الجزيرة العربية منذ أكثر من أربع سنوات.

أعداد متزايدة

بحسب مدير مستشفى الخوخة الطبيب يحيى زهير، فإن المركز الصحي هذا يستقبل يوميا أعدادا جديدة من حالات سوء التغذية. وقال «نستقبل عددا كبيرا داخل المركز، ومعظم الحالات التي تأتي إلينا هنا تعاني من سوء تغذية وخيم»، مضيفا أن المركز يحتوي على 7 غرف بها أسرّة «وهذا لا يفي بالغرض المطلوب».
في داخل المستشفى، تقوم طبيبات وممرضات على مدار الساعة بتفقد أوزان الأطفال، وبقياس قوّة عظامهم، أو بمحاولة تقديم العلاج لسوء التغذية الذي يعانون منه عبر الحقن بعدما بات بعضهم يعجز عن المضغ. وطُليت إحدى الغرف المخصصة للأطفال باللونين الزهري والأزرق، وبرز على أحد جدرانها رسم ضخم لشخصية «سبونج بوب» الكرتونية المحبّبة لدى الأطفال. وجلست ثلاث أمّهات منقّبات فوق ثلاثة أسرّة في الغرفة، وفي حضن كل منهن طفل يعاني من سوء التغذية.

خمسة كيلوجرامات ونصف

من بين الأطفال الثلاثة، يحيى الذي يبلغ من العمر سنة ووزنه خمسة كيلوجرامات ونصف. وجاء يحيى مع أمه من مديرية التحيتا القريبة التي تشهد باستمرار معارك بين القوات الحكومية والمعارضين لها.
وكلّما بكى يحيى، نتأت عظام صدره أكثر، وحاولت والدته أن تهدّئه بانتظار حصوله على العلاج الغذائي. وقبل تناوله العلاج، تدخل ممرضة إلى الغرفة وتقوم بقياس طول ذراعه وعرضها وهو جالس في حضن أمه يبكي وقد غطى وجهه بنقاب والدته التي وضعت ذراعا على السرير وذراعا خلف ظهره النحيل.
وتقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف» إن نحو نصف اليمنيين الذين يعانون من سوء التغذية هم من الأطفال.
ويعتمد نحو 22 مليون يمني من بين 27 مليونا على المساعدات الغذائية للبقاء على قيد الحياة، وسط معارك مستمرة آخرها في مدينة الحديدة باتت تهدّد حركة ميناء المدينة الذي يعتبر شريان حياة لملايين السكان.

إنهاء النزاع

وتأمل الأمم المتحدة بعقد محادثات سلام في السويد قبل نهاية العام لإنهاء نزاع قتل فيه نحو عشرة آلاف شخص منذ تدخل التحالف العربي في مارس 2015 دعما للقوات الحكومية في مواجهة قوات أنصار الله اليمنية والقوات المتحالفة معهم.
لكن بينما تتواصل جهود الأمم المتحدة لعقد المفاوضات، يواجه يوميا مزيد من اليمنيين خطر الموت جوعا، وتزدحم المستشفيات بالمرضى وبالأطفال خصوصا، وبينها مستشفى الخوخة الذي يعمل دون توقف على منع تفاقم حالات الأطفال الذي يعانون من سوء التغذية. وقال يحيى زهير «نناشد الجميع (...) أن يتدخلوا بشكل عاجل». وقُتل نحو عشرة آلاف شخص في النزاع اليمني منذ بدء عمليات التحالف، بينما تهدّد المجاعة نحو 14 مليونا من سكان البلاد.

إجلاء جرحى

من جانب آخر وصلت طائرة تابعة للأمم المتحدة الاثنين إلى العاصمة اليمنية صنعاء لإخلاء 50 جريحاً من مقاتلي أنصار الله إلى مسقط في خطوة تندرج في إطار «بناء الثقة» تمهيدا لمفاوضات السلام المتوقعة في السويد. وأعلن التحالف العسكري في بيان ليل الأحد/ الاثنين أن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن جريفيث طلب منه «تسهيل إجراءات إخلاء 50 من الجرحى مقاتلي أنصار الله والقوات المتحالفة معهم إلى مسقط لدواع إنسانية وضمن إطار بناء الثقة بين الأطراف اليمنية للتمهيد لمفاوضات السويد التي يرعاها جريفيث. وأضاف البيان الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس) أن «طائرة تجارية تتبع للأمم المتحدة ستصل الاثنين -أمس- إلى مطار صنعاء لإخلاء الجرحى المقاتلين» الخمسين إلى العاصمة العمانية، وسيرافقهم «50 مرافقاً و3 أطباء يمنيين وطبيب يتبع للأمم المتحدة».
ويعتبر ملف الجرحى من مقاتلي أنصار الله والقوات المتحالفة معهم أساسياً في الجهود الرامية لعقد مفاوضات سلام بين أطراف النزاع اليمني.