هذا ما قاله أصدقاء النحات أيوب ملنج عنه بعد رحيله!

مزاج الأحد ١٦/ديسمبر/٢٠١٨ ٠٥:٠٠ ص
هذا ما قاله أصدقاء النحات أيوب ملنج عنه بعد رحيله!

مسقط - لورا نصره

هدأ ضجيج المطارق والأزاميل وانقشع غبار الرخام وساد صمت مهيب. لقد رحل المعلم والأستاذ وملهم النحاتين في عُمان. أتى قدر الله أيوب بن ملنج البلوشي عصر يوم الأربعاء 12 ديسمبر 2018م ليأخذ جسده عن دنيانا عن عمر ناهز 63 عاماً. كيف رثاه زملاؤه ورفاقه في الإبداع، وماذا قالوا عنه.. تابعوا معنا.

• جهاد المعمري

ربما أهم ميزة أو سمة لاحظتها طوال 20 سنة في الفن هي روح أيوب الغالية فهو يكتسب المعلومة كأنه طفل شغف ويعطي المعلومة كأنما هو مؤرخ. أيوب تعامل مع النحت كما الخامة التي يعمل عليها كالصخر.. كالحجر.. كالخشب. كلما عشت معه اكتسبت منه وأظهر لك وجها آخر للعمل. أيوب كلما صقلتنا الحياة معا في رحلاتنا وأسفارنا وأعمالنا ظهرت لك جمالية وماهية هذا الفنان. تجد فيه الأخ العزيز والأب الروحي. تجد فيه الزميل. تجد فيه المتعلم والمعلم.
عندما وصلني خبر وفاته جاءني تساؤل في نفسي. لما لم نستطع أن نؤرخ هذا الكمّ الهائل من المعلومات اللي يمتلكها هذا الإنسان. أيوب متحف من الفكر قبل أن يكون متحفا من الأعمال الفنية. متحدّث بعدة لغات، متجاوب مع كل الفئات العمرية مع كل البشر.. روحه حاضرة كأنها قطعة فنية. كان ينحت صداقته بقلبك وذاكرتك.
كم سأطرق بإزميلي على الخشب لأستعيد طرقات أزاميلنا التي كانت تتلاحق لتنتج عملا مشتركا كان اسمه «نحاتي عمان» وكنا سنذهب سويا بعد شهرين إلى النمسا لملتقى سمبوزيم نحاتي الخشب.. أمسى الآن إزميلي وحيدا.
أيوب رحمه الله هو أول عماني أعطى للفن العماني الحديث قيمة ووجدانية.

• خليل الكلباني

«الفنان أيوب البلوشي رحلت ولم ترحل روحك النابضة فينا».
عشر سنوات من لقائي الأول بالأستاذ والفنان الراحل أيوب البلوشي، كفيلة بأن تختزل ذلك العمق الأبوي الذي احتوانا به، حيث كان لنا معلما ومرشدا وملهما وقدوة ومَعينا لا ينضب من العطاء، مع الأيام تعمّقت علاقتي به مما أكسبني ثقة في نفسي ومكّنني من مهارات النحت المختلفة، رغم صعوبة النحت وخطورته إلا أن لديه قدرة في جعلك تمارس النحت بكل ثقة مع تأكيده وحرصه الدائم على مبدأ الأمن والسلامة أولا.
وكان له الفضل في أن أنتج جيلا من الشباب العماني، متمرّسا في مجال النحت بمختلف تطبيقاته، ونعاهده بأننا سنظل معطائين لعماننا الغالية كما يتمنّانا أن نكون ليظل النحت بارزا بجانب الفنون التشكيلية المختلفة بالسلطنة وخارجها.
وما أعجبني فيه كثيرا تلك الروح النقية المحبة للخير وابتسامته التي لا تفارق محياه ورح السلام الداخلية المحيطة به، وهذا نراه شاهدا في ما يقدمه من أعمال فنية بمختلف مراحل حياته الفنية.
ولم أتوقع بأن الوداع الأخير بيننا وهو يغادر المغرب عائدا للعلاج، ونحن مشاركون معا بملتقى الإبداع الرابع بجامعة محمد الخامس بالمغرب قبل 5 أيام سيكون لقاؤنا الأخير بالدنيا، آلمني كثيرا فراقه، وأعاهد روحه الطاهرة ونفسي بأن أُنجز المنحوتة التي اتفقنا عليها واسمها «حمامة السلام» مستقبلا وستحمل اسمه وروحه الطاهرة، لتظل أحد الشواهد الشامخة بجامعة محمد الخامس كما له شواهد بمختلف دول العالم.

• علي الجابري

الأب النحات أيقونة الابتسامة لا تكاد تفارقه حيث حلّ.
عندما قدم لي (الجراندر) في العام 2002 في ورشة النحت التي نظمها مرسم الشباب في ولاية صور كانت تلك خطوة لطريق انطوى في عجل لتستمر مسيرة كُتب لها أن تكلل بورش وملتقيات مع مجموعة كان يثق بها ورمى بحملٍ كبير كان يحمله على عاتقه عليهم من أجل أن يستمر النحت الذي وضع لبناته الأولى.
وبعد عام عندما كنت أقف أمام عملي الفائز في معرض الشباب وكان يقف إلى جانبي شامخاً لأنه هو من فاز لأنه من زرع وحصد بعد حين، كان يستقبل المهنئين والمباركين، كانت الفرحة تتفجّر في عينيه اللامعتين على الدوام وكانت اللحظة رمزا صادقا للأب الفخور بابنه الذي استطاع أن يسلك طريقه ويحقق الإنجاز عاما بعد عام وإنجازا بعد إنجاز وفوزا بعد فوز، كانت الوقفة هو وكان الفرح هو.
أراد لي أن أقف بجانبه في تقديم ورشة النحت على الخشب في مسندم في العام ذاته وهو يتطلع إلى تثبيت ذلك البناء، لا يمكن أن ننسى مقدار المرح مع العمل الجاد مقدار الفرح مع كل تحدٍ تشاركنا تجاوزه، مقدار الألفة وساعات طويلة من الحميمية.
صبر أيوب علينا كان جميلا، يشم من مكان عمله رائحة يعرفها جيدا (ها علي حرقت الجلندر!! خبرتك شوي شوي) وسرعان ما يعجل بـ(جلندر) آخر. غفر الله له وصبّرنا وأهله ومحبيه عل فراقه.

• عبدالكريم الرواحي

استقبلت خبر وفاة الفنان النحات أيوب ملنج مثل الصاعقة.. لم أستوعب ما حصل، ولكن قدّر الله وما شاء فعل.
رحل أيوب بجميل ما قدّمه من عطاء لا محدود في عالم النحت العماني.. يرحل عنا تاركا خلفه أجمل الذكريات واللحظات التي جمعتني معه في عالم الفن والنحت، فرغم مشواري الفني القصير مقارنة بسنوات خبرته وعطائه إلا أنه جمعتني معه كثير من الملتقيات والورش الفنية وتعلّمت منه الكثير. في العام 2012 اجتمعت به لأول مرة مع مجموعة من الشباب الموهوبين في ورشة تدريبية في النحت على الرخام بإشرافه. تعلّمنا منه الكثير في النحت على الرخام وتعلّمنا أيضا الصبر والإخلاص في النحت.
وفي 2013 جمع النحاتين العمانيين الشباب في ملتقى خاص في محافظة البريمي وكنت أنا من ضمنهم، توالت اللقاءات والمعارض في مسندم ورشة النحت على الخشب وغيرها الكثير من الملتقيات. لا يسعفني الكلام فالفقد أكبر بكثير من بضع كلمات ولكن أعدك يا أبو أيمن الرائع بأنني سأحتفظ بجميع الذكريات واللحظات الرائعة معك. رحمك الله وتغمد روحك الجنة.

• فايزة الوهيبية

كثيرة هي الذكريات اللي تجمعني بالمعلم والأستاذ ولو ذكرتها ستنهمر دموعي لذكراه فلن أستطيع أن أسرد جملةً ولا أخط حرفاً، كان يُحييِ فينا الأمل ويقف بجانبنا بكل ملتقى وكان يسدي لنا النصح ويقول لي سافري كلما سنحت لك الفرصة واتركي بصمة ومَعْلماً بكل مكان تزوريه سيخلد في مسيرتك الفنية.
أتذكر جمعتنا بالمغرب قبل سفره للسلطنة تركنا وذهب ليقف في زاوية مظلمة ويتأملنا من بعيد كأنه الوداع الأخير.
وقال لي -الله يرحمه- قبل أن نسافر «هناك المزيد من المفاجآت الجميلة التي تخص النحت ولدينا فعاليات قادمة» وتلك الابتسامة لا تفارق وجهه،
فسلاما لك يا معلمي الحاضر الغائب في قلوبنا ستظل رمزا وذكرى بأخلاقك وطيب قلبك.

• خلود الشعيبية

حكايتي مع أستاذي وأبي الروحي أيوب ملنج البلوشي بدأت من الطفولة. كان صاحب المؤسسة التي تعمل فيها أخواتي سابقا وكنت أرى أعماله النحتية من الخشب في المكتب، وبعد سنوات التقيت به في مرسم الشباب التابع لوزارة التراث والثقافة فطلبنا منه أنا وزميلاتي بأن يعلّمنا النحت على الرخام وقدّم لنا ورشة عمل في الجمعية العمانية للفنون التشكيلية. وبعد ذلك أصرّ على مشاركاتي في الملتقيات والمعارض الفنية. كان يقول: خلود أنتِ نحاتة قادرة، عبّري عن إمكانياتك العالية. ووقف بجانبي رغم عدم تقبّل المجتمع بداية لوجود فتاة عمانية تنحت على مادة صلبة مثل الرخام. والحمد لله، من بعد الله الفضل الكبير يرجع لأستاذي المرحوم أيوب البلوشي فيما وصلت له وحققته.
آخر مرة زرته في المستشفى كان سعيدا جدا ويقول (هذي بنتي خلود). و«نِعم الأب الروحي». غمّد الله روحه الجنة إن شاء الله.

• عامر الطلبي

بالأمس القريب كنت أعيش بين جدران الرخام أتأملها ولا أملك سوى الحيرة، بقيت تائها لا أدري كيف أطوعها حتى امتدت يد نحوي تأخذني لعالم فيه الفن مختلف.
علمني.. أرشدني.. وقف بجانبي ثم قال لي «آن الأوان كي تمسك بإزميلك وتحفر وتطلق العنان لإفكارك في عالم النحت».
نعم هو أبي الروحي «النحات القدير أيوب بن ملنج البلوشي».
أما اليوم تبعثرت كل حروفي حتى كلماتي أصبحت عاجزة عن التعبير حزنا على رحيله فقد كان أباً وأخاً وصديقاً.

• عبدالكريم الميمني

«أيوب ملنج سلام على روحك الطاهرة حين ارتقت».
خبر حضر على مسامعنا كالصاعقة وجثا بكل ألم على صدورنا، كنا نرتجف في دواخلنا لأننا لا نود تصديقه فالخطب بالنسبة لنا عظيم والأمر جلل، كنت أخشى أن يؤكد لي أحد هذا الخبر، ولكن لا مُحال.. فقد ذهبت روحك أيها العزيز حيث النقاء والصفاء.
عرفناك رمزاً فنياً كريماً صاحب سخاء ودفق عطاء، أحببت لغيرك الخير تماماً كما أحببته لنفسك ولم تتوانَ لحظة في سبيل تقديم المعرفة والخبرة التي حصدتها نظير صولاتك وجولاتك في أصقاع الأرض مقدماً الفن العُماني في أبهى حلله وأجمل صوره، وكنت خير معين لجيل الشباب، احتضنتهم بصدق ووقفت معهم بحنو الأب الكبير الموجه والمرشد في كل خطوة حتى واصلوا المسيرة فكان لهم التمكين، قُدت مسيرة النحت العُماني بكل كفاح وصدق حتى آخر أيام حياتك، أعطيتها من وقتك وجهدك بكل إخلاص، لم أرَك إلا مبتهجاً فرحاً مسروراً والبسمة تعلو محياك والفخر يملأ جنباتك، وتزداد تلك السعادة في كل يوم يرى فيه فناناً شاباً بدأ في التقدم بخطوة جريئة في عالم النحت، هذا هو في نظرنا الفنان الصادق المحب لمجاله الفني، ولا شك أنهم ينسبون لك هذا الفضل وسيظلون كذلك.
أيها الراحل عن دنيانا والباقي في قلوبنا كن على يقين بأننا لن ننساك فحجم عطائك وكرم سخائك لا تحجبه الشمس أبداً. لا زلت أذكر جيداً ذلك الغبار الذي يتعفر على وجهك من أثر الرخام الذي تشكّل منه قطعك الفنية الخالدة المتميّزة بحركاتها الذاهبة في السماء أثناء المخيمات التي تشرف عليها أو تشارك بها، فأناديك بصوت عال يفوق مكائن ومعدات النحت.

فيا أيها العزيز

سلاماً على روحك الطاهرة حين ارتقت..
وعلى نور عينيك حين خفت..
وعلى همسات صوتك حين سكت..
على ضياء وجهك حين رحلت..
وعلى نبض قلبك حين بدأت حياتك وحين انتهت..
إنا لله وإنا إليه راجعون..