القضية ضد ترامب

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٧/ديسمبر/٢٠١٨ ٠٣:٣٧ ص
القضية ضد ترامب

إليزابيث درو

على الرغم من أنه من النادر أن يعترف حتى بأقل درجات عدم الرضا فيما يتعلق بالوظيفة التي خطط للحصول عليها بطرق غير مسبوقة وتمكن من الحصول عليها بطريقة او بأخرى (بفضل تقلبات نظام المجمع الانتخابي الأمريكي)، فإن رئاسة دونالد ترامب لم تكن سهلة على الإطلاق ولكن لم يحصل على الإطلاق في أي أسبوع منذ أن تولى الرئاسة ان تحيطه المشاكل والعديد من الأمور التي تنذر بعواقب سيئة كما هو الحال هذا الأسبوع.

لقد وجدت وزارة العدل التابعة لترامب نفسه يوم الجمعة الفائت ان ترامب متورط في جناية وذلك على أساس توصيات الحكم المتعلق بمدير حملته السابق بول مانفورت من قبل المستشار الخاص روبرت مولر والحكم المتعلق بمحامي ترامب السابق لفترة طويلة ومستشاره المثير للجدل مايكل كوهين من قبل مكتب الادعاء الأمريكي للمنطقة الجنوبية في نيويورك. إن التداعيات الواضحة في كلا التقريرين ان ترامب نفسه سيكون في نهاية المطاف هدفا لتهم خطيرة علما انه يعتقد على نطاق واسع ان بعض افراد عائلته يمكن أن يتم توجيه اتهامات لهم أيضا.

قبل ذلك بيومين، اضطر ترامب أن يجلس مع ثلاثة رؤساء سابقين لحضور جنازة الرئيس جورج بوش الأب وخلال الجنازة كانت هناك اشادة ببوش لأنه عكس ترامب تقريبا في الأسلوب والسلوك وكان يبدو على ترامب انه يتمنى أن يكون في أي مكان آخر وفي الوقت نفسه فإن كامل مكاسب سوق الأسهم لهذا العام تبخرت وذلك بسبب انهيار الهدنة التجارية المزعومة لترامب مع الصين.
لقد كان من الواضح كذلك فقدان ترامب لسيطرته على الكونجرس بشكل كبير. لقد استمرت مكاسب الديمقراطيين في مجلس النواب بالارتفاع (آخر رقم هو 40 مقعدا وهو رقم رائع) بينما يتم الاعلان عن نتائج الانتخابات في الاماكن التي كان فيها التصويت متقاربا جدا خلال الانتخابات النصفية الشهر الفائت علما ان تلك النتائج تصب في مصلحة الحزب الديمقراطي كما إن بعض اعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين قد قرروا اخيرا أن يخالفوا ترامب الرأي فيما يتعلق بقضية الصحفي جمال خاشقجي وعلى عكس ترامب رفض اعضاء مجلس الشيوخ التقليل من أهمية الابعاد الاخلاقية والواقعية للسماح بمقتل صحفي مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية مقارنة بالادعاءات المبالغ بها للرئيس فيما يتعلق بالمشتريات المستقبلية من الاسلحة ودورها الاستراتيجي المفترض في التصدي للطموحات الاقليمية لايران.
ولاحقا لذلك جاءت الدعاوى المقدمة من مولر ومكتب الادعاء الامريكي لمنطقة جنوب نيويورك والتي كشفت عن امور كان الكثيرون يشتبهون بحصولها منذ فترة طويلة ولكن وعلى الرغم من ذلك تبقى الحقيقة صادمة عندما تظهر فلقد استخدم ترامب وعائلته او حاولوا ان يستخدموا حملته الرئاسية ومن ثم منصبه الرئاسي لتعزيز ثروتهم الخاصة ولقد عرفنا اخيرا المعلومات المحرجة التي كان بوتين يعرفها بشأن ترامب حيث اخبر كوهين الادعاء العام بإن ترامب سعى لفترة طويلة لبناء فندق ضخم ومربح جدا في موسكو وكان يتوجب الحصول على الاذن ببنائه من الكرملين (كان من المفترض ان تكسب روسيا الكثير من الاموال من ذلك المشروع). لقد ذكر كوهين للجنه من الكونجرس بإن محاولات ترامب من اجل الحصول على صفقة الفندق انتهت في بداية سنة 2016 ولكنه اعترف لاحقا أن المحادثات استمرت حتى يونيو من ذلك العام وذلك بعد أن تمكن ترامب من الحصول على ترشيح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة على الرغم من انه ذكر مرارا وتكرارا منذ دخوله السباق الانتخابي في يونيو 2015 انه لا يوجد لديه أي علاقات تجارية مع روسيا.
لقد سلطت شهادة كوهين الأضواء على احتمالية أن جوانب مختلفة من السياسة الخارجية الأمريكية بما في ذلك بيانات تفضيلية عن قادة سلطويين محددين وطريقة معاملتهم يمكن ان تكون قد تأثرت بالمصالح التجارية الخاصة لترامب – الحالية او المستقبلية – في تلك البلدان بما في ذلك تركيا والفلبين بالإضافة الى روسيا وفي الوقت نفسه فإن فنادق ترامب وخاصة فندقه الجديد الباهظ الثمن بالقرب من البيت الأبيض يتعامل تجاريا مع عدة بلدان. إن هذا مهم على نحو خاص لأن ترامب وعلى عكس الرؤساء الذين سبقوه، رفض الفصل بينه وبين عمله الخاص عندما تولى الرئاسة (على الرغم من انه سلم إدارة ذلك العمل الى ابنيه البالغين) وعليه فمن المفترض أنه حصل على مكاسب من خلال الأعمال التجارية التي تقدمها تلك البلدان.إن هذا يشكل انتهاكا لبند المكافآت في الدستور الأمريكي والذي يمنع الرئيس من قبول الهدايا من الدول الأجنبية. لقد تم رفع اثنتين من الدعاوى القضائية فيما يتعلق بهذا الأمر ضد ترامب علما انهما قد يشكلان أساسا كذلك لخلعه. إن الفساد يمتد للدائرة المقربة حول ترامب فابنته ايفانكا حصلت على علامات تجارية من الصين لخط الملابس العائد لها (والذي لم يعد موجودا الآن ولكنها احتفظت بتلك العلامات التجارية وسعت للحصول على علامات تجارية جديدة). أما زوجها كوشنر فمن المعتقد انه قد استخدم موقعه لمحاولة الحصول على أموال من اجل تسديد ديون كبيره تكبدها نشاط العقارات العائد لعائلته كما أن كوهين قد قام فعليا ببيع قدرته المفترضة على الوصول لترامب للشركات التجارية بمبلغ 4 ملايين دولار أمريكي (ولكن من غير الواضح لغاية الآن مدى قيامه بذلك).
لقد كان كوهين هو الذي اخبر الادعاء العام لنيويورك انه بتوجيهات من ترامب (والتي تشير إليه المستندات القانونية بالشخص 1) قام بترتيب دفع مبالغ مالية لامرأتين بعد تورطهما بعلاقات عاطفية مع الرئيس على الرغم انه كان في تلك الفترة متزوجا من ميلانيا (بما في ذلك بعد وقت قصير من إنجابها لابنهما بارون). إن الهدف الواضح من تلك الدفعات هو أن لا يعرف الناس عن تلك العلاقات قبل الانتخابات وهذا يترك ترامب معرضا لاتهامات بارتكاب جناية انتهاك قوانين تمويل الحملات الانتخابية الأمريكية.
لقد اكتشف كوهين بعد طول معاناة أن العمل مع ترامب ليس بالأمر السهل مما يفسر لماذا القليل من الناس -باستثناء ابنته وزوج ابنته- قد استمروا طويلا في البيت الأبيض. بالنسبة لترامب فإن الولاء هو طريق واحد فقط يصب لمصلحته ولم ينته هذا الأسبوع الا بالمزيد من المشاكل لترامب وهذه المرة تتعلق بحاجة ترامب لإيجاد بديل لرئيس موظفي الرئاسة جون كيلي والذي اعلن الرئيس انه سيترك منصبه في نهاية العام (إن الاثنين بالكاد يتحدثون مع بعضهم البعض).
إن تصرفات ترامب الغريبة جدا مؤخرا – بما في ذلك زيادة عدد التغريدات التي أصبحت هستيرية بشكل اكبر- تعزى على نطاق واسع لإدراك ترامب المتزايد للأبعاد المهمة لسيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب بالنسبة لرئاسته، فرؤساء اللجان الديمقراطية المقبلين ذكروا أنهم يخططون للتحقيق في العديد من المخالفات الحقيقية أو المشتبه بارتكابها من قبل ترامب وعدد من أعضاء إدارته كما أن إمكانية أن تقوم اللجنة القضائية بالمجلس بمناقشة مسألة الخلع قد أصبحت أقوى مع ظهور الاتهامات الأخيرة.
لقد كان من الواضح أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية سنة 2016 قد تم التحكم بها من خلال أحداث استثنائية علما أن شرعية ذلك من عدمها هي الآن مسألة قانونية تؤثر على الرئيس وعلى الرغم من أنه لم يتم توجيه التهمة رسميا له بالتآمر – عادة ما يشار إليها بالتواطؤ» – مع روسيا للتدخل نيابة عنه في مقابل مواقف سياسية امريكية يرغب بها بوتين (مثل اضعاف الناتو والاتحاد الأوروبي)، فإن الدعاوى القانونية الاخيرة لمولر توحي بأن تحقيقاته تمضي في هذا الاتجاه ولو توصل لذلك الاستنتاج فإن أسابيع أسوأ تنتظر ترامب.

مدير تحرير مشارك ومؤلفة كتب كان آخرها مجلة واشنطن: التغطية الإخبارية لوترجيت وسقوط ريتشارد نيكسون.