هدوء مؤقت

الحدث الاثنين ١٠/ديسمبر/٢٠١٨ ٠٤:٥٨ ص
هدوء مؤقت

باريس - وكالات

هتف بعض المتظاهرين في باريس «الطقس سيئ، تماماً كهذه الحكومة» هؤلاء المتظاهرين والمحتجين تدفّقوا على باريس من كافة أرجاء فرنسا، رغم دعوات الحكومة للمواطنين لعدم المشاركة في هذه التظاهرات التي بدأت ضد رفع أسعار الوقود قبل أن تتحوّل لثورة غضب ضد سياسات ماكرون المتّهم بالانحياز للأغنياء على حساب الفقراء.

ورغم الإجراءات الأمنية غير المسبوقة أضرم المتظاهرون النار في سيارات ومتاريس أقاموها بما تيسر لهم، كما حطّموا واجهات محال تجارية في وسط المدينة التي جابتها العربات المدرّعة طيلة النهار.

واشتبكت قوات مكافحة الشغب في باريس السبت مع متظاهري حركة «السترات الصفراء» الذين أقاموا متاريس وأضرموا النيران ورشقوها بالحجارة في يوم جديد من الاحتجاجات العنيفة المناهضة لسياسات الرئيس إيمانويل ماكرون، لكن العاصمة تجنّبت على ما يبدو، بفعل الانتشار الأمني المكثف، أعمال العنف واسعة النطاق التي شهدتها الأسبوع الفائت.
وفيما كانت الشرطة تطلق قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين كان هؤلاء يردّدون «ماكرون تنحَّ»، في صدامات دارت بين الطرفين قرب جادة الشانزليزيه التي شهدت السبت الفائت أسوأ أعمال شغب في باريس منذ عقود. وارتفعت أعمدة من الدخان الأسود الكثيف في سماء المدينة. وتعهدت الحكومة الفرنسية باتّباع سياسة «لا تسامح» مع الفوضيين والمخرّبين الذين يحاولون استغلال التظاهرات. وهنّأ رئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب الشرطة على ما قامت به السبت، وتعهّد أن تعالج الحكومة مخاوف المواطنين بخصوص ارتفاع كلفة المعيشة.

دعوة للحوار

وقال فيليب في بيان متلفز إنّ «الحوار بدأ ويجب أن يتواصل»، مؤكِّداً أن «الرئيس سيتحدّث وسيقدّم إجراءات ستغذّي هذا الحوار».

وفي حي التسوّق الشهير «غران بولفار» رمى متظاهرون مقنّعون الحجارة على عناصر الشرطة، وأضرموا النيران في متاريس أقاموها سريعاً من حاويات القمامة وأشجار الكريسماس.
وأصيب عدد من الصحفيين خلال التظاهرات في باريس حيث تعرّض ثلاثة منهم لطلقات «فلاش بول» (سلاح غير فتاك تستخدمه الشرطة)، بحسب إفادات نشرتها وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي.
وقال العديد من الصحفيين إن قوات الأمن صادرت معدات الحماية التي كانت بحوزتهم ما عرّضهم لمخاطر جسدية.
وأعلن نائب وزير الداخلية لوران نونيز أن نحو 125 ألف شخص شاركوا في التظاهرات في سائر أنحاء البلاد، من بينهم ثمانية آلاف في باريس. وهي تعبئة أقلّ عن تلك التي جرت قبل أسبوع حين بلغ عدد المتظاهرين في عموم فرنسا 136 ألفاً.

توقيف

وأعلنت ​وزارة الداخلية الفرنسية​ بحسب «فرانس 24»، أن «عدد الموقوفين في تظاهرات ​باريس​ من حركة «السترات الصفراء» بلغ 1723 شخصا». في وقت نفّذت فيه الشرطة عمليات تفتيش استهدفت من يصلون إلى محطات القطارات وفي المواقع التي تركزت فيها الاحتجاجات على غرار الشانزليزيه ونصب الباستيل.

وبين المعتقلين عشرات تم توقيفهم بعدما عثرت السلطات بحوزتهم على أقنعة ومطارق ومقاليع وحجارة يمكن استخدامها لمهاجمة الشرطة.
لكنّ العديد من المتظاهرين أكّدوا أنّهم لا يتوسّلون العنف. وفي باريس، قالت السلطات الصحية إنّ 60 شخصا نُقلوا للمستشفيات معظمهم كانت جروحه بسيطة. لكنّ متظاهراً أصيب بجروح خطيرة في يده في بوردو في جنوب غرب البلاد بعد اشتباكه مع عناصر الدرك.
ونُشر نحو 89 ألف عنصر شرطة في أنحاء البلاد بينهم 8000 في باريس حيث تم تسيير عشرات العربات المدرّعة لأول مرة منذ عقود.
واشتبكت قوات مكافحة الشغب مع المتظاهرين كذلك في بوردو وتولوز، فيما كانت التظاهرات سلمية في بقية أنحاء البلاد. وتمّ استباق التظاهرات في باريس بإغلاق المتاجر والمتاحف وبرج إيفل إلى جانب العديد من محطات القطارات وأنحاء واسعة من وسط المدينة، بينما ألغيت مباريات كرة قدم وحفلات موسيقية.
وهزّت فرنسا أعمال عنف وقعت نهاية الأسبوع الفائت وتخلّلها إحراق مئتي سيارة وتخريب قوس النصر وزجّت بحكومة ماكرون في أسوأ أزمة تواجهها حتى الآن.
ووضعت المتاجر في محيط الشانزليزيه ألواحا خشبية على واجهاتها وأفرغت البضائع الجمعة بينما تم إغلاق متحفي اللوفر وأورسي وغيرهما.
وأغلقت كذلك المتاجر الكبرى أبوابها خشية تعرّضها للنهب في نهاية أسبوع تسبق إجازة عيد الميلاد وكانت لتشهد حركة بيع واسعة في الأحوال العادية.
بدورها، ترصد الحكومات الأجنبية الأوضاع من كثب في إحدى مدن العالم الأكثر رواجاً في أوساط السياح.

ترامب يغرّد

من جهته، هاجم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السبت مجدَّداً اتفاق باريس للمناخ، معتبراً أن تحرّك «السترات الصفراء» يثبت فشل هذا الاتفاق. وكتب ترامب على تويتر أن «اتفاق باريس لا يسير على نحو جيّد بالنسبة إلى باريس. تظاهرات وأعمال شغب في كل أنحاء فرنسا». ثم عاد وكتب على تويتر «نهار وليل حزينان جداً في باريس»، مضيفا «ربما حان الوقت لوضع حدّ لاتفاق باريس السخيف والمكلف للغاية، وإعادة المال إلى الناس عبر خفض الضرائب».

اهتفوا لي

وغرّد ترامب عبر «تويتر» أيضا قائلا: «اتفاق باريس للمناخ لا يعمل كثيرا لصالح باريس بدليل الاحتجاجات وأعمال الشغب في جميع أنحاء فرنسا، الناس لا يريدون أن يدفعوا مبالغ كبيرة من المال، خاصة لدول العالم الثالث التي تدار بطريقة تثير الشكوك، بحجة حماية البيئة».

وتابع الرئيس الأمريكي «اهتفوا (نريد ترامب!) أحب فرنسا!».

تراجع ماكرون

ورضخ ماكرون هذا الأسبوع لبعض مطالب المحتجّين عبر إجراءات لمساعدة الفقراء والطبقة المتوسطة التي تعاني من صعوبات معيشية، وقد تضمنت إجراءاته إلغاء الزيادة المقررة في الضرائب على الوقود والحفاظ على أسعار الكهرباء والغاز في 2019. لكنّ ناشطي «السترات الصفراء»، الذين ارتفع منسوب التشدّد في أوساط بعضهم، يطالبون بمزيد من الإجراءات.

من جهتها، دعت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان ماكرون «للاعتراف بمعاناة المجتمع والقيام بردود فعل فورية وقوية جدا». واتّسع نطاق الحراك مع خروج تظاهرات في عشرات المدارس للاعتراض على إصلاحات تتعلق بدخول الجامعات بينما دعا مزارعون إلى تظاهرات الأسبوع المقبل. وفي مسعى للاستفادة من التحرّك، دعت نقابة «سي جي تي» إلى إضرابات في صفوف عمال السكك الحديد والمترو الجمعة المقبل للمطالبة بزيادة فورية للرواتب والمعاشات التقاعدية.

حسابات مزيفة

أطلقت السلطات الفرنسية عمليات تحقق بعد تزايد الحسابات الإلكترونية المزيفة التي تهدف إلى تضخيم حركة «السترات الصفراء» الاحتجاجية على مواقع التواصل الاجتماعي، حسبما أفادت مصادر قريبة من الملف لفرانس برس. وذكر مصدر آخر أن الاستخبارات الفرنسية حذرة جدا من تلاعب بالمعلومات، لكن لا يزال من المبكر البت في مسألة صحة معلومات نشرتها صحيفة «التايمز» البريطانية التي أكدت أن مئات الحسابات المزيفة التي تدعمها روسيا تسعى إلى تضخيم ثورة «السترات الصفراء».

وتقول المصادر إنها مسألة تتطلب تحقيقات كبيرة ومعقدة. وقالت الصحيفة البريطانية «ذا تايمز» نقلا عن تحليلات أجرتها شركة «نيو نولدج» للأمن الإلكتروني، إن نحو مئتي حساب على موقع تويتر تنشر صورا ومقاطع فيديو لأشخاص أصابتهم الشرطة بجروح بالغة يُفترض أن يكونوا من محتجي «السترات الصفراء» في حين تعود هذه المشاهد إلى أحداث لا تمت بصلة إلى التظاهرات الجارية في فرنسا منذ أسابيع.
وأوضح مصدر أن «الأمانة العامة للدفاع والأمن الوطني» هي الهيئة المكلفة بتنسيق عمليات التحقق الجارية.