رماد المعارك

الحدث الاثنين ١٧/ديسمبر/٢٠١٨ ٢٣:٣١ م
رماد المعارك

هجين(سوريا) - وكالات
في سوق بلدة هجين، لا تزال السواتر الترابية تُغلق الطرقات التي تنتشر فيها مخلفات الرصاص والقذائف. وفي تلة قريبة، تبدو الخنادق المغطاة بقطع أقمشة لحجب الرؤية فضلاً عن الأنفاق التي حفرها تنظيم داعش للدفاع عن مواقعه. ركام أبنية، هياكل سيارات محترقة وحفر ضخمة، مشهد يطغى على بلدة هجين في أقصى شرق سوريا بعد معارك وقصف عنيف انتهوا بطرد تنظيم داعش.

وتمكنت قوات سوريا الديمقراطية، وهي تحالف فصائل كردية وغربية مدعوم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، الجمعة من السيطرة على هجين في إطار عملية عسكرية مستمرة منذ العاشر من سبتمبر لطرد تنظيم داعش من آخر جيب له في ريف دير الزور الشرقي بمحاذاة الحدود العراقية.
وشكّلت هجين أبرز وأكبر بلدات هذا الجيب. وفوق أحد أبنيتها القليلة غير المدمرة رفع المقاتلون راية قوات سوريا الديمقراطية الصفراء اللون.

«في أيديهم»

ووسط أحد الشوارع، يقول القائد الميداني الكردي في قوات سوريا الديمقراطية زنار أواز لوكالة فرانس برس «باتت هجين في أيدي قواتنا».
وتدور المعارك حالياً عند أطراف البلدة حيث «تلاحق قواتنا المرتزقة»، وفق قوله.
ويتصاعد الدخان الكثيف من أطراف البلدة وتُسمع أصوات قذائف الهاون وطلقات الرصاص مع استمرار الاشتباكات بين قوات سوريا الديمقراطية والمتطرفين بالقرب منها. بين المنازل المدمرة وسط هجين، تمر سيارات مصفحة تابعة للتحالف الدولي يعتليها جنود يضعون خوذاً ونظارات شمسية. ولا تفارق طائرات ومروحيات التحالف سماء المنطقة، فيما تمر أيضاً سيارات محملة بمقاتلي قوات سوريا الديمقراطية متجهة إلى خطوط الجبهة الأمامية. يجلس أحد المقاتلين فوق إحدى الآليات رافعاً شارة النصر، ويطلق آخرون الرصاص في الهواء ابتهاجاً.

مفخخات وانتحاريون

لا يزال داعش يسيطر على غالبية الجيب الأخير الذي يتضمن قرى عدة أبرزها السوسة والشعفة ويتحصن فيه مئات المقاتلين من تنظيم داعش. ويرجح أن العدد الأكبر من هؤلاء هم من الأجانب والعرب. وواجهت قوات سوريا الديمقراطية صعوبات عدة للتقدم داخل الجيب الأخير، أبرزها وفق أواز، «السيارات المفخخة والعمليات الانتحارية».
وفي هجين أيضاً، لجأ تنظيم داعش إلى استراتيجيته المعتادة لإعاقة تقدم خصومه عبر زرع الألغام في كل الأنحاء. وقد بدأت قوات سوريا الديمقراطية، وفق أحد القيادة الميدانيين، العمل على إزالتها. ويقاتل عناصر التنظيم بشراسة دفاعاً عن هذا الجيب الذي تحاصره قوات سوريا الديمقراطية منذ أشهر، وتستهدفه غارات التحالف الدولي، بوصفه آخر معاقله على الضفة الشرقية لنهر الفرات. وشنّ المتطرفون السبت هجوماً مضاداً على هجين، إلا أن قوات سوريا الديمقراطية تمكنت من صده بدعم من غارات التحالف.
ويُدرك عناصر داعش وفق محللين، أنهم سيقتلون عاجلاً أم آجلاً ولم يعد لديهم مناطق واسعة ينسحبون إليها ما يفسر خوضهم قتالا شرسا.

مصيرهم

يتذكر المقاتل في قوات سوريا الديمقراطية باهوز اللحظات الأولى لدخوله بلدة هجين، ويروي كيف سارع إلى تصوير جثث المتطرفين فيها. ويقول المقاتل «يعتقدون أنهم سوف يذهبون إلى الجنة، لكننا قتلناهم (...) الموت هو مصيرهم بعدما دمروا كل شيء». منذ بدء الهجوم في العاشر من سبتمبر، قتل أكثر من 930 متطرفا و540 من قوات سوريا الديمقراطية، وفق المرصد السوري لحقوق للإنسان الذي وثق أيضاً مقتل أكثر من 320 مدنياً، بينهم نحو 115 طفلاً، غالبيتهم في غارات للتحالف. وخلال شهري أكتوبر ونوفمبر، استفاد التنظيم المتطرف من سوء الأحوال الجوية ومن خلاياه النائمة في محيط الجيب ليشنّ هجمات مضادة على قوات سوريا الديمقراطية ويجبرها على التراجع بعدما كانت قد أحرزت تقدماً ميدانياً.
إلا أن قوات سوريا الديمقراطية أرسلت تعزيزات كبيرة خلال الأسابيع الفائتة حتى بلغ عديد قواتها المشاركة في عملية طرد تنظيم داعش من الجيب الأخير نحو 17 ألفاً، وفق المرصد. وقد فتحت قوات سوريا الديمقراطية ممرات لخروج المدنيين. ولم ير مراسل فرانس برس في هجين أي مدني، بعدما فرّ الآلاف منها ومن القرى المحيطة خلال الفترة الفائتة على وقع القصف والمعارك.
يحضّر المقاتل في قوات سوريا الديمقراطية محمد المحمد (19 عاماً) نفسه للتوجه إلى صفوف الجبهة الأمامية. ويبدو المحمد واثقاً من قرب القضاء على المتطرفين في المنطقة، ويقول «لم يتبقَ سوى القليل». ويضيف الشاب الأسمر الذي لف وجهه بوشاح بني اللون «معنوياتنا مرتفعة وسوف نتقدم إلى الشعفة والسوسة لتحريرهما والنصر لنا بإذن الله».

ضربات متتالية

ويوم الأحد تحدّثت وكالة «سانا» السورية الرسمية عن مقتل 17 شخصا جراء غارات جديدة للتحالف الدولي ضد «داعش» بقيادة الولايات المتحدة على بلدة هجين بمحافظة دير الزور شرق سوريا.
ونقلت الوكالة عن مصادر أهلية أن الضربة استهدفت قرية البوخاطر جنوب شرق، مؤكدة أن العملية أسفرت عن سقوط 17 قتيلا وعدد من الجرحى بين السكان المدنيين. وأشار «سانا» إلى أن القتلى بينهم نساء وأطفال، مضيفة أن الغارات أدّت أيضا إلى وقوع أضرار مادية بمنازل وممتلكات الأهالي. وتقود الولايات المتحدة في سوريا قوات التحالف الدولي ضد «داعش» منذ صيف العام 2014 دون دعوة أو موافقة من دمشق، التي تتهم الجيش الأمريكي وحلفاءه بانتهاك سيادة الدولة وارتكاب مجازر متكررة بحق السوريين.
وتنفذ القوات الجوية للتحالف ضربات متواصلة على هجين التي تعتبر آخر بلدة خاضعة لسيطرة «داعش» في جيبه الأخير بسوريا الواقع في منطقة شرق نهر الفرات بمحافظة دير الزور التي تمثل ساحة قتال مستمر بين مسلحي «داعش، المصنف إرهابيا على المستوى الدولي، و«قوات سوريا الديمقراطية» التي تشكل «وحدات حماية الشعب» الكردية عمودها الفقري وتدعمها الولايات المتحدة.