التعليم العالي والقيمة المحلية المضافة

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٧/ديسمبر/٢٠١٨ ١١:٥٤ ص
التعليم العالي والقيمة المحلية المضافة

ما هي القيمة المحلية المضافة؟ إذا صرفت هيئة ما، حكومية كانت أم شبه حكومية مثل شركات النفط أو البتروكيماويات، لو صرفت 100 ريال عماني مثلاً، عندها تكون القيمة المحلية المضافة المبلغ الذي يبقى في البلاد عن طريق أربعة طرق: التوظيف المباشر للقوى العاملة الوطنية، استعمال المنتج المحلي، استعمال الخدمات المحلية مثل المؤسسات الصغيرة والمقاولين المحليين من الباطن، وأخيراً المبلغ المستعمل للتطوير والاستدامة، خصوصاً التعليم والتدريب ونقل المعرفة. لو كان مجموع المبالغ التي صرفت على هذه العناوين 30 ريالاً عمانياً نقول عندها إن القيمة المحلية للمشروع هي 30%. هذا المعيار يعطي صورة أوسع من التي يعطيها معيار نسب التعمين عن مدى المردود الاقتصادي المحلي للمشروع. وفي احتساب المعيار هذا نلاحظ أنه لا مكان للمنتجات المستوردة والتي يسوّقها التجار أو الوكلاء، أي عندما نشتري سيارة أو ساعة أو حتى الملابس التي خيطت في الخارج إذ إن عملية الشراء تلك ليس لها أي تأثيرٍ يذكر على التوظيف أو التدريب أو نقل المعرفة.

نظراً لأهمية معيار القيمة المحلية المضافة ومردوده يتوجب على الجميع أخذه بعين الاعتبار عند اتخاذ القرار. ولا تستثنى أية جهة من هذا الواجب حتى وإن كانت مسؤوليتها التعليم العالي وإدارته. تسعى الوزارة مشكورة لتطبيق الحديث الشريف: «اطلبوا العلم ولو في الصين»؛ لذلك فهي تبتعث الطلاب والطالبات إلى بلاد عدة في أنحاء العالم وذلك على نفقة الحكومة الكريمة، سعياً وراء العلم والمعرفة. تبتعثهم إما للتخصص أو حتى للبدء بالتحضير للتخصص عن طريق سنة الأساس. وهنا تكمن فرصة القيمة المحلية المضافة. فلو تمكنا من إعطائهم سنة التحضير في السلطنة وتكون شهادتهم تلك تخولهم الدخول المباشر إلى الجامعة نكون قد حققنا قسطاً مهماً من القيمة المحلية المضافة إذ نوفر عندها مصاريف السفر، والسكن، والغذاء المكلِف، والملبس المختلف. إن كانت الميزات المادية عديدة فالفوائد المعنوية قد تكملها وتثريها خصوصاً للطلاب والطالبات الذين يأتون من المحافظات. إن اخترنا لهم، أم هم اختاروا مع ذويهم، أن يدخلوا سنة التأسيس في السلطنة يبقوا بقرب أهلهم والوزارة وتحت مراقبتهم ودعمهم ومساندتهم. يتعودون على الحياة الجامعية هنا قبل السفر إلى مجتمعات تختلف فيها العادات والقيم وهم لا تزال خبرتهم وضيعة. يتعودون على العيش خارج عائلاتهم لكن يبقون بالقرب منها. وإن أرادت العائلة لقاءهم لا تضطر للسفر البعيد من أجل ذلك. جميل كل ذلك لكن ألا يحد قرارٌ كهذا من خيارات الطالب المستقبلية ويضّيق أفقه؟ أجل، كان ذلك في الماضي. لكن الآن قد وجدت في مسقط حلولٌ حديثةٌ تفسح آفاقاً جديدة أمام طالبي العلم.

بهذا الصدد قدمت لنا د.يسرى المزوغي، رئيسة جامعة مسقط، بعض الإنجازات المحققة والاتفاقيات الموقعة والبرامج المعتمدة خلال الفترة الفائتة، منها اعتماد سنة الأساس في الجامعة من قبل حزمة من الجامعات البريطانية التي وافقت على قبول أولئك اللذين أنهوا سنة الأساس بنجاح في جامعة مسقط للدخول مباشرة إلى الكليات والاختصاصات المتوافرة لديها. بالإضافة إلى ذلك وحيث إن جامعة مسقط متعاقدة مع جامعتي استون وكرانفيلد للبكالوريوس والماجستير يمكن للطالب أن يتابع دراسته في مسقط والحصول على شهادتين، واحدة من جامعة مسقط والأخرى من إحدى الجامعتين المذكورتين. تحمد جامعة مسقط على هذه المبادرة وندعو جامعاتنا الخاصة الأخرى القيام بمبادرات شبيهة لتعزيز القيمة المحلية المضافة، المادية والمعنوية. والمردود على الجامعات المحلية سيكون جوهرياً فهو لا يعطيها المنفعة المادية فقط وبالتالي يعزز استدامتها، بل يزيد الثقة بها من قبل الحكومات والجامعات والمجتمع وخصوصاً من قبل الطلاب والطالبات.

الجدير بالذكر هنا أن القيمة المحلية المضافة لم تعد مفهوماً نظرياً، بل أصبحت تطبق في جميع عقود النفط والغاز والبتروكيماويات حيث أقامت الشركات المشغلة دوائر خاصة لها وموظفين يتابعون تقدمها لدى الموردين وتعطي دائماً الأفضلية للمتقدمين فيها.
لو تأملنا بالطرق الأربع لدعم القيمة المحلية المضافة قد يكون التعليم هو الأهم إذ إنه المحفز والممكّن للتوظّف أو للبدء بأعمال الخدمات أو لصناعة المنتجات عالية الجودة والقادرة على المنافسة.