تذبذب أسعار النفط.. لمصلحة من؟!

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٧/ديسمبر/٢٠١٨ ١١:٥٣ ص
تذبذب أسعار النفط.. لمصلحة من؟!

أسعار النفط التي تمثل ترمومتر الحياة بالنسبة لنا، فكلما ارتفعت ارتفعنا معها وكلما انخفضت انخفضنا معها، فقد أصبح النفط -وللأسف الشديد- يتحكم في مستوى حياتنا بدرجة كبيرة خاصة نحن دول المنطقة التي تعتمد وبشكل كبير على هذا الكنز الذي أنعم الله به علينا، فكل الأمور والخطط والاستراتيجيات وموازنات الدول أصبحت تقاس على أسعار النفط، فقبل أي خطوة نريد تنفيذها يجب علينا وضع أسعار النفط في مقدمة الأسس والمعايير والأولويات التي يجب النظر إليها قبل التنفيذ، وهذا واضح وبشكل كبير لدرجة أن أسعار النفط الشغل أصبحت اليوم الشاغل للجميع والتفكير الأساسي الأول عند المخططين وعند الحكومات بل حتى عند الأفراد، فأصبحنا يوميا ننتظر من خلال الأخبار ووسائل الإعلام كم بلغ سعر البرميل، وإذا زاد شعرنا بالارتياح والسعادة والتفاؤل وإذا انخفض شعرنا بالقلق والاكتئاب، فالجميع أصبح يقيس أمور حياته على أساس أسعار النفط وتقلباتها الحالية. ألهذه الدرجة وصلنا؟!

الإجابة: نعم، وأكثر من ذلك وهذا واضح خاصة في موازنات الدول والتي هي المؤشر الذي يمكن قياسه على مستوى الحياة والمشاريع والخطط التي يمكن أن تنفذ خلال الفترة المقبلة، والمشاريع التي يمكن تأجيلها إذا لم تكن هناك أولويات، وأعتقد أن المخططين والمسؤولين عن موازنات الحكومة يواجهون هذه الفترة مشكلة في مسألة تذبذب الأسعار وعدم ثباتها مقارنة بالأعوام الفائتة، ففي السابق كانت هناك مؤشرات وتحاليل ومعلومات يمكن الاستناد إليها وذلك من قبل بعض المؤسسات المتخصصة في مراقبة السوق والمعلومات الصادرة من منظمة أوبك، ولكن اليوم الوضع مختلف وقد يكون منذ فترة طويلة تحتار هذه المؤسسات ومراكز البحوث المتخصصة في تحديد أو رصد أسعار النفط من إعطاء تقارير أو تحليلات واضحة ودقيقة نوعا ما عن الأسعار خلال الفترة المقبلة، ففي الماضي كانت هناك مؤشرات على سبيل المثال يمكن القياس أو الاعتماد عليها فمثلا يتم تحديد الأسعار من 50 دولاراً حتى 80 دولاراً للبرميل الواحد، ولكن هذه الفترة الأمور أصبحت أصعب فالجميع لا يستطيع أن يعطي مؤشرات بنسبة واضحة أو كبيرة وكل يوم نجد مسؤولاً سواء من السلطنة أو من المنطقة أو حتى من منظمة أوبك يصرح بسعر معين وفجأة نجد هذا السعر يتهاوى أو غير حقيقي وغير مبني على واقع معين مما يجعل تحديد الأسعار وحتى لو كانت بشكل تقريبي من الأمور الصعبة خاصة في هذه الفترة التي يشهد فيها العالم العديد من التطورات والمتغيرات الاقتصادية والسياسية واتخاذ الدول بعض القرارات والخطوات الأحادية، مما يؤثر على أسعار النفط بشكل كبير وأيضاً التصريحات من هنا وهناك كل هذه الأمور وغيرها تجعل في الوقت الحالي من الصعب التكهن بأسعار النفط، فخلال الفترة الفائتة وصلت الأسعار إلى 80 دولاراً وبعد شهر واحد هبطت وبشكل واضح إلى 60 دولاراً وفي بعض الأيام إلى أقل من ذلك رغم أن بعض التحليلات والمؤشرات العالمية قالت إن الأسعار قد تشهد استقرار نوعا ما في حدود 70 دولاراً إلى 80 دولاراً ولكن هبطت الأسعار مجدداً بعد المستجدات الأخيرة ومن بينها اجتماع منظمة أوبك وبعض التصريحات المصاحبة.
لقد تابعت خلال الأيام الفائتة بعضا من هذه التقارير المتخصصة الصادرة من المنطقة أو على المستوى الإقليمي وأيضاً بعض التحاليل من مؤسسات إعلامية متخصصة، إضافة إلى متابعة بعض المحللين الذي أشاروا إلى صعوبة الوضع في مسالة تحديد أسعار النفط فقد يمكن أن تنخفض الأسعار إلى مستويات غير متوقعة أو العكس قد ترتفع وفقاً للمستجدات وللأحداث المتغيرة على مستوى العالم.
إذن في هذه الحالة والسؤال الذي قد يهمنا جميعاً وخاصة الاقتصاديون ما هو السعر الافتراضي الذي من المتوقع أن يتم تحديده في الموازنة العامة للدولة فيما يخص متوسط سعر البرميل؟ في العام قبل الفائت على سبيل المثال كان في حدود 50 إلى 55 دولاراً للبرميل وفي عام 2017 كان في نفس الحدود أو أقل، بينما شهدت الأسعار في بعض الشهور هذا العام المستويات المقبولة وفي بعض الشهور وصلت الأسعار إلى 80 دولاراً وأكثر مما أعطى تفاؤلاً إيجابياً ولكن الأسعار عاودت من جديد إلى الانخفاض وهذا التذبذب الذي نتحدث عنه، فوصول أسعار النفط إلى حدود 80 دولاراً لم يكن متوقعاً ولكن دائما الأحداث والظروف السياسية والاقتصادية تساهم في تحديد أسعار النفط وتكون عامل ضغط سواء في الارتفاع أو الانخفاض، ولكن المتوقع أن هذا التذبذب في الأسعار قد يستمر وبشكل غير متوقع مما يحتم على القائمين على الموازنة وضع احتياطات وإجراءات معينة عند تحديد السعر الافتراضي وفي نفس الوقت علينا التفكير في دعم الإنفاق في الموازنة بالشكل الذي يساهم في دعم النمو الاقتصادي، وأيضاً ينعكس إيجابياً على المستويات المعيشية للمواطنين والاستمرار في توفير فرص العمل للباحثين عن عمل من خلال دعم القطاع الخاص في إنشاء المزيد من المشاريع الاقتصادية التي توفر فرص العمل والتي تعد من أهم أولويات المرحلة الحالية والمستقبلية.
إن ما يحدث اليوم في العالم يؤكد لنا وبشكل واضح أن أسعار النفط لن تشهد أي استقرار على الأقل في المدى القريب، وأن تذبذب الأسعار سيتواصل وهذا ما يجعلنا نسأل لمصلحة من هذا التذبذب وعدم الاستقرار؟ والقلق الكبير من انخفاض الأسعار إلى مستويات متدنية وبالتالي تأثير ذلك على كافة الأمور الحياتية والمعيشية حيث لا يمكن التوقع بالأسعار خلال الفترة الفائتة وهذا ما يجعلنا قلقين أكثر، فالظروف الحالية مختلفة تماماً عن الظروف السابقة وخاصة فيما يتعلق بالظروف السياسية والاقتصادية وغيرها من التأثيرات المستجدة وعلى كافة المستويات لذلك نكرر المناشدة بضرورة الاستمرار في الخطط الحكومية التي تهدف إلى تعزيز التنويع الاقتصادي وعدم الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للدخل حتى نستطيع مواجهة تحديات أسعار النفط المتذبذبة، كما نتمنى أن تراعي الموازنة المالية للدولة للعام المقبل كافة الظروف والمستجدات خاصة فيما يتعلق بمعيشة المواطنين التي هي أولوية من أولويات الحكومة.