قمة العشرين.. والتناقضات

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٧/ديسمبر/٢٠١٨ ١١:٥٦ ص
قمة العشرين.. والتناقضات

مجموعة العشرين تمثل أكثر من أربعة أخماس الاقتصاد العالمي، فهي تضم في عضويتها أكبر اقتصاديات العالم وبعض الاقتصاديات الناشئة القوية، بما تعكس في طياتها عن أطماع وتناقضات، تهدف للحصول على النصيب الأكبر من الكعكة الدولية بدون النظر إلى الدول الفقيرة أو الاقتصاديات المتوسطة، من خلال تناول عدد من القضايا الاقتصادية منها التجارة الدولية ونمو الاقتصاد العالمي وتنظيم أسواق المال العالمية وتقوية النظام المالي العالمي وتعزير آليات الرقابة عليه، والإستراتيجية العالمية لمكافحة التغير المناخي، وانسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس بشأن المناخ، وتطويع ذلك لصالحها عبر الاتفاقيات الثنائية وبعيدا عن اتفاقيات منظمة التجارة العالمية التي تم التصديق عليها ومحاولات الالتفاف حولها بشتى الطرق، وتجلت خلافاتهم بوضوح في البيان الختامي الذي خلا عمليا من أي وعود ملموسة، في محاولات الاستفادة الفردية القصوى من بؤر الصراعات القائمة في بعض مناطق العالم، وتفاقم الآثار السلبية لهذه الصراعات، خاصة في ظل المشاكل الداخلية لمعظم الدول الكبرى، فرئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي تواجه مشكلة إقناع مواطنيها بأن اتفاق بريكسيت هو الأقل كلفة اقتصادياً، في الوقت الذي يحذر فيه البنك المركزي البريطاني من خسارة الجنيه الاسترليني 25 % من قيمته في غياب اتفاق الانفصال البريطاني، والرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون يواجه تسونامى الهلع الذي يجتاح فرنسا، وسلسلة أعمال العنف لمحتجي السترات الصفراء، الغاضبين من رفع أسعار الوقود والسياسيات الاقتصادية الجديدة، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مشغول على هامش القمة بتفسير الأحداث حول حادث مضيق كيرتش، بعد عبور سفن من البحرية الأوكرانية الحدود الدولية لروسيا، واحتجازها بواسطة أسطول البحر الأسود الروسي، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب يناور بمختلف السيناريوهات لتحقيق أكبر مكاسب لصالح بلاده في ظل العجز التجاري الأمريكي الذي بلغ مستوى غير مسبوق منذ 10 سنوات في شهر أكتوبر الفائت، والحرب التجارية الدائرة مع الصين، وإن حاول الرئيسان الأمريكي والصيني عمل هدنة والاتفاق على وقف تصعيد النزاع التجاري حتى لا يتحول إلى حرب باردة شبيهة بالتي حدثت بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق، وإن كان حل القضايا التجارية العالقة بينهما يبدو صعبا، أو على الأقل غير سهل، بالنظر إلى أن توازن القوى الاقتصادية الذي يميل لصالح الصين، وهو ما يدعم موقفها في أي محادثات جارية، وإن كان الاقتصاد الأمريكي يحتل قائمة الاقتصاد العالمي بناتج محلي إجمالي يتجاوز ستة وستين تريليون دولار ومعدل نمو يتجاوز 3.5 % خلال النصف الأول من عام 2018، لكن الاقتصاد الصيني الذي يحتل المركز الثاني، يمكنه أن يصبح الأول عالميا خلال سنوات، بعد أن بلغ الناتج المحلي الإجمالي 13.45 تريليون دولار ومعدل النمو 6.9 % خلال النصف الأول من عام 2018، وهذا بلا شك يثير قلق واشنطن، لأن الصين عندما تصبح القوة الاقتصادية الأولى عالميا، ستعمل على توسيع دائرة نفوذها الإقليمي والدولي، وتهدد المصالح الحيوية والأمن القومي الأمريكي، وهذا ما تعتبره الولايات المتحدة خطا أحمر، ولذلك هي تدافع عن مصالحها بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، بدون الالتفات إلى مشاكل الفقراء في مناطق مختلفة من العالم، إذ يوجد حوالي 65 ألف نسمة يعانون من «كارثة» غذائية أو أنهم قرب مستويات المجاعة، وأن معظمهم يعيشون في مناطق الصراع في سوريا، وليبيا واليمن الذي يعاني فيه أكثر من 15 مليون نسمة من نقص الغذاء وأن العدد قد يزيد إلى 20 مليونا ما لم تصلهم معونات غذائية بشكل ثابت وعاجل.

كما أن وباء الكوليرا أصبح يهدد الملايين وهي أزمة كبرى يصعب مواجهتها، ولم تتفق قمة الكبار على حلول لهذه الأزمات، وقد أدى ذلك إلى هيمنة الخلافات خاصة تجاه سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن التجارة والتغير المناخي، وتداعيات الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، وكذلك محاولات الاقتصاديات الناشئة الرئيسية التي تمثلها الصين والهند للضغط لتعزيز موقعها في صندوق النقد الدولي، قبل وضع اللمسات الأخيرة على الحصص الوطنية الجديدة في الصندوق التي تحدد حقوق التصويت التي يتمتع بها كل من الأعضاء، وذلك قبل الاجتماع السنوي للمؤسسة المالية الدولية في بداية 2019، باعتبار أن صندوق النقد الدولي وفق فلسفة دول مجموعة العشرين يمثل العمود الفقري لشبكة الأمان العالمية، وكذلك مفتاح التحكم في اقتصاديات الدول والشعوب التي تلجأ إليه، وبذلك هيمنت على القمة التوترات الداخلية، والتناقضات الدولية والانقسامات حول سياسات القادة المشاركين في القمة وأهداف كل منهم الخفية أو المفصح عنها، أو المؤجلة للقمم المقبلة.